النظام الأساسي للدولة.. الحاضر الغائب

علي المعشني

كلما تسرَّبت كلمات أو تغريدات أو مقالات تتحدَّث عن ضرورة وضع دستور لسلطنتنا الحبيبة، يزدادُ يقيني بحجم الضبابية التي تلف الوعي بماهية ووظيفة النظام الأساسي للدولة والصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 101/96 وتعديلاته عام 2011م، والذي شملتْ مواده الـ81 جميع مناحي الدولة والمجتمع والسياسات العامة وحقوق الأفراد وواجباتهم.

لذا؛ أتعجَّب من تكرار البعض بيننا من المطالبات بوجود دستور وخلق ما هو مخلوق أصلًا، في ظل وجود النظام الأساسي للدولة. وأتساءل في نفسي ومع من حولي: هل الأمية القانونية مستفحلة فينا إلى درجة جهلنا بأن النظام الأساسي هو الدستور بعينه، وأن الفارق في التسمية فقط؟ أم أن بيننا من هم شغوفون وغارقون في دهاليز المدينة الفاضلة والتي لا وجود لها إلا في أروقة جمجة أفلاطون فقط؟!

يُمكنني الجزم بوجود الحالتين معًا؛ وهما: الأمية القانونية والمراهقة السياسية والفكرية لدى البعض منا، وأضيف إليهما تقصير الحكومة في بسط ثقافة النظام الأساسي بين منظومة الدولة وفئات المجتمع، عبر المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والندوات وجلسات الحوار والنقاش، وبصور ملحة حتى تستقر في الأذهان ثقافة النظام الأساسي للدولة، وتُشاع بين الناس وتُغلق أبواب الجهل والمزايدات إلى الأبد.

النظام الأساسي للدولة يعتبر من "الدساتير" المرنة، والتي يسهل تعديلها ومواكبتها للتطور وسنن الحياة وأطوار الدولة بارتياح كبير، بدليل التعديلات الكبيرة والعميقة التي أجريت عليه في العام 2011م، بناءً على مطالب مجتمعية معروفة؛ وبالتالي فهذا يحسب له لا عليه، ممن يطالبون بدستور دون وعي وإدراك منهم بماهية الدساتير ومدى مواكبتها وواقعيتها كصيغ تعاقدية وتشريعات منظمة للدولة بكل أطيافها ومكوناتها؛ فهناك أقطار صِيْغت فيها دساتير جامدة وموتورة كانت وليدة لحظات توتر عال في تاريخها، وأصبحت تلك الدساتير اليوم وبالًا عليها ومعيقًا للتنمية بمفهومها الواسع والشامل، بل وتسببت في شروخ عميقة لتلك المجتمعات، وباتت مصدرا من مصادر التهديد للأمن الوطني والسلم المجتمعي؛ لما تضمَّنته من مواد تقادمت ثم جمود في آليات التعديل على مواد تلك الدساتير، والتي تشترط توافق أطياف من مكونات الدولة؛ ذلك التوافق الذي يصبح كالمعجزات في ظل غياب الوعي السياسي والتشريعي وحلول المزايدات والزبونية السياسية، وتقديمها على مصلحة الوطن.

كما أنَّ شمول النظام الأساسي للدولة بوضوح شديد لهوية الدولة وثوابتها وآليات التداول على الحكم والحقوق والواجبات تعتبر مكاسب حقيقية لوطن فتي ولشعب يتوق للاستقرار وينشد التطور والرقي وسبل العيش الكريم.

ولعلَّ من أبرز المواد والفقرات -في تقديري- التي تستحق التذكير كقراءة فكرية لا قانونية؛ هي:

مادة (1): سلطنة عمــان دولــة عربيـة إسلامية مستـقلة ذات سيـادة تامـة عاصمتها مسقط.

مادة (2): ديـن الدولة الإسلام والشريعـة الإسلامية هي أساس التـشريع.

مادة (3): لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية.

مادة (4): يحدد القانون علم الدولة وشعارها وأوسمتها ونشيدها الوطني.

مادة (5): نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بينهم أن يكون مسلما رشيدا عاقلا وابنا شرعيا لأبوين عمانيين مسلمين.

مادة (6): يقوم مجلس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد، قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة.

وفيما يتعلَّق بالمشاركة السياسية وتفاعل المجتمع، ورد في المبادئ السياسية للنظام الأساسي: "إرساء أسس صالحة لترسيخ دعائم شورى صحيحة نابعة من تراث الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، معتزة بتاريخه، آخذة بالمفيد من أساليب العصر وأدواته. وإقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين، ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن".

مادة (11): ومن المبادىء الاقتصادية نورد:

- "الاقتصاد الوطني أساسه العدالة ومبادئ الاقتصاد الحر، وقوامه التعاون البناء المثمر بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين وفقا للخطة العامة للدولة وفي حدود القانون.

- حرية النشاط الاقتصادي مكفولة في حدود القانون والصالح العام وبما يضمن السلامة للاقتصاد الوطني. وتشجع الدولة الادخار وتشرف على تنظيم الائتمان.

- الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة وصالح الاقتصاد الوطني".

مادة (12): ومن المبادئ الاجتماعية:

* "العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة.

* التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وتعزيز الوحدة الوطنية واجب. وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية.

* الأسرة أساس المجتمع، وينظم القانون وسائل حمايتها، والحفاظ على كيانها الشرعي، وتقوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

* تكفل الدولة للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وفقا لنظام الضمان الاجتماعي، وتعمل على تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة".

