.. وعام آخر جديد!

حاتم الطائي

عامٌ جديد عانقنا صباحاته قبل ثلاثة أيام، ونحن نتمسَّك بأهداب الأمل

بأنْ يكون حظه أفضل من سابقاته من السنوات الماضية التي كان دَيْدَنها وسمتها الأبرز: العنف والدمار والخراب.

أطلَّ علينا 2016، على أنقاض عامٍ مَضَى كان مَسْرَحا زمنيًّا لحروب وصراعات ونزاعات حصدت -ولا تزال- أرواحَ الأبرياء في أكثر من بلدٍ عربي من تلك التي ابتُليت بالحروب الدينية والمماحكات المذهبية والاقتتالات العرقية.

ورَغْم كلِّ ذلك، يطلُّ الأمل من وسط الركام.. أمل على عدة مستويات؛ أولها: على الصعيد الشخصي؛ فلكلٍّ آماله وتطلعاته وأحلامه في الغدِ المشرق، وأن يحمل العام الجديد بين ثناياه السعادة المقرونة بتمام الإنجاز على الأصعدة العملية،والمزيد من الوفاق والوئام مع المحيطات المتعددة التي تشكل عالمنا.

إنَّنا لا نستطيع أن نغيِّر العالم وما يمرُّ به من حروبوصراعات، إلا أننا على الأقل يُمكننا أن نغيِّر في مجالنا الحيوي الصغير، فما على الكاتب سوى أن يكتب، والطالب أن يدرس، والمدرس أن يقوم بعمله بكل إتقان في تربية الأجيال.. كلٌّ في مجاله ومحيطه الصغير، وعلينا التحلي بالأمل في عالم يغرق في السوداوية؛ لأنَّ مهمتنا في الحياة تتعلق في جانب منها بصناعة الأمل.. وكما قال الشاعر:

"لو أماني النفس وهي حياتها..

لما طار لي فوق البسيطة طائر".

وتتصاغر الأمنيات الذاتية أمام تلك المتعلقة بالوطن، وطننا عُمان الذي يدخل عامه الجديد، وهو يستشرفُ أفقًا جديدًا من التنمية والازدهار، في اتساق مع رؤية سديدة لقيادة رشيدة عملت -وما فتئت تعمل- في سبيل أن يُعانق هذا الوطن الثريا عبر إنجازات تنموية وحضارية يُشار إليها بالبنان؛ فتحيَّة مجلوَّة بعَبَق الولاء للسلطان قابوس رُبَّانا ماهرا لسفينة الوطن، وقائدا فذًّا لنهضته الحديثة.

ومع تطلُّعات الوطن عند إشراقة العام الجديد، ونقول:إنَّ الأمم في مسيرها نحو المجد تعترضها العديد من العقبات والتحديات، وكلما نجحت في تجاوزها ازدادت قوة ومنعة وإصرارًا على مواصلة المسير صوب أهدافها السامية.

أقول ذلك وفي الخاطر ما تمرُّ به بلادنا حاليا من أوضاع اقتصادية غير مواتية جرَّاء الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وأرى فيذلك جزءًا من التحديات التي أشرنا إليها آنفا، وعلينا أن نعمل متضافرين لتجاوزها نحو اقتصاد متنوِّع ومتين؛ فنحوِّل الأزمة إلى فرصة تُتيح لنا الانعتاق من مصدر الدخل الواحد.

ومن الإشراقات التي حَفِل بها العام 2016 في بداياته ما صدر أمس من بيان وزارة المالية، وآخر من المجلس الأعلى للتخطيط؛ فبيان وزارة المالية حفل بإجراءات لتحسين المداخيل غير النفطية، بما يكفل تخفيض العجز في الموازنة، ورفع مساهمتها في اقتصادنا الوطني عموما، كما تضمَّن البيان حِزْمة من الإجراءات لترشيد وتخفيض الإنفاق ،وهي في نظري إجراءات فعَّالة وذات عائد سريع على الاقتصاد، وتُساعد في استدامة المركز المالي للسلطنة.

وعندما ننظر في أهداف الخطة الخمسية التاسعة نجدها حافلة بالأبعاد التنموية في جميع مجالاتها؛ وفي مقدمتها: التنمية البشرية؛ فهي تركزعلى بناء الإنسان بشكل كبيرعبر: برامج التعليم والتدريب والتأهيل، ورفعالكفاءة الإنتاجية، والتطويرالعلمي والثقافي والمعرفي،وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي ،وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية؛ باعتبار أنَّ ذلك بُعد أساسي، وقيمة جوهرية للتنمية.

والشاهد أنَّ الخطة الخمسية التاسعة، تستند إلى رصيد من إنجازات الخطط السابقة على مدى أكثر من أربعة عقود من العمل التنموي الشامل لجميع المجالات، وتأتي لتدعم الاستغلال الأمثل للموارد والفرص الاستثمارية التي تتمتَّع بها مُحافظات السلطنة، وإيلاء اهتمام خاص بتنمية المحافظات لتحقيق نمو وتوزيع متوازن للتنمية بها.

وفي الجانب الاقتصادي، جاءت الخطَّة مُركِّزة على تعميق التنويع الاقتصادي من خلال تطوير القطاعات الواعدة كالصناعات التحويلية والخدمات اللوجيستية والنقل والسياحة والثروة السمكية والتعدين ،خاصة على ضوء المتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي، وما يُواكبها من تقلبات في أسعارالنفط العالمية ،إضافة إلى الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية وتأثيرها على المستوى الدولي والانعكاسات السلبية لذلك على الأوضاع المالية للسلطنة ؛كلُّ هذا يحتِّم ضرورة تبني التنويع الاقتصادي لضمان استدامة الأوضاع المالية، وتوفير مناخ اقتصادي كلي مستقر.

لقداستفادتْ الخطة الخمسية التاسعة من التجارب الدولية الناجحة والدروس التي تلائم ظروف وأوضاع السلطنة، ونأمل أن يكون تطبيقها في مستوى التخطيط حتى تنعكس آثارها الإيجابية على الوطن، ويستفيد من ثمارها المواطنون في جميع أنحاء عمان.

إقليميًّا وعالميًّا..يأتي العام الجديد في أعقاب عامٍ آفلٍ كان طابعه الموت والدمار، والإرهاب الذي يتجوَّل عابرا الحدود يضرب هنا ويفجر هناك ،وأخطار داهمة تهدد الأمن والسلم الدوليين، ورهانات دولية "غير منطقية" مع كل تأزم سياسي يحيق بمنطقتنا أو ينهش بأجزاء العالم الأخرى؛ فعلى مدارعام كامل، شوَّهت سوداوية الأحداث ملامح عالمنا العربي، ولطخت الدماء خارطة أحداثه.

ووسط هذا الركام.. وحدها السلطنة، وقفت -ولا تزال- بدبلوماسيتها المعروفة بنهج السلام ضد الحروب وسفك الدماء، وكأنًّ لاشيء يُوقف الكارثة. نعم بلادنا بحكمة قائدها تعمل ضمن نهج السلام والوفاق والحلول السلمية، والنأي بالنفس عن المؤامرات والحروب والأحلاف، اتساقا مع النهج السامي لجلالة السلطان المعظم الذي يؤكد على الدوام ‏"أننا جُزء من هذا العالم.. نتفاعل مع ما يدور حولنا من أحداث بكل الإيجابية والوضوح ،ونكرس كل إمكانياتنا للمشاركة الموضوعية والفعالة لخدمة قضايا السلام والتعاون على كافة المستويات الإقليمية والدولية".. وقد سطَّرت الدبلوماسية العمانية ملاحم حقيقية خلال العام 2015، تمسَّكتْ خلالها السلطنة بمبادئها وحيادها رغم التطورات الدرامية في المنطقة والعالم ،منتهجة سياسة الاتزان والواقعية في جميع طروحاتها؛ وقد تجسَّد ذلك بجلاء في الجهود الموفقة للوصول إلى الاتفاق التاريخي بين إيران ومجموعة (5+1)، وما اتسمت به تلك الجهود من هدوء وحكمة للجمع بين الفرقاء، فضلا عن المساعي الدؤوبة لوقف نزيف الدماء في الأراضي اليمنية الشقيقة.. وغيرها من المواقف التي يصعب حصرها في هذا المقام.

ومع إشراقة العام الجديد، نتمنَّى أن نتجاوز كافة الأزمات المحيطة بنا، وأن نتسلَّح بالأمل والعمل والجهد الصادق لاستكمال مسيرة البناء، وتعظيم مردودات ملحمة التنمية لخير هذا الوطن الغالي وإنسانه العظيم.