أزمة أسعار النفط ومستقبل التنمية في الخليج العربي

سلطان الخروصي

شكّل النفط منذ عقود طويلة المنبع الدّفاق الذي يدرّ أموالا طائلة لكثير من دول العالم التي تمتلك قسطا وافرا من الذهب الأسود، وشكلت دول مجلس التعاون الخليجي عبر تعاقب الحقب التاريخية صمّام الأمان لدعم الحراك الاقتصادي لدى كثير من الأمم وعلى رأسها الدول الصناعية الكبرى؛ فهي تملك أكبر احتياطي للنفط بمجموع (486.8) مليار برميل أي ما يعادل (35.7%) من الاحتياطي العالمي من النفط الخام و (70%) من إجمالي الاحتياطي النفطي لمنظمة الأوبك، وبحسب الترتيب العالمي فهي تعدّ أكثر الدول المنتجة والمصدرة لهذه السلعة العالمية، وقد كان تتابع مؤشر أسعاره في المراحل السابقة وخاصة حينما تجاوز الــ(100) دولار مسارا مهما للتنمية والتطوير والبناء؛ لذا سعت كثير من دول المنطقة إلى تشكيل الملامح الرئيسيّة للدولة العصريّة سواء في مجالات التعليم، أو الصحة، أو المؤسسات الأكاديميّة والبحثيّة، أو تعزيز القدرات العسكريّة والمؤسسات الوطنية الاستراتيجية، أو تقديم جرعات تنموية رائدة للإنتاج والإبداع، أو السعي لحلحلة ظاهرة البطالة وتفعيل الشراكة الوطنية بين المؤسسات والمواطنين حتى وصل بعضها إلى مرحلة (الرفاهيّة)، إلا أنّه ومع انصهار القيمة السوقيّة العالميّة للنفط ظهرت مؤشرات عرّت حقيقة (الترقيعات) لبعض الصور الهلامية والتي كانت تفاخر بأنها استطاعت أن تُكوِّن قواعد اقتصادية متينة لدولها العصريّة عبر استغلال الارتفاع السوقي لهذه السلعة قبيل يونيو من العام الماضي من خلال بيئة متنوعة لدعم الاقتصاد الوطني دون الاعتماد الكلي على النفط.

اليوم ونحن على أعتاب نهاية (2015) نجد أنّ دول الخليج العربي تعيش أزمة اقتصادية حقيقة قد تجرّها إلى مستنقعات سياسية واجتماعية ضحلة كان من الممكن تفاديها عبر وضع استراتيجيّات ورؤى وطنيّة تحفظ للوطن والمواطن حقّ العيش الكريم دون إقحامه في في حسابات معقدة واقتناص حقوقه؛ لسد عجز الدول التي يتحملها في المقام الأول والأخير صنّاع القرار الذين جعلوا الحبل على الغارب في الاعتماد بنسبة (90%) أو تزيد من الاقتصاد الوطني على النفط - حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطاقة- ولنا أن نتخيل واقع المنطقة حينما توضع ملامح المرحلة المقبلة على المحك بحيث تشوبها الضبابية واتباع سياسة (مشّي حالك)!، فحينما نجد أن الكويت التي أعلنت أنها وصلت بمواطنيها لدرجة (الرفاهية) وهي على مشارف رفع الدعم الحكومي عن المحروقات ابتداء من يناير المقبل تعلن وبسبب انخفاض أسعار النفط منذ أكتوبر الماضي - لو ظل البرميل الواحد على (60) دولارا - بأنها ستسجل عجزا في ميزانيتها يصل إلى عشرة مليارات دولار ناهيك عن بقية الدول الأعضاء وعلى رأسها البحرين وعمان اللتان تعدّان من أكثر دول المنطقة ضررا في ظل إبقاء أوبك سقف إنتاجها كما هو (30) مليون برميل يوميا، وحسب ما أعلن عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة الأوبك أن المنظمة بما فيها دول المجلس تشعر أنها على برّ الأمان ما لم تتهاو أسعار النفط دون (80) دولارا؛ وذلك يعني أن دول المجلس قد حزمت ملفاتها وجردت حسابتها لرسم خارطة طريق للميزانية المالية للعام القادم (2016) على ذلك السعر الذي أشار إليه البدري لكن الواقع يشي بأنّ تلك الأسعار قد وصلت للحضيض وانخفضت بنسبة (65%) أي أننا نعيش أزمة حقيقة ستؤول حلولها كما أعلنتها بعض الدول الأعضاء من خلال استخدام الأصول المالية التي رصدت عبر سنوات طويلة للبنية الأساسية، بمعنى أنّ نزيف انهيار أسعار النفط خلال أشهر بسيطة كان كفيلا بوقف مشاريع تنموية وطنية عُوِّل عليها الكثير لتصبح على المحكّ وكان من الأجدى أن تتّسم بخطط واستراتيجيات بعيدة المدى.

جميل جدا أن يتعلّم الإنسان من تجاربه السابقة ليقوّم أخطاءه ويجوّد عمله، ودول الخليج تشعر الآن أنّها تعيش أزمة اقتصاديّة يتطلّب منها تحكيم العقل ووضع الآليات التي تخدم أوطانها ومواطنيها بعيدا عن العنتريّات وابتزاز المواقف السياسية والتدخلات في سيادة الدول الأخرى كما هو الحال في الساحة اليمنيّة أو السورية أو الليبية والمصرية وغيرها، نحن بحاجة إلى أن تقف حكومات المنطقة مع مواطنيها ليضطلعوا باسم المواطنة والمسؤولية في خضم الفوضى الفكريّة والأخلاقيّة والمؤسساتية التي تعيشها دول الجوار، من الضرورة بمكان أن تبنى استراتيجية خليجية لخلق اقتصاد متين لا يعتمد بصورة مطلقة على سلعة ناضبة متذبذبة الأسعار بين الفينة والأخرى وتكون آثارها الوخيمة على المشاريع التنموية الوطنيّة، نحن بحاجة لخلق هيكلة اقتصاديّة حرة متينة لا تتداخل مع التقلبات المزاجيّة السياسيّة والشخصيّة، نحن بحاجة إلى قناعات وكفاءات تضع لكل ذي حق حقه لرسم خارطة طريق تجارية صلبة يمكن من خلالها تحقيق المستوى الآمن من العدالة الاجتماعية وتطوير البنية التحتية وخلق فرص حقيقية لشراكة اقتصادية عالمية بمستوى عال ورفيع.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك