السعودية وإيران: صراع سياسي أم طائفي؟

صالح البلوشي

قبل عدة أيام، نشر 140 رجلَ دين في المملكة العربية السعودية، بيانا؛ طالبوا فيه العرب والمسلمين بالتصدي لما أسموه "خطر الصفويين على أهل الإسلام"، وأرجع البيان أهم أسباب "الخطر الصفوي الإيراني" إلى ابتعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم؛ لأنَّ هذا النظام "الإيراني" ما كان له أن ينتفش ويتمدَّد؛ لولا تفرق أهل الإسلام وتشرذمهم، كما أن سقوطه الأخلاقي من خلال جرائمه البشعة؛ هو مقدمة -بإذن الله- لسقوطه السياسي والعسكري، وما ذلك على الله بعزيز، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يرفع الضراء عن إخواننا في كل مكان". ومن الملاحظ في هذا البيان أنه وضع مصطلح "الصفويين" مقابل مصطلح الإسلام، بمعنى أن "الصفويين" -حسب تعبير البيان- لا يعدون من المسلمين، وإنما خطرٌ على الإسلام وأهله!

ومن المؤكد أن هذا البيان ومثله بيانات أخرى صدرت في أوقات سابقة لا تصدر إلا عند وجود أزمات بين إيران والسعودية في المنطقة، ويقابلها بطبيعة الحال بيانات أخرى من الطرف الآخر، ولكنها أقل تشددا؛ مما يؤكد بعض الآراء التي تذهب إلى أن الصراع الذي يدور بين السعودية وإيران ليس طائفيا، وإنما هو صراع سياسي على النفوذ في المناطق الضعيفة، التي تعاني من غياب السلطة فيها، أو تكون فيها سلطة ضعيفة، ومن هؤلاء الباحث غريغوري غوس في دراسته "ما وراء الطائفية: الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط"، التي نشرها مركز بروكنجز في الدوحة، حيث أرجع سبب هذا الصراع إلى "السباق على النفوذ في الأنظمة السياسية الداخلية في الدول الضعيفة في المنطقة"، وقد أكد غوس في دراسته إلى أن الصراع في الخليج ليس طائفيا وإنما تلعب الدولتان "لعبة توازن القوى وتستخدمان الطائفية في هذه اللعبة؛ لكن كلتاهما تجاوزتا خط الطائفية الأحمر في السعي وراء التحالفات الإقليمية". ويرى غوس أن سبب بروز الطائفية فيما أسماه بالحرب الباردة في الشرق الأوسط: "ضعف الدولة وفشلها والتي تظهر في لبنان مرورا بسوريا ووصولا إلى العراق مما دفع إلى تراجع الدولة"، وهذا ما يدفع الناس في هذه الدول كما يرى غوس إلى "اللجوء إلى الهويات والجماعات الطائفية لتأمين الحماية والمواد الأساسية، التي لا ولن تستطيع الدولة أن تقدمها"، ويضيف غوس "بحثت هذه الجماعات عن حلفاء خارجيين، للحصول على الدعم في الصراعات السياسية والعسكرية المحلية. وفي الوقت الذي كانت فيه الطائفية تحدد صراعات هذه المجموعات على نحو متزايد؛ كان من الطبيعي أن تتجه هذه الأخيرة نحو البلدان التي تشاركها الطائفة نفسها- إيران للشيعة والمملكة العربية السعودية للسنة- للبحث عن هذا الدعم"، ويرى الكاتب أن السعودية وإيران لا تقفان "وراء ضعف الدولة والهويات الطائفية في هذه البلدان، إلا انهما تستفيدان بالتأكيد لتحقيق مصالحهما الخاصة في لعبة توازن القوى التقليدية". من يقرأ الحالة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، والاحتلال الأمريكي لهذا البلد، يجد أن بعض السياسات الخاطئة التي مارستها سلطة الاحتلال مثل: حل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية في البلاد قد أدت لحدوث فراغ أمني كامل، وقد دفع ذلك بالناس إلى اللجوء إلى حماية الطائفة للاحتماء من الطوائف الأخرى، وعندما يلجأ الفرد إلى الطائفة فإنه من الطبيعي جدا أن تسعى الدول القوية التي لها روابط مذهبية مع هذه الطائفة باستغلال ذلك والتدخل في البلاد تحت عنوان: الدفاع عن هذه الطائفة من اضطهاد الطوائف الأخرى، مما فتح الباب واسعا لتدخل بعض الدول الإقليمية في العراق، وهذا ما تكرر -للأسف- مرة أخرى في سوريا، فقد أدت عسكرة الانتفاضة الشعبية التي حدثت هناك للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية إلى تدخل بعض القوى الإقليمية في هذا البلد، عن طريق دعم الجماعات السورية المسلحة المختلفة، من أجل دعم هذه الطائفة أو تلك، وقد أدى ذلك إلى تحول الانتفاضة الشعبية من المطالبة بالإصلاح إلى صراع وجودي لكل طائفة للحفاظ على هويتها المذهبية؛ مما دفع ببعض الطوائف المذهبية إلى الوقوف بقوة مع الحكومة السورية؛ بعد أن وجدت نفسها هدفا للجماعات المسلحة بالقتل والذبح والتفجير، وهذا ما أكده زعيم جبهة النصرة المدعو أبو محمد الجولاني، في حوار له مع قناة الجزيرة عندما صرح علنا بأن الأقليات المذهبية في سورية -مثل العلويين والدروز والإسماعيلية- أصبح لديها خياران لا ثالث لهما وهما: الدخول في الإسلام (حسب عقيدة جبهة النصرة طبعا) أو القتل. ولذلك، يُلاحظ في بيان الـ140 رجل دين الجديد، أنه صدر بهدوء ومضى بهدوء أيضا، وليس كعادة البيانات السابقة التي كانت تواجه -عادة- بعاصفة من النقد والتنديد من المثقفين والإعلاميين السعوديين.

تعليق عبر الفيس بوك