ما بين عقبة بوشر ومترو لندن

خلفان العاصمي

قديمًا قال الإمام الشافعي "سافر، ففي الأسفار خمس فوائد"، وكانت هذه المقولة متناسبة مع معطيات ذلك الزمن وآفاقه التي لم تتعدَّ سوى تفريج الهم واكتساب المعيشة وتحصيل العلم والآداب وصحبة الأمجاد، إلا أنَّ اليوم نجد للسفر فوائد جمة تفوق تلك الفوائد التي ذكرها الشافعي؛ فمهما كانت طبيعة السفر وأهدافه، ومهما اختلفت وسائله وأدواته، فإنَّ فوائده ستتنوع وستتعدد. ولعل من أبرز فوائد السفر في وقتنا الحالي: التعرف على حضارات وثقافات البلدان المسافر إليها؛ فالبعد السياحي الشامل بالتأكيد سيكون حاضرًا مهما كانت طبيعة السفر إن كان لطلب العلم أو للعلاج أو للعمل. ولقد ساهمت وسائل الاتصال والمعرفة الحديثة في تنويع وتعميق فوائد السفر من خلال المعرفة المسبقة بتفاصيل البلد ومكوناتها والخدمات التي قد يحتاج المسافر إليها، كما أنَّ الوعي بمفاهيم التقدم والتطور والحداثة أصبحت حاضرة في كل الأسفار، فالكثير منا يقارنون ما بين تاريخ تلك الدولة التي سافروا إليها وعمقها الحضاري بمنجزاتها وبمكتسباتها في شتى المجالات؛ سواء العمرانية أو فيما يتعلق بخدمات أو وسائل معيشية أخرى، ومن ثم يعود ليقارن ذلك بما هو في بلده من خدمات مشابهة، فحتمًا إذا كان السفر لبلد ذي حضارة عريقة ونهضة ضاربة في القدم، فإنَّ مقارنة ذلك بدولته الحديثة في كل شيء سيكون غير منصف لاعتبارات كثيرة مرتبطة بعمر نهضة البلد ومواردها الطبيعية ودخلها القومي، ولكن لا يمنع أن تكون المقارنة من أجل التحسين والتطوير لبناء بنية أساسية قوية ذات بعد مستدام، كما هي الحال في الكثير من مشاريع النقل في العديد من دول العالم ذات النهضة التي سبقتنا بسنوات؛ فعلى سبيل المثال سأتحدث في هذا المقال ومقال لاحق عن بعض المشاهدات فيما يتعلق بوسائل النقل العام، كما شاهدتها مؤخرًا في بريطانيا، وبالتحديد في العاصمة لندن.. وسأحاول أن أربطها ببعض المعطيات معنا في السلطنة مع وضع تساؤل: ماذا لو؟

وجودي في لندن مع مجموعة من زملاء المهنة في إطار برنامج تدريبي بمؤسسة طومسون الإعلامية تزامن مع تدشين الهوية الجديدة لشركة النقل الوطني العماني (مواصلات) وهي خطوة جميلة تحسب لمنظومة النقل التي هي الآن في مرحلة التعافي بعد أن مرت بسنوات من الترهل ما بين تردي نوعية الخدمة وأدواتها من حافلات، والتي وصل بعضها إلى مرحلة التهالك، الهوية الجديدة من حيث مفردة المسمى واللون الأحمر والحافلات الحديثة وخطوط السير المنظمة وإن كانت في مرحلة التجريب ما بين المعبيلة وروي، إلا أنَّها خطوة صحيحة للتعافي المطلوب فيما يخص النقل العام، ولعل القارئ سيتساءل بأننا وصلنا لما بعد منتصف المقال، ولكن لم نجد إشارة صريحة للعنوان، ولعل التساؤل الأكبر سيكون ما دَخْل مترو لندن العريق وأنفاقه الشهيرة، والذي يعد أقدم نظام مترو انفاق في العالم، وهو أحد أطولها من ناحية طول الطريق والذي يصل لمسافة 408 كم ما بين خطوطه جميعًا وبعدد محطات تصل لـ275 محطة، وما علاقته بعقبة بوشر-العامرات والتي لا يزيد عمرها على الخمس سنوات، وطولها على 10 كم؟ المقارنة ستكون من وجهين؛ الوجه الأول من حيث الاستدامة، فلكم أن تتخيلوا أنفاق مترو لندن والتي بدأ العمل بها في العام 1863م -أي قبل أكثر من 152 عاما- وبهندسة فريدة من خلال الأنفاق التي تربط مدينة لندن وضواحيها مع وجود كامل الخدمات المرتبطة بها من سلالم كهربائية...وغيرها، والتي لا تزال لليوم تعمل وبكفاءة عالية تؤهلها لأن تعمل بنفس الكفاءة لسنوات طوية مقبلة. أما فيما يتعلق بعقبة بوشر، فإنَّ فكرة شق هذا الطريق في سلسلة جبلية تتأثر بعوامل التعرية المختلفة هي فكرة لا تُوحي بأنَّ المشروع سيكون ذا استدامة طويلة المدى مهما روج له من أبعاد سياحية أو غيرها، إلا أنَّه في الأخير هو طريق خدمي حيوي يستخدمه المئآت من الناس بشكل يومي لقضاء مصالحهم وليس للتنزه أو الفرجة. أما الوجه الآخر، فهو مُرتبط بالأمن والسلامة، فمع وجود كل ما يكفل سلامة المستخدمين لأنفاق لندن من بنية أساسية ومرافق حيوية في كافة المحطات؛ ففي طريق عقبة بوشر-العامرات يتفاجأ دائما مستخدمو الطريق إما بتساقط الحجارة من جوانب الجبال على ضفتي الطريق سواء بفعل الأمطار أو الرياح أو لعدم ثبات الجوانب المقصوصة للجبل، فماذا لو كان النفق بديلا للعقبة مع تشغيله بأحدث التقنيات ووسائل السلامة العالمية في تشغيل مثل هذه الأنفاق؟

تعليق عبر الفيس بوك