مادة (13): ومن المبادئ الثقافية:

أ- "التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع ترعاه الدولة وتسعى لنشره وتعميمه.

ب- يهدف التعليم إلى رفع المستوى الثقافي العام وتطويره وتنمية التفكير العلمي، وإذكاء روح البحث، وتلبية متطلبات الخطط الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد جيل قوي في بنيته وأخلاقه، يعتز بأمته ووطنه وتراثه، ويحافظ على منجزاته".

ومن باب الحقوق والواجبات:

مادة (16): لا يجوز إبعاد المواطنين أو نفيهم أو منعهم من العودة إلى السلطنة.

مادة (17): المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي.

مادة (18): الحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون. ولا يجوز القبض على إنسان أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون.

مادة (19): لا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن المخصصة لذلك في قوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية.

مادة (20): لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة. ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منهما.

مادة (21): لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها. والعقوبة شخصية.

مادة (22): المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وفقا للقانون ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا.

مادة (23): للمتهم الحق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه أثناء المحاكمة. ويبين القانون الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم ويكفل لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم.

مادة (24): يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا، ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظمه القانون، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه. وله ولمن ينوب عنه التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته الشخصية، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة، وإلا وجب الإفراج حتما.

مادة (25): التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة. ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق وتكفل الدولة، قدر المستطاع، تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا.

مادة (27): للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها، إلا في الأحوال التي يعينها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه.

مادة (28): حرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية مصونة على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب.

مادة (29): حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون.

مادة (30): حرية المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه.

مادة (31): حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه. (من موقع وزارة الشؤون القانونية).

مُجمل القول في هذه العجالة، أنَّنا بحاجة ماسة للالتفاف حول هذه الصيغة التعاقدية وتفعيلها والامتثال لها، لما تحتويه من تفاصيل قانونية وهدي تشريعي واضح المعالم وسهل الهضم والتطبيق، ومواكب بعمق لتطلعاتنا والطور الزمني الذي نعيشه، الأمر الذي يمكننا مستقبلًا من إضفاء العصرنة والمرونة على مواد النظام وفق الحاجة النابعة منا، من خلال مرونة وآليات النظام الأساسي نفسه بيسر وسلاسة ودون ضجيج أو استعراض.

البعض منا يستشكل عليه فهم عبارة "وفق القانون" والتي تتكرَّر عادة في الدساتير دون استفاضة، ولا يعلم أن الدستور أب القوانين، ولا يأتي على التفاصيل مفسحًا المجال للقوانين المتخصصة بذلك، كما أن القوانين لا يمكن أن تتعارض مع مواد الدستور نصًّا أو روحًا وإلا فقد قانونيتها ودستوريتها.

فالمادة (21) أعلاه مثلًا توضح جانب من عبارة "وفق القانون"، وكذلك عبارة "في حدود القانون"، حيث لايوجد شيء مطلق في هذه الحياة أو في تشريعات الدول وأعرافها، وهذه قواعد قانونية معروفة ولا يمكن تجاوزها. كما أنَّ شمول المادة على جملة "العقوبة شخصية" أي لا وزر للأبناء أو من في حكمهم بذنب المتهم وهي تشكل نقلة نوعية في صون كرامة الإنسان وحصر الضرر وجبره في آن، مقارنة مع بعض التجاوزات في بعض الأقطار والتي كانت تطال العقوبات دائرة تصل إلى القرابة من الدرجة السابعة وبالقانون للأسف الشديد!

كما يستشكل على البعض منا التفريق بين "أمر القبض" و"أمر الاعتقال"، فالحالة الأولى قضائية وغير خطرة ويمكن تنفيذها عبر المنافذ الحدودية أو نقاط التفتيش الدورية أو عبر رجال التحريات، أما الحالة الثانية فهي حالة قضائية أو أمنية خطيرة تتطلب القبض الفوري مع مصادرة جميع مقتنيات المتهم والتي قد تعزز من إدانته فيما هو منسوب إليه. والحالتان من القواعد العامة للقوانين والضبط والقضاء والأمن في جميع بلاد العالم بلا استثناء. وفي جميع الأحوال من المهم حفظ كرامة المتهم وتطبيق القانون بلا شطط أو تسلط أو استبداد أثناء مراحل التهمة أو بعد الإدانة.

على كل حال في النظام الأساسي الكثير مما يستحق التأمل والتدبر والصون، عبر الندوات والحوارات وتسليط الضوء أكثرعليه بالوسائل المتاحة والناجعة، وهذا ما نتمناه في الآجال القريبة.

---------------------------------

قبل اللقاء: "أصْدَر المنتدى الإستراتيجي العربي بدبي تقريرًا خطيرًا بعنوان "كلفة الربيع العربي" أورد فيه الأرقام التالية: بلغت خسائر البنية الأساسية في الأقطار العربية التي عانت من الربيع 461 مليار دولار، والخسائر التراكمية للناتج المحلي 289 مليار دولار، وخسائر الأسواق المالية 18 مليار دولار، وتسبب الربيع في تشريد 15 مليون لاجئ بلغت تكلفتهم 49 مليار دولار، وتراجع السواح بمعدل 103 ملايين سائح، وقرابة مليون ونصف المليون قتيل وجريح. طبعًا نسي المنتدى ذكر المنهوب من ثروات ليبيا المنقولة والأصول والتي بلغت 500 مليار دولار وفق اعتراف فرحات بن قدارة محافظ المصرف الليبي المركزي السابق، وفوق كل هذا مازال هناك من يروج بأن مادار هو ربيع وثورات شعوب!!.. وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك