من يخشى الإعلام لديه شيء يخفيه!

أمل بنت طالب الجهورية

 

كان الإعلام ولا يزال المرآة التي تعبر من خلالها الأَحداث، ونعبر من خلالها إلى أهدافنا الإعلامية والترويجية، كما أنه المساحة التي نرسم من خلالها رسائلنا لتصل للعامة باختلاف نوع الوسيلة التي تنفذ عبرها تلك الأخبار، أمّا اليوم فنحن نواجه سلاحاً جديداً، ومساراً للمعلومة لا ينتظر منا أن نصل إليه بل يبحث عما لدينا ليوصلها للآخر في أسرع طريقة كانت، مستثمراً الفرص، مسترقا السمع، باحثا بكل حيله عن معلومة ينفرد بها دون غيره من الوسائل الأخرى؛ الأمر الذي يدفعنا للتوقف أمامه؛ فلا خيار ثالث إما أن تكون الشفافية والوضوح والتعاطي مع وسائل الإعلام بمصداقية، وإما تقبل ما تنشره تلك الوسائل عنا من مصادرها الخاصة.

يبدو الأمرعابراً لدى البعض وغير مقلق، إلا أنه في الواقع يمثل قضية هامة لا أن يُحسم أمرها؛ فحجب المعلومة يولد بيئة لتكاثر الشائعات وبالتالي وجود فجوة بين الإعلام وبين المؤسسات المختلفة ومسؤوليها، كما أنّه سبب في تضارب الأهداف والتوجهات التي ينتظر أن تتكامل من أجلها الأدوار، بما يعمل على تقديم رسائل إعلامية صادقة يتمكن من خلالها المتلقي الحصول على معلومات كاملة تشبع حاجته وتكفيه عن الخوض في غمار التأويلات.

إنّ ما عايشناه خلال الفترة القريبة الماضية من تنافس وسائل الإعلام على طرح مواضيع ساخنة تثير الرأي العام يعدُ دليلاً جلياً على تغير المسار، وجرأة الإعلام وهو أمر إيجابي بالنسبة لتصنيف الجرأة والشفافية، واتساع نطاق الحريات الصحفية؛ إلا أننا لا نحتاجه في الوقت الحالي بقدر حاجتنا إلى التعاطي معه بإيجابيّة ووضوح، فليست المسألة هنا تنافس وشقاق بقدر ما هي حرص واهتمام وأداء مسؤولية وهذا ما يقوم به الإعلاميون اليوم عمّا تحجب عنهم المعلومة، وتصمت الأفواه أمام حقائق القضايا المتداولة.

نحن نعلم أنّ من يمتنع عن إظهار الحقائق يوحي بنقيضها وهو الحال مع من يخشى الإعلام ويمتنع عن الإعلاميين فإنّه يؤكد أنّ لديه شيئا يخفيه؛ أو ربما هو مقتنع أنّه سيدلي به في الوقت الذي يراه هو مناسباً، وهذا ما يثر الفضول ويدفع الصحفيين خصوصاً للبحث عنها بشغف كبير، وهنا تكمن بؤرة المشكلة أن تلوين الحقائق لا يتوافق مع ما تشهده الصحافة من حرية والإعلام من تطور وتسارع، واختراقها لحدود صامدة صامتة الأمر الذي يستوجب معه الاهتمام بتفعيل أدوار المتحدثين الإعلاميين بالمؤسسات الحكومية والخاصة، وجعلهم الصوت المتحدث باسم تلك المؤسسة، والقادر على التجاوب السريع والشامل مع متطلبات الإعلام نحو مختلف القضايا، والحرص في الوقت ذاته على التنحي عن الذاتية، والإلتزام بالمصداقيّة والجرأة؛ فالإعلام لا يحتاج إلى تعيين متحدث يلمع المؤسسة ويبرز المسؤول بقدر ما هو بحاجة إلى شخص مثقف واعٍ وقادر أن يحتوي مختلف المواقف التي تمر بها مسيرة تلك المؤسسة، مقدماً الحديث الشافي المتوازن الذي يجعل موقف تلك المؤسسة بعيداً عن التأويلات والاتهامات، كما أنّ وجود متحدث إعلامي (رسمي) عن كل مؤسسة سيجنبها الدخول في دائرة تضارب الأقوال حول شأنها بوجود أكثر من متحدث؛ فحجب المعلومات وإخفاء الحقائق دائماً مدعاة للتأويل أو تقديم حقائق مبتورة لا تخدم الإعلام بقدر ما تلحق الضرر بالمؤسسة.

مع إيماننا العميق بالجهود المبذولة من قبل الجهات الإعلاميّة والجهات ذات الاختصاص في تعزيز الدور الإعلامي، وحرصها على الحد من الشائعات والحفاظ على مكانة مختلف المؤسسات ومسؤوليها؛ إلا أنّ ذلك الأمر لن يتحقق إلى بوضح حلول إجرائية تستطيع تلك المؤسسات من خلالها أن تحمي نفسها وتقدم المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب من خلال جاهزية المتحدثين الإعلاميين بها لسد حاجة الإعلاميين من المعلومات، وتوضيح حقائق ما يتم تداوله فليست ثمّة دخان من غير نار؛ لذا علينا أن نكبح كل تلوّث الأدخنة المتصاعدة؛ لنجعل منها حقائق واضحة يقتنع بها الجميع بما يساهم في أداء الرسالة الإعلاميّة الفاعلة ويحقق التكامل الجلي بين مختلف المؤسسات وصولاً لخدمة الوطن وتحقيق مصلحة المواطن .

*باحث إعلامي أول- مجلس الشورى

Amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك