متحف أرض اللبان في ظفار.. نافذة أثرية وسياحية على تاريخ السلطنة وتراث العمانيين

< الكثيري: نصف مليون زائر لمتنزه البليد الأثري ومتحف أرض اللبان منذ افتتاحه

صلالة - العُمانيَّة

قال علي بن سالم الكثيري مدير دائرة متحف أرض اللبان بظفار: إنَّ المتحف منذ افتتاحه في 23 يوليو 2007م يُمثل إضافة للسياحة العمانية وبوابة تعليمية وثقافية مهمة للسلطنة بشكل عام ولمحافظة ظفار ومواقع أرض اللبان بشكل خاص؛ حيث يُوفِّر للزوار والباحثين والطلاب فرصة للتعرف على التاريخ العماني من خلال قاعات العرض الموجودة والمواد الأثرية المحفوظة في مستودعات المتحف من الحفريات المكتشفة التي تتم في مواقع أرض اللبان (البليد-سمهرم-وبار)، والمواقع الأثرية الأخرى التي قام مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بإجراء مسوحات أثرية فيها.

وأضاف الكثيري بأنَّ المتحف يستقبل العديد من الأفواج السياحية للتعرف على التاريخ العماني الحافل، إلى جانب تنظيم العديد من الزيارات لطلاب المدارس لإبراز الصورة الحضارية والتجارية للسلطنة خلال الحقب التاريخية الماضية.. مشيرا إلى أنَّ المتحف ينظم أنشطة وفعاليات متنوعة في ساحاته، إضافة إلى عرض الأفلام الوثائقية للزوار وتنظيم حلقات عمل تخصصية للبرامج الطلابية للتعريف بالتاريخ العماني؛ وذلك من خلال قاعة الوسائط المتعددة في المتحف. وقال إنَّ متحف أرض اللبان يوفر نافذة مهمة للترويج للصناعات الحرفية التي تشهد إقبالا كبيرا من الزوار الذين يحرصون على اقتنائها كهدايا تذكارية تمثل الصورة الثقافية والحضارية للسلطنة، إضافة إلى مشاركة المجتمع المحلي في العديد من الفعاليات والمناشط المختلفة من خلال البرامج التي لها علاقة بتوعية المجتمع وتثقيفه. وأوضح أنَّ المتحف يساهم -إلى جانب مواقع أرض اللبان- في تنشيط الحركة الثقافية والسياحية في السلطنة بشكل عام، وفي محافظة ظفار على وجه الخصوص. ويظهر ذلك من خلال أعداد زوار هذه المواقع؛ حيث بلغ عدد زوار متنزه البليد الأثري ومتحف أرض اللبان منذ افتتاحه في 23 يوليو عام 2007م إلى نهاية شهرنوفمبر 2015 م حوالي 495997 زائرا.

وأشار الكثيري إلى أنَّ المتحفَ يُنفذ العديد من المناشط والفعاليات؛ من بينها: زيارات طلابية وجولات للزوار وعرض بعض الأفلام الوثائقية ذات الصلة بمحتويات المتحف، إلى جانب مشاركة المتحف مؤسسات المجتمع المحلي في العديد من الفعاليات والمناشط التي يقوم بها القطاع العام أوالقطاع الخاص كاستضافة المعارض الدولية والمحلية وبرامج متحفية مختلفة من خلال حلقات عمل في الترميم ونشاط الرسم والتلوين للطلاب وعدد من المحاضرات التوعوية. كما يساهم متحف أرض اللبان في المسيرة التعليمية والثقافية الشاملة التي تشهدها السلطنة والتي لم تكن متاحة بطريقة علمية قبل بزوغ فجر النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أطلق مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة في كل الميادين، وتفاعلت من خلالها عمان مع محيطها الإقليمي والدولي في إطار التعايش السلمي بين الدول وتبادل المصالح بين الأمم على نهج ثقافة التسامح والسلام.

ويُعدُّ متحف أرض اللبان بمتنزه البليد الأثري بمحافظة ظفار -التابع لمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية- من أهم الشواهد الحضارية والنماذج المميزة للمتاحف الموجودة في المتنزهات الأثرية المسجلة في قائمة التراث العالمي. ويقع متحف أرض اللبان على الشريط الساحلي لمدينة صلالة على بعد خمسة كيلومترات تقريبا من مركز المدينة. ويشكل المتحف إطلالة شاملة على السلطنة بمختلف مناطقها وفتراتها الزمنية وفرصة للتعرف على موروثها التاريخي وتراثها البحري من خلال عرض مجموعة من الشواهد والآثار من مختلف مناطق عُمان بالإضافة إلى مجموعة من الصور ونماذج مختلفة لبعض الشواهد والمواقع الأثرية والتاريخية.

ويقدم متحف أرض اللبان للزائرين والباحثين ملخصاً لمسيرة البلاد وفرصة للتعرف على موروثها التاريخي الطويل وتراثها البحري، إلى جانب نماذج من الشواهد الأثرية عبر العصور إلى وقتنا الحاضر؛ وذلك من خلال قاعتين؛ هما: قاعة التاريخ التي تعد نافذة على العديد من الشواهد الحضارية والأثرية، وتحتوي على 6 أقسام؛ هي : جغرافية عُمان، وعُمان في الأزمنة القديمة، وأرض اللبان، وإسلام أهل عمان، وملامح من التاريخ العُماني، ونهضة عُمان. كما تبرز القاعة البحرية أهم الأحداث البحرية المهمة في التاريخ العماني وعلاقة العماني بالبحر ومساهمة البحر في تطور العلاقات التجارية مع الدول الأخرى ومهارة العمانيين في صناعة السفن، وتشتمل على 7 أقسام؛ هي: التراث البحري، والبحر، وبناء القوارب والسفن الشراعية، والإبحار، والتجارة، وواقع البحر الافتراضي، والنهضة. ويعرض القسم الأول من قاعة التاريخ "جغرافية عُمان" معلومات جغرافية أساسية عن السلطنة من خلال عرض نموذج لخارطة السلطنة وصور لبعض المناطق والحواضر والبيئات العمانية؛ حيث يبين هذا القسم مدى تنوع التضاريس والبيئات بالسلطنة، وأهمية الموقع الجغرافي الذي جذب إليها العديد من الهجرات السكانية عبر التاريخ، وكيف مثل موقعها منطقة تماس حضاري ساهمت فيه مع شعوب أخرى في صياغة الأحداث التاريخية المهمة التي شهدتها المنطقة، ويعزز هذا القسم الشعور بالانتماء الجغرافي والبيئي والحضاري لدى الزوار العمانيين.

ويقدم قسم "عُمان في الأزمنة القديمة" شواهد أثرية وحضارية في عدة مواقع بالسلطنة لفترات وحقب زمنية مختلفة تبرز مراكز التجمع السكاني عبر الحقب التاريخية في أرجاء متنوعة من السلطنة منذ البدايات الأولى للحضارة الإنسانية المتمثلة بحضارة الصيد على السواحل وحضارة إنسان العصر الحجري. ويأتي هذا القسم شاهدا على استقرار الإنسان في عمان وإتقانه للعديد من الحرف منذ الأزل والمتمثلة في الزراعة وتربية الحيوان والإنتاج البدائي لسد حاجاته من الغزل والنسيج والأواني الفخارية والأدوات المعدنية وصولا إلى انتشار صناعة استخراج النحاس وممارسة التجارة مع بلاد الجوار وبلاد الرافدين والهند والصين حيث قامت حضارة متعددة السمات لاتزال شواهدها وآثارها في مختلف مناطق السلطنة. ويجسد قسم "أرض اللبان" من "قاعة التاريخ" في المتحف صورة للدلائل الحضارية والأهمية التاريخية والأثرية لمواقع أرض اللبان في محافظة ظفار التي ظلت طوال العصور الماضية مصدراً رئيسيًّا لإنتاج وتصدير أفضل وأجود أنواع اللبان مُشكلة بذلك علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية اعتمدت على شبكة تجارة اللبان التي امتدّت للبحر المتوسط ومناطق البحر الأحمر وبلاد ما بين النهرين والهند والصين.

وعُرف عن عُمان إسلام أهلها طواعية؛ فجاء القسم الرابع من قاعة التاريخ يحمل اسم "إسلام أهل عمان"، ويظهر نسخة من رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل عمان، إلى جانب إبراز دور وإسهامات العمانيين في علوم الفقه واللغة والأدب ونشر الإسلام من خلال عرض العديد من المخطوطات في الفقه الإسلامي، والمصاحف والتفسير، والشعر، واللغة، والطب، والتاريخ، إضافة إلى نماذج من عمارة المساجد في السلطنة.

وتضمُّ قاعة التاريخ قسم "ملامح من التاريخ العُماني" الذي يُبرز أهم المحطات في تاريخ السلطنة إلى جانب نماذج من الأحداث والوقائع التي كان لعمان دور بارز فيها، إضافة إلى عرض شواهد حول العلاقات السياسية والتجارية بين عمان والشعوب المختلفة كما يعرض القسم لمحة تاريخية عن قيام دولة اليعاربة، وصولا إلى قيام الدولة البوسعيدية وأهم الأحداث والمعاهدات التي تمت خلال تلك الفترة إلى ما قبل النهضة المباركة.

