المصلحة الإسرائيلية في الصراع السعودي الإيراني

زاهر المحروقي

من يُتابع السياسات الإسرائيلية، يجدها لا تتغيَّر؛ إذ إنَّها تسير في خط مستقيم للوصول إلى هدفها بإشغال العرب والمسلمين بمعارك مذهبية بين السُّنة والشيعة، وبين السعودية وإيران باعتبارهما مُمثلين للمذهبين، بعد أن غاب دور الأزهر الشريف؛ وربما فيما كتبه فهمي هويدي في جريدة "الشروق" المصرية بتاريخ 8/1/2016، تحت عنوان "إسرائيل السُّنية" يُعيدني إلى ما سبق وأن كتبتُه في جريدة الشبيبة بتاريخ 17/12/2008، تحت عنوان "عندما يُستبدل العدو"؛ إذ قلت آنذاك "يبدو أنّ الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز مهموم الآن بقضايا العرب والمسلمين أكثر من أية قضية أخرى، فلا بأس لديه أن تتم محاصرة غزة وتتم إبادة أكثر من مليون ونصف مليون شخص في القطاع؛ لأنَّ ما يشغله الآن هو تخليص السُّنة العرب من "خطر إيران والإمبريالية الشيعية المتطرفة"؛ حيث ظهر ذلك جليًّا في تصريحاته خلال لقائه اتحاد الجاليات اليهودية في أمريكا الشمالية، ونشرتها صحيفة "هاآرتس" في 18/11/2008، عندما قال: إنَّ من أسباب رغبة إسرائيل في توقيع سلام مع الفلسطينيين هو إعلام السُّنة في الشرق الأوسط أنهم ليسوا مضطرين للخضوع لإيران وللأقلية الشيعية المتطرفة فيها -حسب قوله- مُتهمًّا إياها بالسعي إلى حكم الشرق الأوسط باسم الدين من خلال طموحاتها الإمبريالية".

في مقاله "إسرائيل السُّنية"، يقول فهمي هويدي "إنَّ الجرأة وصلت ببنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي حدَّ الإعلان عن الانضمام إلى ما سماه الاعتدال السُّني في معركته ضد الإرهاب، فغسل بذلك يديه من دماء الفلسطينيين، وحاول أن يدغدغ مشاعر أنظمة أهل السُّنة، وفي الوقت ذاته أراد أن يُحقِّق هدفه الأكبر المتمثل في تصفية حسابه مع إيران النووية بدعوى أنها شيعية، ولا أستبعد أن يُعلن في وقت لاحق تعاطفه مع الفكر الوهابي لاستكمال أوراق اعتماده لدى السعودية في صراعها الذي تقوده في الوقت الراهن". ويقول هويدي إنَّ هذا ليس افتراضاً ولا مجرد استنتاج، ولكنها معلومات خارجة من إسرائيل ذاتها، التي أصبح الموضوع مثاراً في أوساطها السياسية والإعلامية؛ إذ ليس سرًّا أنَّ رئيس وزرائها نتنياهو دأب طوال الأشهر الماضية على الحديث عن انضمام إسرائيل إلى دول الاعتدال العربي في معركتها ضد الإرهاب، مُستثمراً في ذلك حالة "الخبل" التي خيَّمت على الخطاب السياسي والإعلامي في أهم الدول العربية، ويُشير هويدي إلى تصريح نتنياهو الذي ذكر فيه أنَّ بلاده تسعى لإقامة علاقات وطيدة مع الدول السُّنية المعتدلة في الشرق الأوسط في مواجهة الإرهاب وتمدد النفوذ الإيراني.

لم تكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" بعيدة عن ذلك التوجه، فسبق وأن ذكرت في 28/10/2015، "أنّ دولاً مهمة بين أهل السُّنة ترى أن إسرائيل جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة، وتتفق معنا في الموقف من إيران والتنظيمات الإرهابية"، فيما أصبحت أغلب التعليقات الإسرائيلية تركز على مساندة الدول السُّنية في مواجهة إيران الشيعية، وهي في الواقع سياسة تهدف إسرائيل من ورائها إلى تعميق الصراع الإسلامي الإسلامي، بأن تركز على موضوع واحد فقط، هو الوقوف مع من أسمتهم بأهل السُّنة أو الدول السُّنية المعتدلة ضد إيران الشيعية، وكأنّ هناك من سمح لها بأن تتدخل في الشؤون الإسلامية باسم المذاهب، وما يُؤسَف له أنْ تجد تلك الصيحات الإسرائيلية قبولاً عند بعض المسلمين؛ لأنَّ الإعلامَ العربيَّ لم يعد إلا مرآة لما تخطط له تل أبيب، وإلا فما مَعَنى أنْ تركِّز وسائل الإعلام الإسرائيلية على الخلافات السُّنية الشيعية؟ وما دخلها هي بذلك؟ بل ونتساءل: من أعطى إسرائيل الحق أن تتكلم عن أهل السنة؟ فهم بريئون من ذلك تماماً.

