فسيفساء بيئية عمانية

علي بن سالم كفيتان

لا أخفيكم بأنّ مؤشر الأداء البيئي لدول العالم الأخير استثار حفيظتي عندما وجدت السلطنة تقبع في المرتبة رقم 126 في التصنيف العالمي وتتقدمها دول تُعاني من الحروب والانقسام وضعف الأداء الحكومي مثل سوريا وليبيا والعراق هذا الأمر قادني للبحث عن مصدر هذا التقييم العالمي فوجدت أنه يصدر عن جامعتي ( ييل - كولومبيا) الأمريكيتين اللتان تصنفان ضمن أفضل المؤسسات الأكاديمية في العالم بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي والمفوضية الأوروبية.

حاولت جاهداً تبرير هذا الأمر ولكني لم أنجح فالمؤشرات التي اعتمد عليها التقييم علمية بحتة يصعب التشكيك فيها وتعتمد عليها منظمة الأمم المتحدة لمعرفة الأوضاع البيئية في كل دولة وهذا بدوره ينعكس على المناخ الاقتصادي لأيّ بلد وعندها رجعت إلى نفسي لأجد فسيفساء بيئية نادرة في السلطنة ومتنوعة وبألوان زاهية ولكنها متناثرة.

الفسيفساء البيئية العمانية الجميلة تتمثل في بلد جميل مختلف التضاريس مع تنوع أحيائي فريد وقائد مُلهم جعل الشأن البيئي في مُقدمة أولوياته منذ انبلاج فجر النهضة في عام 1970م، وشعب طيب مُسالم مُحب لبيئته وحريص عليها منذ غابر الزمن فهم من ابتكر نظام الحمية وهم من شق الأفلاج وهم من حدد آلية استخدام الأراضي وفق عرف اتفقوا عليه وتعايشوا معه لحقب طويلة فإذا توفرت كل تلك المقومات فإنّ الإخفاق يصبح صعب تبريره.

إنّ المتتبع للمؤسسات التي تشرف على الجانب البيئي في السلطنة يجدها مُتعددة وتقوم بأدوار جليلة منذ إنشائها وتقودها كوادر عمانية مخلصة لا نشكك في طموحها لتحسين الأداء البيئي في السلطنة ولكنها تعمل بشكل منفصل دون تنسيق مشترك فليس غريباً أن تجد تضارباً في الاختصاصات وتنافساً يتم معظمه على صفحات الجرائد لإبراز الجانب الإعلامي الذي طغى على كل الجوانب الأخرى.

تفتقر مُعظم تلك الجهات إن لم تكن جميعها لما يُعرف بإدارة الجودة مما يصعب عملية تقييم الأداء فلا توجد مؤشرات ثابتة تحكمها لغة الأرقام المقرونة بالفترة الزمنية وهذا يضعف فرص المحاسبة في حال الإخفاق والمكافأة في حال الإنجاز ويولد ما يعرف بالإدارة البيئية العشوائية القائمة على الاجتهادات الشخصية مما يعطينا انطباعاً بأنّه لا يوجد قياس لجودة الأداء البيئي في السلطنة.

إنّ المتتبع للشأن البيئي العالمي يجد أنّ التكنولوجيا تمّ توظيفها بشكل كبير خلال العقدين الماضيين لتحقيق الأهداف البيئية التي تصبو لها مختلف الدول في العالم من خلال إيجاد قواعد بيانات بيئية رصينة ترصد مختلف التغيرات البيئية في أيّ بلد معتمدة على تكنولوجيا وتقنيات عالية الجودة تحتاجها جميع الجهات البيئية في السلطنة وإن وجدت فهي تستخدم بشكل غير مُقنن فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك جهات تفتخر بشراء أطواق تعمل بالأقمار الاصطناعية باهظة الثمن لمتابعة تحركات الحيوانات البرية والطيور ولكنها لا تمتلك البرامج التي تُحلل البيانات الصادرة من تلك الأطواق وإن وجدت البرامج فلا توجد كوادر مدربة لتحليل تلك البيانات بشكل علمي.

إذا ما أردنا التقدم في الأداء البيئي فيجب أن نحسن من الطريقة التقليدية التي نعمل بها منذ 40 سنة والمتمثلة في مراقبة الحياة البرية من على صهوات سيارات اللاند كروزر في مساحات ليس لها حدود جغرافية معلومة ولا يحكمها عامل الزمن وعن طريق أدوات بدائية منخفضة الجودة ومن ثم نطلب أن يكون لدينا أداء بيئياً يقارن بدول أخرى في المنطقة وصل تصنيفها لمراحل مُتقدمة وفق المؤشر البيئي العالمي، أتوقع أن هذه المقارنة ستكون صعبة وغير عادلة.

إنّ الاستثمار السياحي المقنن للمحميات الطبيعية أصبح اليوم صناعة اقتصادية تدر المليارات على موازنات الدول وليس عبئاً اقتصاديا على الدولة كما هو لدينا، فالزائر لبعض المحميات الطبيعية في السلطنة سيجدها تحتاج لأدنى الخدمات الأساسية وفي أحيان كثيرة تدخل المحمية وتخرج منها وأنت لا تعلم فلا مباني ولا مراكز معلومات ولا نقاط مراقبة ثابتة والمركبات المستخدمة لأعمال المراقبة ذات مواصفات عادية لا تقارن بإمكانيات الذين يمتهنون الاعتداء على الأحياء الفطرية وفي حال القبض على المخالفين تخفف الأحكام عليهم أو يُطلق سراحهم لعدم كفاية الأدلة والمحميات الطبيعية المسيجة بات عرفاً أن تجد السياج مفتوحاً من عدة اتجاهات إما بسبب عدم الصيانة الدورية أو بسبب الصراع مع المجتمع المحلي الذي لم يؤخذ برأيه عند تسييج تلك المحميات.

وفي ذات الوقت تتطلب الرقابة البيئية للتلوث البيئي وتقييم المشاريع البيئية توفر أجهزة كفية عالية الجودة مع الموظفين المعنيين تكون مربوطة مع شبكة محطات بيئية متكاملة في مختلف مناطق السلطنة لا سلكياً كما أنّ الأمر يتطلب وبإلحاح استقدام خبراء متخصصين في مجال تقييم المشاريع البيئية التي ترد للجهات المعنية حيث إنّ الموظفين الحاليين مطلوب منهم القيام بأعمال إدارية ورقابية وفي ذات الوقت مطلوب منهم وضع ملاحظاتهم على دراسات تقييم الأثر البيئي الواردة من المستثمرين وفي أغلبها مجلدات قص ولصق وفق قالب أصبح موحداً بين الشركات التي تقدم دراسات تقييم الأثر البيئي في السلطنة وهذا ما انعكس سلباً على تعثر المشاريع وزيادة ضريبتها البيئية وسط تذمر المجتمع المحلي من الدور الذي تقوم به المؤسسات البيئية في تمرير تلك المشاريع ومن ثمّ ضعف المراقبة أثناء التنفيذ لنتفاجأ بأننا لم نضع أيّ مواصفات أو ملاحظات حيوية على دراسات التقييم للمشاريع مما يعني ضمناً أنّ الشركات المُنفذة يصعب محاسبتها وإن تمت مخالفتها فقيمة المخالفة مقدور عليها ولا تشكل عبئاً أو رادعًا حقيقيًا بقدر الضرر البيئي الحاصل ومشاريع الطرق في جبال محافظة ظفار خير دليل على ذلك.

إن تغير المناخ بات هاجسًا مقلقاً في السلطنة وبدأنا ندفع فاتورته منذ مطلع هذا القرن بقسوة كقسوة الأعاصير والعواصف التي مرت علينا ولا زال هذا القطاع بحاجة لهوية واضحة إما أن يظل شأناً بيئياً وتهيأ له كافة السبل للقيام بدوره أو يتم دمجه مع جهات أخرى تقوم بنفس الدور وإما أن يقتصر الدور الحالي على التوعية بأخطار تغير المناخ وإصدار التصاريح وحضور المؤتمرات فأعتقد أن هذه إحدى نقاط الضعف التي رصدها معدو التقييم البيئي العالمي الأخير.

في الختام نؤمن بأنّ الإرادة التي جعلت الفسيفساء البيئية في السلطنة متعددة كانت لمرحلة تتوجب ذلك إلا أنّ التأقلم مع المتغيرات يوحي لنا بأنه لا مناص من توحيد هذه الفسيفساء البيئية والسياحية الجميلة بكوادرها وهيئاتها المخلصة اليوم تحت مظلة واحدة إذا ما رغبنا بتطوير أدائنا البيئي والسياحي، ولا شك أن هذا هو الوقت المناسب في ظل تدهور أسعار النفط وسعي الحكومة الرشيدة لتقليل الإنفاق وتطوير القطاعات المستدامة غير النفطية عبر إعادة جدولتها بما يخدم هذه المرحلة.

حفظ الله عمان وأدام على جلالة السلطان نعمة الصحة والعافية

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك