هل هناك تخوّف من مشروع أوسطي جديد؟

عبد الله العليان

بعد بروز المشكلات والصراعات في أكثر من بلد عربي منذ عدة سنوات، وازدياد حدتها بعد دخول روسيا بشكل صريح وعنيف، بعد استخدامها لسلاحها الجوي في الأزمة الداخلية السورية، وظهور تصريحات غربية عديدة، بأنّها ستدخل في هذا الصراع لمحاربة تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، فإنّ بعض المحللين والمتابعين للوضع العربي في المنطقة العربية، يتخوّفون من مشاريع قادمة للمنطقة ربما تحتم بتغيير جديد للوضع القائم، خاصة أنّ بعض دولنا العربية تعاني من مشاكل اقتصادية، وأخرى سياسية واجتماعية، وبعضها صراعات طال أمدها كثيراً، ربما تجعل المنطقة مقبلة على توجه لإعادة ما سمّي بـ سايكس/ بيكو جديد، أو ما سماه أحد السياسيين الأمريكيين بـ بظهور (الفوضى الخلاقة)! مع أن التسمية مرتبكة مفهومياً، فكيف يلتقي مفهوم الفوضى، مع مصطلح الخلاقة؟ لكن الكثير من السياسيين ينظر نظرة تشاؤمية للأوضاع في الفترة الراهنة، لكن البعض الآخر، لا يرى هذا الخطر، لكن الوضع العربي ليس مستقراً، إلا إذا أراد ربنا عزّ وجل شيئا آخر لهذه الأمة. وإذا رجعنا إلى المشاريع السابقة التي جاءت بعد احتلال أفغانستان والعراق، فإن هذه المشاريع طرحت بالفعل، في ظل الانقسام العربي قبل وبعد احتلال العراق، الذي لا شك أنّه أخطأ خطًأ جسيمًا باحتلال العراق، وما تبعه من توترات، وأدت إلى الغزو تحت ذرائع ليست صحيحة، لكن الأهداف كانت معدة لاحتلال العراق.. أول هذه المشاريع التي ظهرت، مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جاء في كتاب بهذا الاسم، من الرئيس الإسرائيلي"شيمون بيريز" حيث طرح الكثير من الأفكار التي تبشر بمرحلة جديدة في الشرق الأوسط ـ كما قال ـ ويصورها بشكل مغاير كمنقذ وحمامة سلام للمنطقة، يصوغ نيابة عنّا الأفكار الجديدة في الاقتصاد والثقافة والتنمية، ولننبذ الأفكار البالية العتيقة التي عفى عليها الزمن، مثل الهوية والعروبة والذاكرة التاريخية!. والأغرب أنّ البعض من المثقفين والكتاب صدق مقولات أنّ هناك نظامًا دوليًا تجري ولادته أو هو في مخاضه الأخير وفي طور التشكيل، إلا أنّ الأقدار حالت دون ولادته، أو ربما كان حملا كاذبا، قصد به تبرير مسوغات المشاريع الاستراتيجيّة الجديدة التي يتحدث عنها بيريز كثيرا، لكن الواقع أنّه لا يوجد نظام جديد بالمعنى المغاير للنظام الدولي القائم، إنّما الذي يصاغ هو مفاهيم جديدة للمنطقة تصبح فيه لإسرائيل ما تريده ومالا تريده، حتى وإن كانت هذه الرغائب عسيرة الهضم، وثقيلة القول وجنونية المنطق ولا بأس أن تكون أيضا (إسرائيل) يدها مطلقة بعنجهية وغطرسة كما يحدث الآن في الأراضي العربية المحتلة، وما تفعله في المدنيين العزل مع موافقة الكيان الإسرائيلي، بما فيهم بيريز وسكوت الدول الكبرى.

ثاني هذه المشاريع، ظهرت في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قبل احتلال العراق وبعده، وروجّت له كوندارايس وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، ففي فبراير 2002 تحدث الرئيس بوش في معهد " أمريكان انترابرايز "في ما سماه بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لتطبيق ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من الإصلاحات الأخرى في العالم العربي متجاهلاً الكثير من المفاهيم والصيغ التي يجب أن يشرك فيها أهل الاختصاص في العالم العربي، ومما قاله الرئيس بوش في تلك الفترة إن "غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل تحدياً للولايات المتحدة، وأن غياب الحرية والتمثيل الديمقراطي في المنطقة أديا إلى نتائج رهيبة للمنطقة والعالم". فالرئيس بوش لا يشغله في قضية الإصلاح سوى الإرهاب خاصة ما حدث في 11 سبتمبر 2001، والواقع ألا أحد يرفض الديمقراطية أو ينكر أهمية الإصلاح السياسي والاقتصادي أو غيرها من خطوات الإصلاح في عالم اليوم، شريطة أن يكون الإصلاح الذي تختاره الشعوب ويتفق مع خياراتها بعيداً عن المصالح أو الأهداف التي يبتغيها هذا الطرف أو ذاك. لكن الإشكالية تكمن في النزعة الفوقية أو التفكير الأبوي الذي يطرح مع واقع العالم العربي.. وهذا ما يجعل كل مقولات الإصلاح في مهب الريح للأسف وهذا ما تحقق فعليا وواقعيا بعد انتهاء فترة الرئيس بوش، والعراق الذي قال عنه سيكون (المثال المُحتذى في الديمقراطية)، أصبح مثالا سيئاً للحروب الداخلية والطائفية وبؤر التطرف والتكفير.. إلخ: وتشاء الأقدار أن تأتي الردود في ذلك الوقت جاءت من أحد السياسيين والإستراتيجيين الأمريكيين هو (بغينو بريجنسكي) الذي انتقد هذا المشروع بشدة في صحيفة نيويورك تايمز ومما قاله هذا السياسي البارز: "إن نجاح مبادرة بوش ـ ويقصد مشروع الشرق الأوسط الكبير ـ يكمن في "انسجامها مع واقع المنطقة ومن أجل تحقيق ذلك على الإدارة أن تتخذ الخطوات التالية: أولا يجب أن تصاغ المبادرة بمشاركة الدول العربية ولا تطرح عليها فقط لقبولها. ولن يقبلوا الديمقراطية إذا شعروا أن ثقافتهم وتقاليدهم الدينية تتعرض للتحقير. ويجب كذلك إشراك الأوروبيين بصورة كاملة، كما عليهم هم أنفسهم أن يديروا حوارًا خاصًا بهم مع دول المنطقة حول معنى وأهداف هذه المبادرة. وكل اختلافات تبرز في ثنايا ذلك يمكن أن تحل في قمة الثماني. منتقدًا في الوقت نفسه ما قال نائب الرئيس الأمريكي آنذاك (ديك تشيني) في منتدى دافوس من "أنّ الإصلاح الديمقراطي يمثل شرطا للحل السلمي للنزاع العربي الإسرائيلي الطويل الأمد" فقال بريجنسكي :"إنّ حجة تشيني حول أنّ الديمقراطية تمثل شرطا مسبقًا للسلام في الشرق الأوسط، وكأنّما هي للتبرير العقلاني لتعليق كل جهد لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. يضاف إلى ذلك أنّ الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر إلا في جو من الكرامة السياسية. وما دام الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية ويتعرّضون للإهانات يوميًا، فإنّهم لن ينجذبوا إلى محاسن الديمقراطية والشيء نفسه يقال عن العراقيين تحت الاحتلال الأميركي". والحقيقة أنّ هذه المشاريع لن يكون لها حظ من النجاح في ظل المظالم والاحتلال وغياب العدل والمعايير المتناقضة وغيرها من المواقف غير العادلة، لأنّ الشعوب عادة لا تقبل الفرض والإلحاق والقسر مهما كانت الظروف وعوامل اختلال التوازن العسكري، أو الصراعات الداخلية، أو الخلافات السياسية.







تعليق عبر الفيس بوك