المواطن شريك في صناعة الاقتصاد الوطني

حميد بن مسلم السعيدي

أصبحنا اليوم أكثر إداركاً لأهمية الاقتصاد الوطني ودوره في بناء الدخل القومي بما يُمكنه من حماية ذاته في ظل التقلبات التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، ويبدو أنّها صحوة مُتأخرة على مختلف التوجهات الرسمية والوطنية، مما يوضح أننا بحاجة لمثل هذه الظروف بحيث إنّها تتمكن من إجبارنا على إعادة التخطيط ورسم المسار الصحيح لعملية التنمية، فقد انتهى شهر العسل ورحلت حياة التَّرف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعيشها شعوب المنطقة، وحان وقت شد الأحزمة من أجل مواجهة هذا المستقبل، والعودة للبحث عن المواطن الحقيقي في وقت الأزمات، هذا الأمر أرجعنا قليلاً لقراءة الماضي عندما كانت الأرض قاحلة وجافة وصحراوية، فاتَّجه العُمانيون بإرادتهم لصناعة البحر فمارسوا التجارة وصنعوا السفن العملاقة التي سيطرت على منطقة المحيط الهندي، ووصلت للبحار المظلمة والبعيدة رافعة الراية العُمانية، وبنوا تلك القلاع الشامخة تأكيداً على تميُّز الهندسة المعمارية، وشقوا الجبال للبحث عن منابع المياه التي تدفقت في أفلاج لتسقي الأراضي القاحلة لتزهو بواحات في عمق الصحراء، واتَّسعت تلك الحضارة لتشكل إمبراطورية عظيمة افتخرت بعلمائها وأدبائها في مختلف مجالات العلوم، إنّها الإرادة الوطنية والرغبة الحقيقية في الحياة وهي الدافع الذي أسهم في تحقيق تلك الإنجازات التي احتفظت بها الذاكرة العُمانية، إذن نحن نمتلك كل شيء بما فيها العنصر الأساسي وهو الإنسان القادر على إعادة الاعتماد على ذاته وصناعة اقتصاد وطني بما يُسهم في ريادة هذا البلد.

العودة للمواطن أتمنى ألا يفهمها البعض أنني أقصد اقتطاع جزء من حقوقه المالية ضمن إجراءات ترشيد الإنفاق التي تتخذها الحكومة في الوقت الراهن، وإنّما العودة للبحث عن المواطن الفاعل القادر على أن يكون شريكًا حقيقيًا في صناعة جديدة لاقتصاد وطني، خاصة وأنّ البعض سيعتقد أو سيحاول أن يتناسى أنّه جزء أساسي من المنظومة الحكومية ولكنه يحاول التنصل من مشاركته الحقيقية أو أنّه لا يتحمل مسؤولية ما حدث، فقراءتي للحوار الذي حدث في الفترة الماضية بين كل أطياف المجتمع في شبكات التواصل الاجتماعي؛ أبرزت نقطة مُهمة وهي أنّ الكل يحاول أن يلقي بالتهمة على الحكومة في عملية الإخفاق وأنّ التخطيط لم يكن مناسبًا، ولم يحقق تلك الرؤية التي نطمح لها، بالرغم من اكتمال البنية التحتية والتي أصبحت مؤهلة لبناء منظومة اقتصادية ناجحة، ولكننا لم نصل إلى مستوى الإنتاج الاقتصادي الناجح.

حيث إنّنا نؤمن بأنّ ما تحقق من منجزات في مختلف المجالات يُعد نقلة رائدة خلال فترة وجيزة، خاصة أنّها ركزت بصورة كبيرة على توفير كل الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن، وبناء قاعدة ناجحة من البنية التحتية المكتملة، إلا أننا عندما نقارن أنفسنا نجد أنّ العالم كان سريعًا فتجازونا كثيرًا في مجال التنمية الاقتصادية، ولا أود السبر في الحديث حول أسباب ذلك، ولكنني أرغب في التأكيد على أنّ غيرتكم على هذا الوطن نابعة من حبكم وانتمائكم الذي تميز به العماني على مر العصور التاريخية بجديته وحبه لوطنه، وما نشهده من حركة حوارية ناقدة هو نابع من ذلك، ولكننا نحتاج للمنطق لنخرج برؤى وتوجيهات إيجابية.

وبغض النظر عن ذلك فنحن اليوم لسنا بحاجة للتباكي على "اللبن المسكوب" أكثر من حاجتنا لبناء فكر وطني يبدأ من خلال إعادة بناء الإنسان المواطن القادر على تحمل مسؤوليته في الشراكة الحقيقية الفاعلة في مسيرة التنمية الاقتصادية، فبدل أن نكون مجرد ناقدين لكل ما نلاحظه من إخفاقات علينا مراجعة ذاتنا، وماذا قدمنا اليوم لهذا الوطن؟

فالمواطن هو جزء من منظومة مؤسساتية تبدأ من الأعلى في القيادات الإدارية وتنتهي بنهاية السلم الوظيفي، وكل هذه المنظومة تتكون من مواطنين تختلف مُسمياتهم ووظائفهم ومسؤولياتهم وفقاً لتسلسل إداري يسعى لتحقيق أهداف المؤسسة، هذه المنظومة الإدارية تنطبق على كل المؤسسات الحكومية والخاصة التي ننتمي إليها وظيفياً، لذا تختلف مسؤولياتنا ومدى مشاركتنا فيما حدث باختلاف المهام والوظائف التي نقوم بها في خدمة الوطن، وما وصلنا إليه من مرحلة يضعنا أمام تحدٍ يجبرنا على أن نكون شركاء في المساهمة في معالجته، والعمل على بناء مرحلة جديدة قائمة على الإنتاج الاقتصادي في كل المجالات، فهناك علاقة طردية تتأثر بعطاء المواطن؛ حيث كلما زاد هذا العطاء أسهم في ارتفاع النمو الاقتصادي، والعكس صحيح، وما أود الوصول إليه هو أننا جزء مما حدث من نجاح أو إخفاق.

فالمواطنة الفاعلة ليست شعارات نتغنى بها في حب الوطن، وإنما تجسيد للعديد من الممارسات والأفعال التي نكون مسؤولون عن أدائها في خدمته، فتقدم الدول والشعوب يُقاس بالإنجازات الفكرية والاقتصادية، وليس بالشعارات والأغاني الوطنية، بالرغم من اعتبار ذلك جزءًا من جوانب التعبير عن الوطنية، ولكنه لا يُعد الركن الأساسي في المواطنة، فنحن علينا واجبات ومسؤوليات تتوجب معها المرحلة القادمة أن نكون شركاء مساهمين بصورة إيجابية في عملية البناء الاقتصادي، فتواجدك في هذا العالم المتسارع لا يمكن أن يتحقق دون أن تكون لك المكانة التي يجب أن تصنعها بذاتك.

والمواطن في أيّ بلد هو العنصر الأساسي في بنية التخطيط الإستراتيجي لبناء التنمية، ولا يمكن اليوم التغافل عن هذا العنصر، والذي يتطلب العمل على حسن توظيفه والاستفادة من الإمكانيات البشرية والفكرية، فما تحقق من تقدم وثورة غربية كانت من خلال المواطن، حيث أحسنت استغلاله في إحداث ثورة صناعية متقدمة، فهي لم تترك الأمور على ضالتها، فرسخت كل ما يمكن الاستفادة منه، وهذا ما يجب أن يدرج من ضمن أولويات التخطيط المستقبلي، فبقاؤنا على هذه المعمورة مرتبط بقدرتنا على العطاء والعمل بإخلاص وأمانة.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك