البطالة في البلاد العربية: قنبلة قابلة للانفجار (1/2)

عبيدلي العبيدلي

"تعتبر البطالة إحدى أخطر المشكلات التي تواجه الدول العربية، حيث توجد بها أعلى معدلات البطالة في العالم. وحسب تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، صدر عام 2004، قدّرت نسبة البطالة في الدول العربية بما بين 15 و20%. وكان تقرير منظمة العمل الدولية قد ذكر في عام 2003، أن متوسط نسبة البطالة في العالم وصل إلى 6.2%، بينما بلغت النسبة في العالم العربي في العام نفسه 12.2%. وتتزايد سنويا بمعدل 3%. وتنبأ التقرير بأن يصل عدد العاطلين في البلاد العربية عام 2010 إلى 25 مليون عاطل. وما يجعل هذه القضية من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، هو أن 60% تقريبا من سكانها هم دون سن الخامسة والعشرين. ووصفت منظمة العمل العربية، في تقرير نشر في شهر مارس 2005، الوضع الحالي للبطالة في الدول العربية بـ "الأسوأ بين جميع مناطق العالم دون منازع"، وإنه "في طريقه لتجاوز الخطوط الحمراء". ويجب على الاقتصاديات العربية ضخ نحو 70 مليار دولار، ورفع معدل نموها الاقتصادي من 3% إلى 7%، واستحداث ما لا يقل عن خمسة ملايين فرصة عمل سنوياً، حتى تتمكن من التغلب على هذه المشكلة الخطيرة، ويتم استيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل، بالإضافة إلى جزء من العاطلين".

تلك كانت مقدمة دراسة، متشائمة نسبياً، حول "ظاهرة البطالة في الدول العربية: الواقع والأسباب وآليات المعالجة (دراسة كلية)"، قام بها د. عبد المنعم محمد الطيب حمد النيل من "المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية". في مطلع هذا القرن.

واليوم وبعد مضي ما يزيد على عقد مضى على نشر تلك الدراسة، يعود د. مصطفى السعدني، كي يحذرنا من جديد من خطر بطالة أسوأ من تلك التي تحدث عنها "النيل"، قائلاً: "تفاقمت مشكلة البطالة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى حد يثير القلق في الآونة الأخيرة، وقد صدرت العديد من التقارير التي تحذر من التداعيات الخطيرة لتفاقم هذه المشكلة؛ ومنذ سنوات والتحذيرات تخرج من هنا وهناك، تدق ناقوس الخطر من العواقب السلبية لمشكلة البطالة على الأمن القومي العربي، ومع ذلك فإن معدلات البطالة تتزايد يومًا بعد يوم، ومن أسوأ صور البطالة في أمتنا حاليا هي أوضاع العمالة في الأراضي الفلسطينية، نظرًا لما يتعرض له العالم العربي من تحديات العولمة والصهيونية العالمية، وما تفرضه من واقع جديد على مختلف أوجه الحياة الإنسانية، ومنها مجال العمل والعمالة."

وفي السياق ذاته، أكد المشاركون في ورشة التي عقدت في الدوحة تحت عنوان "مكافحة البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، في منتصف العام 2015، "على ارتفاع نسب البطالة في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغت وفقا لإحصائيات 2013 لنحو 28% وهو ما يعتبر ضعف معدل البطالة العالمي".

إذا لم تعد البطالة متفشية في صفوف مواطني الدول العربية/ وبنسب عالية فحسب، بل انتشرت كي تصل إلى تلك الأغنى بينها وهي الدول المصدرة للنفط التي تتجاوز دخولها الوطنية السنوية البلايين من الدولارات، وتتربع على صناديق سيادية فاقت قيمتها، مجتمعة، التريليونات من الدولارات. وقد كشف تقرير صدر مؤخرا، وهو من أعداد "مركز البحوث في الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية"، عن أن معدل البطالة في الدول العربية الأقل نمواً "سجل نحو 19 %، وفي دول المشرق العربي نحو 17%، وفي دول المغرب 11%، وفي دول مجلس التعاون الخليجي 5.7 في المئة. ووصل معدلها في سورية إلى 57.7%، وفي اليمن إلى 40%، وفي موريتانيا إلى 31%، وفي فلسطين إلى 26.5 %، وتعكس هذه المعدلات المرتفعة الانعكاسات السلبية للنزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي على الأوضاع الاقتصادية".

أسوأ ما في الأمر، هو ما لاحظه ذلك التقرير من "ازدياد معدلات بطالة الشباب في الدول العربية إلى 29 في المئة ما يفوق ضعف معدل بطالة الشباب العالمي، وتتراوح بين 40 و50% في الدول العربية التي تشهد نزاعات مسلّحة".

ويزداد الأمر سوءا عندما يصل الحديث إلى البطالة في صفوف النساء الشابات. إذ تصل هذه النسبة استناداً إلى صندوق النقد العربي "إلى 43.4 في المئة أي ما يزيد ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، في حين يشكل عدد المتعلمين العاطلين من العمل نسبة 40% من العدد الإجمالي في بعض الدول".

وقد حذر رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي ومديرها العام دّ. عبد الرحمن الحميدي، متحدثاً للصحفيين على هامش اجتماع وكلاء وزراء المالية العرب بأبوظبي في أواخر العام 2015، من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حين اعترف بحاجة "الدول العربية إلى رفع معدلات نمو اقتصادي، تتراوح نسبته بين 5% - 6% سنوياً، خلال الفترة المقبلة، (مقارنة) مع تقديرات صندوق النقد العربي للاقتصادات العربية، التي تشير إلى تحقيق معدل نمو في حدود 3% خلال العام 2016، وهي وتيرة ما تزال دون المستوى الذي يمكّن الدول من تحقيق تقدم على صعيد خفض معدلات البطالة والفقر، (موضحاً) أن معدلات البطالة ترتفع في الدول العربية، إلى نسب كبيرة تبلغ أكثر من ضعف معدلات البطالة على مستوى العالم، "وهذا يعود إلى أسباب جيوسياسية، ألقت بظلالها على اقتصادات البلاد العربية".

ويشير الحميدي، وبناء على التقرير الصادر من صندوق النقد العربي، في حديثه عن مساعي الدول العربية للتصدي لظاهرة البطالة من أن "أن الجهود التي بُذلت خلال العقود الماضية نجحت في توفير فرص عمل بالقدر الذي ساهم في الابقاء على معدلات بطالة الشباب عند مستوياتها المسجلة في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، وحالت دون ارتفاعها، إلا أنها لم تتمكن في المقابل من إحداث خفضٍ ملموسٍ في معدلات بطالة الشباب، التي بقيت مستقرةً عند مستويات مرتفعة نسبياً مقارنة بعدد من الأقاليم الأخرى".

تعليق عبر الفيس بوك