إنَّ من يقرأ ويقارن بين المقالات الإسرائيلية في السنوات الماضية، يجد أنّ التوجهات الإسرائيلية تكاد تكون ثابتة، وتكاد التصريحات تحمل المضمون ذاته، فلا تتأثر هذه التوجهات بتغيّر الحكومات، وما يُنشر في الصحف الإسرائيلية اليوم، سوف يجد صدىً في الصحف ووسائل الإعلام العربية ولو بعد حين، وهذا يطرح أسئلة كثيرة بل وكبيرة، إذ كيف لإسرائيل أن تقود الدول العربية، وكيف استطاعت أن تخترق وسائل الإعلام العربية، لدرجة أن تكون صدى للتوجهات الإسرائيلية؟

ومن حالات "الخبل" مثلاً أن يفتح شباب خليجيون وسماً في تويتر تحت عنوان "دعوات المصالحة مع إيران مرفوضة"؛ يرفض فيها مغرِّدون خليجيون، الدعوة إلى المصالحة مع إيران، فيما وصف عدد من المغردين إيران بـ"العدو"، "وإن صراعنا مع إيران بنظامها الحالي صراع وجود، يشابه ما يحدث بين فلسطين وإسرائيل، وأنّ أيّ تمييع لهذا الصراع حماقة"، ولا يدري هؤلاء الشباب أنّهم سيدفعون ثمناً غالياً -هم والأجيال المقبلة- في حالة قيام حرب حقيقية بين السعودية وإيران، وأن أي توتر بين الطرفين، فإنه يصب في المصلحة الإسرائيلية، حتى وإن كانت التصريحات الإسرائيلية تريد أن تدغدغ عواطف البعض، خاصة من العوام، لأنّ المُحصِّلة النهائية للإصطفاف الإسرائيلي مع معسكر "الاعتدال" هو اصطفافٌ ضد القضية الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني، الذي أصبح هو وقضيته نسياً منسياً، وأصبح الخطر على المسجد الأقصى يكبر يوماً بعد يوم.

لم تستطع إسرائيل أن تخدم نفسها مثلما خدمها العرب، فما يحصل الآن في الوطن العربي هو لمصلحة إسرائيل عاجلاً وآجلاً، ابتداء من تدمير العراق وسوريا إلى الانشغال بعدو جديد هو إيران؛ حيث تم التمهيد لذلك من فترة طويلة، وما دخول السعودية في حرب اليمن إلا حلقة من سلسلة استنزاف العرب وإضعاف قدراتهم حتى تنفرد إسرائيل بالساحة، والآن فإن التوتر بين السعودية وإيران جاء حلقة ضمن هذه السلسلة الطويلة؛ حيث تراهن الأوساط الإسرائيلية على التصعيد الإيراني-السعودي، وترجّح أن يساهم في تحسين مكانة إسرائيل وفي تشتّت الأنظار عن الاحتلال للأراضي الفلسطينية؛ فحسب محللين إسرائيليين فإنّ اتساع دائرة الصدع بين الرياض وطهران، يدلّ على أنّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لا يسهم في المسّ باستقرار المنطقة؛ ومن يلقي نظرة على الصحافة الإسرائيلية بإمكانه أن يخرج بانطباع كامل عن الفائدة التي عادت لإسرائيل من جراء التصعيد السعودي الإيراني؛ ففي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر 8/1/2016، تذكر الصحيفة أنّ "الصراع الإيراني-السعودي يخدم مصالح إسرائيل ويحسّن من مكانتها الإستراتيجية، وأنّ انقسام العالم العربي على أسس مذهبية يسهم في تمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها، لأنه سيفضي إلى تشرذم الدول العربية، ويصبح من الصعب أن يعيش السنُّة والشيعة جنباً إلى جنب في الدولة ذاتها"، وهو رأيٌ ردده الكثيرون من الباحثين الإسرائيليين بصيغ مختلفة؛ بل وصل الأمر إلى أن يشير الإعلام الإسرائيلي أنه توفرت فرصة إسرائيلية من خلال التوتر القائم بين السعودية وإيران، لإنعاش التعاون الإسرائيلي السعودي وأنّ الفرصة أصبحت مواتية ومتوفرة، وهو ما ذهب إليه عوفر يسرائيلي الخبير في مجال الدفاع الدولي في مقال نشره في موقع "إسرائيل نيوز 24"، يشير فيه إلى أنّ المصالح الإسرائيلية تلتقي مع المصالح السعودية في عدة محاور، إذ يَعتبر الطرفان أنّ الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى سيءٌ وسيعزز موقف طهران وقد يؤدي إلى امتلاكها لقنبلة نووية، وهذه الأزمة قد تشكل منصة لتقوية العلاقات الهادئة بين إسرائيل والسعودية، "القائمة منذ عدة سنوات"؛ لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال "إنَّ الأهم من ذلك، تصرف إسرائيلي صحيح قد يجعل الرياض تسمح أو حتى تساعد في هجوم إسرائيلي على إيران، في حال شعرت إسرائيل بأنّ جميع الإمكانيات قد استنفدت وأنّ إيران أصبحت قريبة من حيازة القنبلة النووية"، وبالتأكيد هذه إشارة خطيرة، وقد تتحقق يوماً مَا، وإذا لم تقم بها إسرائيل فإنّ هناك من سيقوم بالمهمة نيابة عنها، والمؤشراتُ هي في الرغبة السعودية في تشكيل أكثر من تحالف، منهم "التحالف العسكري الإسلامي"، والذي يبدو أنه تحالف سني لمواجهة إيران، ممّا يستنزف الموازنة السعودية استنزافاً لا مثيل له.

من المؤسف أن تتفق المصالح الإسرائيلية مع مصالح بعض الدول العربية في أكثر من ملف، مثل الملف الإيراني والسوري واللبناني وكذلك اليمني، وإذا كانت إسرائيل تخطط لذلك منذ زمن -وهو ما يُحسب لها طبعاً- إلا أنّ العرب هانوا على أنفسهم ولم تعد لهم قيمةٌ أو صوتٌ يذكر لا إقليمياً ولا دولياً، لذا فإنّ كلَّ المخططات ضدهم سوف تنجح.

تعليق عبر الفيس بوك