هل نحن بحاجة إلى وزارة لتطوير التعليم؟ (3-9)

مرتضى بن حسن بن علي

أين تكمن مشكلة التطوير؟

لقد جرت محاولات عديدة لتطوير التعليم، ليكون متناغما ومنسجما مع التحديات الكبيرة التي نواجهها، ومنسجما مع ما يجري في العالم من تطورات مستمرة ومذهلة وسريعة؛ وذلك من خلال دراسات وتقارير محلية ودولية ومؤتمرات وندوات وتوصيات وقرارات ومقالات، انطلقت بصورة تصاعدية منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، أي على مدى العقود الثلاثة الماضية، وما زالت مستمرة دون أن تُحدث تأثيرها المطلوب والملموس، كما أنَّ قضية تطوير التعليم احتلت -ولا تزال- جزءًا كبيرا ومتقدما من اهتمامات المثقفين ورجال الأعمال. كما كانت تذكر بطريقة واضحة، عند الإعداد لكل الخطط الخمسية ابتداءً من الخطة الخمسية الأولى (1976-1980) وما لحقتها من خطط تالية. وحينما نطالع الصحف ونستمع إلى ما يُطرح في اللقاءات عبر الإعلام المرئي والمسموع، وما يُتداول الآن في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فإنَّ الحديثَ ينساب بمرارة عن واقع التعليم الراهن، وهو حديث ينتهي بالأغلب الأعم، إلى إعادة التأكيد على أن التعليم الراهن غير قادر على إنتاج جيل من الشباب المؤهل علميا وثقافيا، ليكون قادرا على مواجهة التحديات المتعددة التي نواجهها، أو في القدرة على المنافسة بصورة فعالة في سوق العمل، أو المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كلُّ ذلك يشير -وربما يؤكد- أنَّ القرارات والمناقشات والتقارير والندوات، لم تصل في عمقها إلى جذور مشاكل النظام التعليمي المتراكمة، كما لم تحاول دراسة ومن ثم مواجهة العوامل التنظيمية والثقافية والبيئية والإدارية التي تعيق مشاريع التطوير. إنَّ الاتفاق على ضرورة تطوير النظام التعليمي، لا تتبعه -عادة- نقاشات جدية، من خلال طرح الأسئلة الجوهرية، لتشخيص مواطن الخلل وتحديد أسباب تعثر مشاريع التطوير، إضافة إلى عدم التطرق عن أسباب وقوف الجهات المسؤولة عن التعليم، مكتوفة الأيدي، في مواجهتها، وعدم نجاحها في إحلال نظام تعليمي حديث ومتطور باستمرار، ليكون منسجما مع روح العصر، وقادر على إحداث النهضة الحقيقية في مناحي الحياة بمستوياتها المختلفة.

هل صحيح أنَّ بعض الإدارات التعليمية لم تكن مُدركة لعمق المشاكل التي يواجهها النظام التعليمي؟ أو لم تطلع على الدراسات الدولية والمحلية المختلفة عن الموضوع؟ أم أنها كانت تواجه صعوبات في تنفيذ القرارات والتوصيات لسبب ما، ومنها تلك التي قد تكون كامنة في داخل النظام التعليمي؟ أم أنَّ الإطارات اللازمة للتنفيذ لم تكن متوفرة أو غير مُهيَّأة؟ أم أنَّ الحلول التي يُمكن من خلالها مواجهة الخلل والقصور غير واضحة المعالم أو صعبة التنفيذ؟ أو لاعتقادها بوجود حواجز عديدة من الصعب عبورها لسبب ما؟ هل يتعلق الأمر بالإدارات وآلياتها أو لعدم الرغبة أو لانعدام القدرة على حسم توجهات الحل؟ أم أنَّ الأمر متعلق على عدم وجود سياسة وطنية متفق عليها؟ أو أنَّ الإخفاق مرتبط بالتفكير من داخل الصندوق في الوقت الذي تقتضي الظروف التفكير من خارج الصندوق والاعتماد على حلول ابتكارية جريئة والتفكير بشكل غير تقليدي؟ هل كانت المشكلة تكمن في الرغبة في أن يكون التطور تدريجيا في الوقت الذي كانت تقتضي فيه الظروف أن يكون التطوير حاسما وسريعا بشكل تصاعدي وشامل؟ أم أنَّ المشكلة تكمُن بكبر حجم الوزارة والصعوبات التي تواجهها بالتوفيق بين القيام بالعمل الإداري والتنفيذي من جهة، وبين القيام بالعمل التطويرى من جهة أخرى، في وقت واحد؟ أو أنَّ المشكلة متعلقة بتفضيل الكم على النوع لكون الكم سهل حسابه؟ هل الصعوبات متعلقة بضعف الإدارات المدرسية أو على عدم وجود جيل جديد من المعلمين ليقوموا بدورهم بشكل أفضل؟ أو أن المعلم يعمل لساعات أقل عمَّا يجب أن يعمل بها كما هي الحال في بعض البلدان، أو أن السنة الدراسية قصيرة مقارنة مع بعض البلدان؟ أو أن المشكلة تكمُن في ضعف البيئة التعليمية؟ أو ناتجة عن تخلف وضعف المنهج المدرسي ووجود مقاومة ما على تطويره بشكل جذري؟ أو أنَّ هناك أسبابا أخرى يستوجب تشخيصها بصورة دقيقة؛ تمهيدا لوضع الحلول الجذرية لتجاوزها؟ أو أنَّ المشكلة تكمُن في وجود كل هذه الصعوبات التي أشرنا إليها مجتمعة وأكثر؟

لا شك أنَّ القيادة الرشيدة يهمها جدًّا أمر تطوير التعليم، ولديها وعي وإدراك عميقين، على ضرورة مواجهة التحديات التعليمية التي يواجهها البلد. وجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- يُذكِّرنا في عديد من خطاباته السامية بضرورة تطوير التعليم القادر على تأهيل القوة البشرية الوطنية لكي تكون قادرة على المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة للمؤسسات التعليمية، إلى درجة يمكن القول إنَّ النهضة المباركة خدمت التعليم أكثر من قدرة التعليم الراهن على خدمة النهضة!

فكيف يُمكن تحويل هذا الاهتمام السامي، إلى أهداف محددة واضحة المعالم ومدعومة بإستراتيجيات وسياسات وخطط واضحة، لكي يصل التعليم المراد تطويره وإصلاحه، ونحن على وشك الدخول في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين إلى أهدافه، ويتحمَّل مسؤولياته لإيجاد أجيال جديدة متعلمة بثقافة العصر وجرئية للتصدي للمشاكل الموجودة؟ والأهداف والإستراتيجيات والخطط في حوار مستمر بين الأطراف والأحداث والزمن.

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك