شكرا لضبط المساجد

علي بن راشد المطاعني

في السَّنوات الماضية أبدى البعض عدم ارتياحهم لتوحيد مواضيع خطبة الجمعة من قبل الدولة في كل مساجد البلاد، تلافيًا لاستغلال المنابر في التأثير على النّاس بشكل لا يتناسب مع التوجهات الدينية القائمة في البلاد على احترام الآخر، إلا أنّ هذه التوجهات أثبت بما لا يدعو للشك صحتها في الوقت الحاضر، عندما أدرك الجميع خطورة عدم ضبط المساجد على النسيج الاجتماعي، وتقنين الأجندة الدينية التي يرغب البعض تمريرها من خلال المساجد والمنابر الدينية، التي أسهمت في الكثير من الدول في تفريخ الإرهاب وإثارة الضغينة بين أفراد المجتمع، وامتدت إلى التهجم على بعض المعتقدات والمذاهب وإثارة الحساسيات في المجتمع، الأمر الذي يوجب علينا أن نُحيي هذا المسلك الذي تبنته الدولة تجاه خطاب الديني في البلاد عند الحدود التي تسمح بعبادة الله وحده، وعدم الإساءة في استخدام المنابر الدينية بشكل لا يتماشى مع وظيفة المسجد.

فالمساجد ‏على مر السنين تُعد منابر هامة في حياة الفرد والمجتمع، وعليها مسؤوليات كبيرة في توجيه المجتمع وأفراده إلى المسلك الصحيح في خدمة المولى عزّ وجلّ والبلاد، ونشر الفضائل وتعزيز التآخي بين أفراد المجتمع، ونبذ العنف والكراهية والفرقة، وترسيخ التسامح والانسجام واحترام المُعتقدات الأخرى، فوظيفة المساجد ليست العبادات فقط بأنواعها وإنما مؤسسة دينية واجتماعية راسخة في تأسيس أجيال تعي حقوقها وواجباتها في الدولة، وتُحافظ على الأمن والسلم الاجتماعي الذي تتميز به السلطنة ويحميها من الفرقة والأفكار الشاذة، بما تُقدمه من فكر وسيط يبتعد عن المغالاة في الشيء والتطرف في الدين، بل يمتد دور المساجد كمؤسسات عامة إلى تعزيز حب الأوطان والمحافظة عليها آمنة مطمئنة، فضلاً على الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية المُتحققة في أربع عقود ونصف العقد من عُمر النهضة المباركة.

فهذا الدور عبر توجيه الخطاب الديني في المساجد يراه البعض توجيهاً لفكرهم وتحييداً لتوجهاتهم التي ترغب في إطلاق العنان للمساجد والوعاظ أن يثيروا النّاس ويجيشوا الأفراد على إخوانهم وأوطانهم ليتحول المسجد بين ليلة وضحاها من عامل بناء إلى آلة هدم في المجتمع، يؤجج الطائفية والفرقة بين الناس على أسس بعيدة كل البعد عن ما يدعو إليه الدين الحنيف.

فلله الحمد والمنة على الفطنة التي استشرفت المستقبل واتجهت إلى ضبط مسار المساجد ووعاظها وتوجيههم إلى المسار الصحيح لدور المسجد في المجتمع، وكيفية تعظيم دوره دون أن يخرج عن الخط المرسوم له في الدين والمسار المُحدد من الدولة. فالبعض للأسف ممن يعتلي المنابر غير مؤهل بما فيه الكفاية من كافة الجوانب الحياتية لكي يوجه النّاس بشكل متوازن لما ينفعهم بأسلوب سلس ومتزن ووسطي بعيداً عن الغلو ويبتعد عن الجوانب العقائدية والآيدلوجيات والاختلافات التي ليس لها محل في الدين الإسلامي الحنيف.

فاختيار موضوعات الخطب وإلزام الخطباء في كل مسجد بها لم يأتِ من فراغ وإنما جاء نتيجة لتكريس مُتطلبات المجتمع من الدروس الدينية وبناءً على مرئيات من الواقع والظواهر التي تطفو على السطح وتحتاج إلى معالجة وتنبيه النّاس لها بأسلوب يترك للخطيب أن يطرحه ويُعزز بما لديه من ثروة معلوماتية يوظفها في إطار الخطبة، وهو سبق العديد من الدول التي فتحت منابرها لكل فكر شاذ بدعوى الحرية، وألا تسعى إلى ضبط تلك الظاهرة، بعد أن استفحل خطر تلك الأفكار، وخرجت عن نطاق الفكر إلى الدفع بالقوة وتحولت إلى إرهاب بغيض يدفع العالم ثمنه الآن.

فاليوم نحن بخير من كل العاهات التي ابتليت بها بعض المجتمعات لأمر عظيم في توجيه المساجد والخطباء والوعاظ إلى الاتجاه الصحيح، ولولا ذلك لكان العديد من أبنائنا الآن مضللين يحاربون بمعارك ليس لوطنهم فيها ناقة أو جمل، ويرتكبون الأفعال الشنيعة التي نراها، وليد فكر متطرف ترسخ في من يعتلوا المنابر لأغراض في نفوسهم مدفوعين من بعض القوى التي تريد الإساءة إلى ثوب ديننا الحنيف الناصع الداعي للوسطية واحترام حق الإنسان في الحياة، وتوجيه المساجد لخدمة معتقداتهم وآيدلوجياتهم، فالمجتمعات تئن من هذه الموجات المتطرفة لأنّها لم تضبط المساجد والمناهج وأتاحت للكل أن يفتي بعلم وبدونه.

بالطبع ليس الكل يعي اليوم الضريبة التي تدفعها بعض الدول التي انتهجت الآيدلوجيات الدينية، وشجعت عليها، فهي اليوم نمت وازدهرت وتفرخ وقوداً للأحزمة الناسفة والمتفجرات ما شابه ذلك، ونحمد الله عزّ وجلّ أن أبعد مجتمعنا عن هذه العاهات، فحتى المشجعين لهذه التوجهات سابقًا، اليوم يحمدون الله أن حرص الدولة ووعيها كان أكبر مما يفكرون ويهدفون إليه.

نأمل أن نستمر في ضبط المساجد والمنابر وألا نتهاون مع أي فرد يعبث في هذه المؤسسات العامة التي نتطلع أن تواصل دورها الذي جعل السلطنة علامة ساطعة للإخاء والأمن والسلام والتسامح والانسجام بين أفراد المجتمع.

 

تعليق عبر الفيس بوك