مشروع التيار المدني البحريني: إطلالة أولى سريعة

عبيدلي العبيدلي

قبل حوالي أسبوعين، كشف الأمين العام لجمعية "وعد" رضي الموسوي، النقاب عن مشروع جاد جديد يجري العمل عليه من أجل توحيد جهود الجمعيات التي تتميز برامجها السياسية، وانتماءاتها الفكرية عن الجمعيات السياسية الإسلامية. وأكد الموسوي عن الأشهر الأولى من العام 2016 موعدا الإعلان الرسمي لهذا المشروع.

وفي البدء، لا بد من الإشادة بهذه الخطوة التي لا تنفرد بها "وعد"، بل يشاركها فيها، وعلى قدم المساواة فصائل أخرى تنتمي للتيار ذاته، من بين الأهم فيها "جمعية المنبر التقدمي"، وجمعية "التجمع القومي". لكن من الطبيعي أن يرفع هذا المشروع الرائد في أذهان جميع مكونات العمل السياسي البحريني علامات استفهام كثيرة، تبدأ بالتساؤلات البسيطة التي ربما تبدو ساذجة، مثل من هو الذي سيقود هذا المشروع، قبل أن تصل إلى تلك العميقة، وذات الطابع الإستراتيجي من مستوى كيف سيجري التعاطي مع المشكلات التي ولدتها تداعيات الأحداث التي عرفتها البحرين خلال السنوات الخمس الماضية من تاريخها السياسي.

على أن المراقب لمسيرة الحراك السياسي في البحرين، ليس خلال السنوات الخمس الماضية، بل ربما خلال الربع قرن الماضي، ومن منطلق الحرص على هذا التيار ونجاحه في إنجاز مشروعاته الوطنية، يجد نفسه أمام مجموعة من التحديات عندما يتعاطى مع هذه القضية، نظرا لتعقيداتها التنظيمية، قبل السياسية والفكرية. ومن هذا المنطلق، وإسهاما في إنضاج الفكرة، وحث خطى المشروع، وبعيدا عن احتلال مقعد من يوزع النصح وهو قابع بين صفوف المتفرجين، يمكنه، أي ذلك المراقب، أن يشخص تلك التحديات، ويضعها في الإطار الصحيح الذي تحتاجه؛ من أجل دفع المشروع خطوات للأمام، سعيا وراء تقصير الفترات دون حرق مراحلها، وتوفير الجهود، دون التقليل من ذلك الذي تتطلبه.

أول تلك الصعاب التي سيجد التيار المدني نفسه مطالبا بالتصدي لها، هو الإرث التاريخي الذي تحمله الجمعيات فوق أكتافها. هذا الإرث ليس وليد تداعيات الحراك السياسي الذي عرفته البحرين خلال السنوات الخمس من تاريخها المعاصر، بل يضرب بجذوره العميقة التي تصل إلى العقد السادس من القرن الماضي. حينها كانت القوى السياسية التي تناسلت من ذلك التيار هي التي تقود حركته اليوم. وعليه، فسوف تعالج الجمعيات الثلاث هذه القضية، بعيدا عن الخلفيات التاريخية القائمة على قناعات نظرية ومساهمات سياسية تمتد لأكثر من نصف قرن. وعند الطلب من هذه الجمعيات أن تضع جانبا ذلك التاريخ، دون أن تتنكر له، أو تتبرأ من إفرازاته، فليس المقصود هنا ذلك التنصل الإعلامي العلني، إنما اقتلاع تلك الترسبات التي حالت دون وحدة التيار في الفترة الماضية البعيدة، كي لا تلقي بظلالها القاتمة على المشروع في مراحله المبكرة من حياته.

ومرة أخرى، ينبغي التأكيد على أنَّ القفز فوق ذلك الإرث، لا يعني إطلاقا ازدراءه، كما نلمسه يطل برأسه بين الحين والآخر لدى البعض منا، ممن تركوا العمل السياسي في أطره المنظمة، لك. ولا تخلو منه أيضا مجموعات تنتمي للجمعيات السياسية التي تقف وراء مشروع توحيد المدني البحريني.

مثل هذا التوجه، عندما يكون صادقا، وتجسده سلوكيات معينة، تثبت تخلص الجمعيات من ذلك الإرث سيكون أول مسمار في نعش الخلافات غير المبررة، والتي لم تعد مستساغة.

القضية الثانية التي ربما تقض مضاجع الجمعيات السياسية التي تقف وراء هذا المشروع، هو الموقف من جمعيات الإسلام السياسي، وعلى وجه التحديد جمعية "الوفاق". ليس المطلوب هنا قطع حبل السرة مع هذه الجمعيات، بقدر ما هو تأطير تلك العلاقة كي تتحدد المسافات الصحيحة التي تميز تيارا عن آخر. فزرع بذرة العداء من أي من الطرفين: الجمعيات السياسية، أو جمعيات الإسلام السياسي، فيه وأد للمشروع وهو لا يزال في المهد طريا، ولم يشتد عوده بعد. الوصول إلى المعادلة السليمة التي تضع العلاقات بين الطرفين في إطارها الصحيح، تتطلب وعيا من طرفي تلك العلاقات، بما يخدم المشروع الوطني العام. فلا المشروع مطالب في الدخول في معارك "دينكوشيتية" مع جمعيات الإسلام السياسي، ولا هذه الأخيرة متوقع منها أن تنظر له بعين الريبة والشك. وفي هذا الاتجاه الصحيح، من غير السليم استمرار العلاقات بين الجمعيات السياسية، وجمعيات الإسلام السني على النحو التي هي عليه. ولربما آن الأوان، والجميع يستقبل عاما جديدا، أن يعيد الطرفان: الجمعيات السياسية التي أخذت على عاتقها غرس بذرة هذا التيار، مع جمعيات الإسلام السياسي السنية، او من يرى منها فائدة في مثل هذا المشروع، كي تطوي صفحة الجفاء الماضي، غير المبرر، التي ولدتها ظروف استثنائية. المسؤولية تقع على عاتق الطرفين.

القضية الثالثة الملحة؛ هي: العلاقة المطلوبة مع تلك الغالبية الصامتة التي فضلت الابتعاد، ولم تولِها الجمعيات، وهي في غمرة انشغالاتها المتلاحقة الاهتمام الذي تستحقه. تحتضن البوتقة التي "يخلد" في استراحتها تلك الغالبية الصامتة، التي هي الأخرى بحاجة إلى من يخاطبها من جانب، وتقع على عاتقها مسؤولية تحديد الدور الإيجابي الذي تعتقد ان في وسعها ممارسته من جانب آخر. ومن الطبيعي أن تكون هذه القضية هي الأكثر تعقيدا، والتي تحتاج إلى الكثير من الصبر والفهم من الطرفين أيضا.

تلك كانت إطلالة سريعة لا تهدف إلى أكثر من إثارة نقاش بات العمل الوطني في أمس الحاجة له. ففي المنعطفات الحادة من تاريخ الشعوب، ليس هناك من وسيلة أفضل من النقاش الجاد المسؤول بين الأطراف ذات العلاقة من أجل اجتياز ذلك المنعطف، في أسرع وقت، وبأفضل النتائج، بأقل التضحيات.

تعليق عبر الفيس بوك