هل قيمة الدولة بنفطها.. أم بسياستها وقوة اقتصادها؟

عبد القادرعسقلان

يُشير المحللون إلى أنّ انهيار أسعار النفط ليس هو هدف الغرب تجاه الدول المنتجة للنفط وخاصة الدول الخليجية والعربية، وإنما الهدف الحقيقي هو جعل النفط مادة يمكن الاستغناء عنها وذلك بإيجاد البدائل التي يمكن استخدامها عوضا عنه من أجل أن تفقد هذه الدول قوتها الاقتصادية وبالتالي تتراجع مكانتها السياسية في العالم، باعتبار أنّ هذه الدول تستمد قوتها وتأثيرها كونها دول منتجة لهذه المادة التي يعتمد عليها العالم في توفير الطاقة، وعليه ومن أجل تحقيق ذلك بدأ الغرب وأمريكا بتطوير المجالات التي يمكن استخراج الطاقة منها بدل النفط، ومنها الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وتطوير استخراج الطاقة من الفحم والغاز، وتطوير هذه المصادر سيوفر أكثر من 70% من احتياجات مصادر الطاقة، وبذلك لا يعود النفط هو المصدر الوحيد للطاقة التي تحتاجها الدول الصناعية في العالم، وعندها فإنّ القوة العربية والضغط العربي لن يكون متوفرًا مع غياب القوة العسكرية والقوة الاقتصادية فسوف لا يكون هناك أي تأثير للدول العربية على الساحة الدولية، وتصبح دولاً مستباحة مستضعفة حتى أمام أصغر الدول في العالم، وبذلك فإنّ قيمة هذه الدول وهيبتها سوف تنعدم، وإن كانت بعض هذه الدول الآن ترضى بالتبعية فستصبح بعد انعدام قيمة النفط لا حول لها ولا قوة، ولا أمل يرتجى لنا كعرب إلا من بعض الدول العربية التي رفضت التبعية وتلقي التعليمات لتحدد اتجاهاتها وسياساتها، ويلاحظ بأن مثل هذه الدول تتعرض لشتى أنواع التآمر وشن الحروب عليها حتى تضمن قوى الشر عدم وجود أي معارض لسياساتها في المنطقة من محيطها إلى خليجها وتضمن طاعة دول المنطقة بدون استثناء لها، وتلعب إسرائيل وحلفاؤها دورا بارزا في تنفيذ هذا المخطط حتى يتم إضعاف كافة الدول المحيطة بإسرائيل، حتى تصبح مهيمنة على منطقة حدودها من النيل إلى الفرات وهو الحلم الإسرائيلي منذ نشأتها ولا ننسى بأن إسرائيل كانت دوماً تردد "دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات" .

أمام هذه التحديات فعمان هي الأقل تأثرًا بهذه السياسات وهذه المخططات، لأن الله عزّ وجلّ قد سخر لهذا الوطن قائدًا يؤمن بعدم التبعية لأحد، يرفض التدخل في شؤون بلاده ولا يتدخل بشؤون الدول الأخرى، لذلك ليس من السهل بل من المستحيل أن تجد قوى الشر سبيلاً لما تُخطط على أرض عمان، فمن يرفض التبعية ليس من السهل فرض الهيمنة عليه، لذا فإنّه يتوجب علينا ألا نربط قيمتنا وتاريخنا وإنجازاتنا بوجود النفط، فالنفط سلعة قابلة للنضوب لكن نحن دولة لدينا مقومات النهوض والاستمرارية في تحقيق التقدم والإنجازات بفضل ما منحنا الله من: قيادة تؤمن ببلدها وأمتها وتحظى بمحبة شعبها، وتؤمن بتكريس العدالة والسلام والمحبة لشعبها وشعوب العالم.. قيادة كرست سياستها الخارجية لإصلاح ذات البين بين الفرقاء المتخاصمين، وتؤمن باستقلالية القرار ولا تستمع إلا لصوت الحق والضمير.. وهذه المقومات لا تتوافر لكثير من الدول حتى تستطيع أن تقاوم الهيمنة والسيطرة.

لكن بقي علينا أن نتحصن بالقوة الاقتصادية التي تؤكد على قدراتنا واستغلال الثروات المتوفرة في بلادنا، علينا أن نرتقي بمواردنا البشرية حتى نجعلها دوماً قوى فاعلة متطورة لا تؤمن إلا بالإنتاجية والإنجاز، وتقدم خدماتها للمجتمع بكل إخلاص وفعالية، فوظيفة أي مسؤول هي تكليف لخدمة المجتمع وليست للحصول على القوة والنفوذ وتعطيل مصالح الأفراد، فمن كُلّف بالوظيفة مطلوب منه الأمانة والإخلاص في العمل بجميع المواقع بعد أن تمّ توفير التعليم والصحة والوظيفة والسكن والأرض والراتب التقاعدي والرعاية الاجتماعية، فالمجتمع المتماسك والمتآزر والذي يعي حقوقه وواجباته، هو مجتمع محصن من التفكك ويصعب اختراقه ليكون تابعاً وخاضعًا لقوى الهيمنة والتسلط، وعليه وحتى لا ترتبط قيمتنا بالنفط وأسعار النفط يجب علينا أن ننتهج سياسة التخطيط لمرحلة ما بعد النفط، وتكريس جهدنا في تحضير القطاع الخاص للمساهمة الفاعلة في تنويع مصادر الدخل القومي، إذ إنه وخلال ثماني خطط خمسية مضت كان إسهام القطاع الخاص محدودًا جداً خاصة فيما يتعلق بخلق مشاريع إنتاجية فاعلة باستثناء بعض الصناعات الخفيفة والتي لا تعتبر فاعلة في تنويع الدخل القومي، فكيف يمكننا إقناع المستثمر الأجنبي أن يأتي للاستثمار في بلدنا بينما القادرون على الاستثمار في البلد لا يستثمرون في بلدهم، لذلك مطلوب حوار فوري وجدي بين الحكومة والقطاع الخاص الفاعل في البلد ليوضح كل للآخر ماهي المعوقات التي تعيق الاستثمار المحلي، ولنجعل خير البلد يستثمر داخل البلد، ويتوجب أن تقوم شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص في كل المجالات التشريعية وسن القوانين وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولية المحافظة على سلامة الوطن ورفعة شأنه.

كذلك مطلوب أن يتم حوار مع البنك المركزي العماني حتى يعاد النظر في تركيبة التسهيلات التي تقدمها البنوك للقطاعات المختلفة، إذ لا يزال قطاع القروض الشخصية يستأثر بما لا يقل عن 45% من مجموع التسهيلات التي تقدمها البنوك، ولا تشكل التسهيلات الداعمة للمشاريع التنموية إلا الجزء اليسير، كما أنّ البنوك لا يسمح لها بالاستثمار في أي مشروع بأكثر من 5% من رأس مال المشروع خوفًا من تجميد أموال البنوك في هذه المشاريع، وقد آن الأوان أن يتم بحث إنشاء بنك للاستثمار يدعم المشاريع الإنتاجية التي تساهم في تنويع مصادر الدخل القومي، ويمكن دراسة تطوير بنك التنمية وجعله بنك استثمار وذلك بدعمه وتوسيع قاعدته الرأسمالية وتوفير العناصر البشرية الفاعلة والقادرة على إدارته، فتنويع مصادر الدخل لا يأتي بالإنفاق المالي وحده بل إن تنمية الموارد البشرية هي التي ستبقى العنصر الأساسي المخطط والمنفذ لمشروعات تنويع مصادر الدخل.

وعليه فإننا نحتاج إلى تبني جملة من الخطوات ومنها: وضع رؤية اقتصادية ومالية بحيث يمكن تعديلها وفقاً للظروف وتطور الأحداث وتحديد مصلحتنا، ويتوجب العمل على مراجعة مستمرة لبرامج الإصلاح والتأكد من صحة مسيرتها والتأكيد على تطوير مجتمع المعرفة الذي يؤدي إلى التنمية الحديثة المتطورة.

وأخيرًا، يجب أن نعمل وأن نضع نُصب أعيننا رفعة الوطن كهدف أسمى لنُعبر عن صدق وفائنا وحبنا لوطننا.

تعليق عبر الفيس بوك