دوري "تشونغوا" .. وأحلام الغد

حسين الغافري

نتحدّث عن الصين فيطير بنا خيالنا مُجبراً إلى استحضار القوة العالمية الاقتصادية الهائلة التي تملكها هذه الدولة الشرق آسيوية. وكما نعرف فهي مُصنّع عملاق لكل ما يدور في ذهن البشر، وبُعبع منتج ومصدر ومستورد -كلها مجتمعة-، على عكس الخرافة التي تقول بأنّهم مُقلدين للتكنولوجيا والمعدات فقط. وتأتي الصين في مراكز مُتقدمة كأكثر الدول كثافة سُكانية، وثاني أكبر اقتصاد عبر العالم، وأكبر الدول المصدرة للمنتجات وثاني أكبر دولة مستوردة للبضائع وغيرها من المراتب العليا والتي قد نحتاج إلى مجلدات أكبر لو تشعّبنا في الدخول إلى تفاصيلها.

مُنذ مدة كتبتُ مقالاً بعنوان "أهلاً بكم في الدوري الهندي" لم نستغرب وقتها المشروع الهندي "الترويجي" بدخول الهنود عالم كرة القدم عندما فكرت الدولة بالاستثمار في الرياضة الشعبية الأولى، وأصبحت الفكرة التسويقية للكرة الهندية حديث المُهتمين في الكرة الآسيوية .. وقبلها العالمية. ومن خلال نظرة طغى عليها طابع الترويج في محاولة بث كرة القدم على أراضيها جلبت الهند الأسماء الكبرى ذات الصولات والجولات والتي شارفت على التقاعد من مختلف الجنسيات العالمية وممن نشط في كبرى الدوريات الأوروبية وحظي بسمعة واسعة كأمثال الفرنسي بيريس وليونجبرج والإسباني لويس جارسيا والإيطالي دل بيرو والحارس الإنكليزي جيمس.. وغيرهم كُثّر من اعتزل اللعبة ولكن الإغراءات المالية هي من جذبته للعودة.

الآن، يبدو أنّ دوري "تشونغوا" -كما يُطّلق على الصين باللغة التقليدية- أصبح حديث العالم في السوق الشتوية للاعبين، ولعلها فكرة مستنسخة ولكن بطريقة مطورة من المشروع الهندي الذي كان مُعّتمدا بدرجة أولى على الترويج والأضواء والإشهار؛ لجلب الجمهور في دولة لعبتها الأولى هي "الكريكت". أما الدوري الصيني فبحث في سوقه الشتوية أسلوبا مغايرا تنتهجه أندية كبار أوروبا في كل فُسحة للانتقالات.. فشاهدنا الملايين تُنفق وتتجه من هُنا إلى هُناك ونجوم اللعبة ينتقلون من نادٍ لآخر. ونحن اليوم وبعد أن أُغّلِقتْ السوق الكروية في أوروبا يظّنُ البعض وكما جرت العادة على تنافس سلاطين اللعبة ذوي النفوذ المالي في إسبانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا على البذخ وصدارة أندية العالم التي تستثّمر من أجل تعزيز صفوفها في رحلة المنافسات الكروية ما يتجاوز حدود المعقول، ولو أنّ فكرة المعقول في كرة القدم أصبحت مصطلحا غير موفق في عصرنا اليوم؛ لما وصلت إليه اللعبة من تجارة احترافية يدور بفلكها اقتصادات الدول، وتتحرك البورصة في أسهمها من الطفرة المالية المُتصاعدة في البطولات المحلية.

ومع هذا التوقف في فترة الانتقالات الشتوية قلبت الصين كُل التوقعات وتجاوزت كل أندية العالم بإنفاق أنديتها 105 ملايين جنيه استرليني في جلب أبرز اللاعبين ومن أهم الأسماء التي غيّرت وجهتها إلى الدوري الصيني مؤخراً البرازيلي راميرز نجم وسط تشيلسي، ونجم ساحل العاج وروما الإيطالي جيرفينهو، والكولمبي جورين لاعب وسط انتر الإيطالي، والسنغالي ديمبا با.

رأس الهدف في البداية يبدو هو الترويج إلى اللعبة بأسماء قادرة على الإضافة، وتقديم قيمة فنية عالية في الكرة الصينية؛ حيث الجمهور ليس بعقلية الجمهور الهندي كون أن الصينيين تستهويهم كرة القدم، ولكن هي فرصة مُناسبة أيضاً لإنعاش الحضور الجماهيري بكثافة أكبر وزيادة التغطيات الإعلامية والنقل التلفزيوني للبطولة، وهي خطوة كبيرة في الكرة الآسيوية في سياسة الاستثمار بإغراق اللاعبين بالمال لجلبهم إلى بطولة لا تقارن بدوريات أوروبا الكبرى. عموماً، هي خطوة كبيرة لرفع قيمة الدوري منتظر منها انعكاسات على مختلف الأصعدة وأولها المنتخب الأول ولو أن ذلك يحتاج إلى أعوام قادمة حتى نرى تأثير هذه السياسة. فهل من الممكن أن تُصّبحْ الصين إمبراطورية كروية قادمة؟!. يبدو الأمر مثيرا للاهتمام، ولكن قبلها سنرى فصل الصيف لمتابعة الاستثمارات الرياضية في السوق وجلب النجوم الأخرى، حتى نحكم بأن فصل الشتاء لم يكن مجرد زوبعة بفنجان!.

تعليق عبر الفيس بوك