ويأتي القسم الأخير من قاعة التاريخ بعنوان "نهضة عُمان" الذي يُبرز نهضة عمان الحديثة ومشاهد من فجر النهضة المباركة ومراحل تطور مسيرتها في ربوع السلطنة، إضافة إلى إبراز اهم المعالم من النهضة العمانية الحديثة. وتظهر محتويات القاعة البحرية التي يشتمل عليها متحف أرض اللبان مفردات البيئة البحرية العُمانية ومهارات عمليات الإبحار ومفاصل تاريخية هامة عن علاقة عُمان بالبحر حيث تقف نماذج السفن العُمانية التقليدية في هذه القاعة شاهداً قوياً على المهارة البحرية والإتقان في صناعة السفن لخدمة كافة الأغراض التجارية في مختلف العصور.

ويعرض قسم "التراث البحري" صورة للملاحة العمانية منذ أقدم عصور التاريخ ويبرز القسم ايضا النشاط البحري في ظل الإزدهار التجاري لحضارتي بلاد الرافدين ووادي الأندوس وصولاً إلى إقامة شبكة علاقات منتظمة لقرون طويلة مع الهند والصين والساحل الشرقي الأفريقي وبلاد حوض البحر المتوسط ثم المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي قسم "البحر" في القاعة البحرية ليمثل الموقع الجغرافي كأحد العوامل الهامة في ارتباط سكان عُمان بالبحر الذي شكل لسكانها ولايزال أحد مصادر العيش وسبيلاً إلى التواصل مع الآخرين وإقامة علاقات متنوعة مع شعوب العالم حيث يبرز القسم تنوع الثروة البحرية العمانية.

ويجسد القسم الثالث من القاعة البحرية "بناء القوارب والسفن الشراعية"؛ حيث يظهر المهارات والإجادة في بناء السفن لدى العُمانيين منذ آلاف السنين وتطور صناعتها حسب حاجاتهم للتواصل مع حضارات الأمم القريبة والبعيدة كما يمثل بناء القوارب والسفن الشراعية والمواد القديمة والحديثة المستخدمة في صناعة السفن. ويظهر القسم الرابع من القاعة الذي يحمل مسمى "الإبحار" مهارات عمليات الإبحار وتطور وسائله وأدواته إلى جانب إبراز عميلة الإبحار عبر العصور القديمة وصولاً إلى العصر الحديث وإسهامات العمانيين في علم البحار والفلك.

ونظرا لازدهار وانتشار التجارة العمانية عبر التاريخ القديم جاء القسم الخامس من القاعة باسم "التجارة" ليبرز أهم الموانئ التاريخية في تصدير اللبان كميناء سمهرم والبليد وريسوت إلى جانب ميناء صحار الذي عرف بتصديره للنحاس إلى موانئ الحضارات القديمة في وادي النيل ووادي الأندوس وبلاد الرافدين والصين حيث كانت هذه السفن تعود محملة بالذهب والتوابل والعاج والخشب الحرير مُشكلةً بذلك خطوطاً تجارية ربطت عُمان ببقية العالم اضافة الى ارتباط عمان بعلاقات سياسية ودبلوماسية وارسال بعثات للصداقة والتعاون وتوقيع معاهدات تنظم تلك العلاقات بفضل الملاحة البحرية العُمانية عبر العصور المختلفة.

ويأتي القسم السادس من القاعة تحت مسمى واقع البحر الافتراضي ويمثل نموذجا لسفينة "البغلة" كأحد أنواع السفن الكبيرة التي كانت تستخدم للرحلات الطويلة حيث كان التوجه من عُمان إلى زنجبار وممباسا مثلاً يمتد لعدة أسابيع ومحفوفاً بالمخاطر والمعاناة التي تتولد منها المهارات والتحديات.

وفي القسم الأخير من القاعة البحرية يظهر قسم "النهضة" الذي من خلالة يتم إبراز الموانئ والسفن العمانية الحديثة ودورها في مسيرة النهضة، إلى جانب إبراز تفاعل العمانيين مع النهضة المباركة لبناء وطنهم والاستفادة من معطيات عصرهم من خلال بناء الموانئ الحديثة واقتناء السفن المتطورة لسد حاجاتهم المعاصرة.

تعليق عبر الفيس بوك