رفع الدعم.. وأكثر من رأي

د. محمد الشعشعي

يُثار هذه الأيام في وسائل الإعلام المحلية وعبر قنوات التواصل الاجتماعي موضوع حيوي ومهم؛ ألا وهو: موضوع رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الحياتية؛ وأولها: الوقود ومشتقاته. ويُتابع المجتمع العُماني بأجمعه النقاشات حول هذه القضية بحكم ارتباطها المباشر بمعيشة المجتمع ورزقهم وملامستها لحياتهم اليومية، وقبل أن يدق ناقوس الخطر في بلادنا، الذي ينذر البشر، نطالب أصحابَ القرار بالتريث وعدم التسرع في رفع المسودات إلى الجهات العليا لاعتمادها لإيقاف الدعم عن المواطن، هذا المواطن الذي اعتاد على دعم الحكومة وعلى مكارم صاحب الجلالة السخية والمتواصلة منذ بزوغ فجر النهضة إلى يومنا هذا، أعني المواطن العماني الأصيل في طبعه، الوفي في إخلاصة، الصادق في وطنيته وفي حبه لقائده وترابه، وما الملاحم الوطنية التي قدمها الشعب العماني في السنوات الأخيرة إلا شواهد على الخصوصية التي تميِّز هذا الشعب عمَّن سواه، كما أن حِرْص الدولة على مواطنيها كحرص الأب على أبنائه؛ حيث يبذل لهم كل ما يستطيع من أجل رفاهيتهم وإسعادهم، وهذا بلا شك ما عهدناه من والدنا وولي أمرنا -حفظه الله ورعاه.

قضية رفع الدعم يتناولها المحللون من عدة جوانب ووجهات نظر بين مؤيد ومعارض؛ منهم من يرى أنها توفر المصروفات التي تذهب إلى غير محلها وقد يستفيد منها الأجانب والمقيمون أكثر من المواطنين وفق بعض الدراسات التي أُجريت في دول مجاورة، ولا يعني أن هذا بالضرورة ينطبق على الوضع عندنا في السلطنة؛ فلكل دولة خصوصيتها ومحدداتها ووضعها الاجتماعي والاقتصادي.. وآخرون يرون أنَّ في رفع الدعم عبئًا على المجتمع في وقت لا يحتمل فيه المواطن أعباء؛ الأمر الذي يدعو إلى التريث ومراجعة حساباتنا، ولا نعتمد فقط على معيار انخفاض أسعار النفط خلال هذه الفترة التي تتأثر بحروب الأسعار والوضع الاقتصادي العالمي المتأزم، وإن كنا نستبشر أن يعاود النمو الاقتصادي معدلاته حتى يزداد الطلب على الطاقة؛ وبالتالي تعود المستويات السعرية السابقة للنفط؛ لذا فإنَّ عدم التسرع مطلب أساسي ومُجد.

... إن خصوصية المجتمع العماني الذي اعتاد على وضع اقتصادي معين ومتوازن في أغلب الظروف، ويسير غالبا في المتوسط، وقد نسميه المسارالمعتدل الذي سلكه العمانيون لأنه يقع وسطا بين منحنى التبذير والإسراف من ناحية وعدم توافر أساسيات العيش الرغيد من ناحية أخرى، أي بمعنى آخر نحن في السلطنة ألفنا العيش بعيدا عن حياة التبذير والإسراف كما هو حاصل في بعض الدول الشقيقة، كما أننا لسنا في مستوى دون المتوسط، لهذا يصعب تقبُّل المساس بمسارات حياتنا بالانتقاص أو التقليل من وضع وطبيعة هذا المجتمع بما يؤثر على مستوى معيشته.

أما إذا سلَّمنا بالامر الواقع بأن ترفع الحكومة الدعم، فإنَّ هناك حسبة من الملايين يمكن أن توفر لخزينة الدول من خلال رفع الدعم عن الكثير من السلع المدعومة وأولها الوقود، ويبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة: أين ستذهب هذه الملايين الموفرة جراء رفع الدعم؟ هل ستُصرف في مكانها الصحيح وسينعكس أثرها على خزينة الدولة والمواطن؟ أم أنها "كأنك يا بوزيد ما غزيت" وستنفق في غير محلها بعيدا عن التزام مبدأ فائدة الاقتصاد الوطني؟ وما هو التزام ومشاركة القطاع الخاص في حل هذه الإشكالية أو المعضلة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؟

هذه تساؤلات مهمة يجب أنْ لا نتجاهلها لأن هذا المبلغ الضخم الذي أظهره المحللون مفرح ومخيف في نفس الوقت، فيكون مخيفا إن أنفق في غير محله، ومفرحا إذا استغل الاستغلال الأمثل وعاد ريعة على الوطن والمجتمع بمختلف شرائحه.

فمثلا إذا خُصِّص ثلث هذا المبلغ للتوظيف، فإن السعادة سوف تدخل العديد من منازل السلطنة وسيتم تعويض بدل الدعم. وبطريقة مباشرة وحسبة بدائية تقليدية سيكفي هذا المبلغ لتوظيف أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل، فضلا عن أهمية دعم مشروع توفير المسكن الملائم للشباب لإقامة مشاريع التجمعات السكنية التي اعتنت بها الدولة مؤخراً عبر ندوات وحلقات لجان مجلس الشورى والمتوقع أن يبت فيها قريبا. ولا ننسى دور القطاع الخاص ومساهمته في التصدى لقضية رفع الدعم سواء من حيث التوظيف أو ناحية رفع أجور المعدات والموارد البشرية، وهذا يحتاج إلى أن ندعم القطاع الخاص بالمشاريع الحكومية والتسهيلات التي تمكنه من القيام بعمله على أكمل وجه.

أما الرقابة الصارمة على ارتفاع الأسعار، فإنه من الضرورات الملحة والجوهرية في حالة رفع الدعم؛ لأنَّ بعض التجار من ضعفاء النفوس يحاولون استغلال الوضع ورفع الأسعار فتكون الضربة على المواطن ضربتين؛ الأولى برفع الدعم والثانية بارتفاع الأسعار، وإن كنا على يقين بقيام هيئة حماية المستهلك بالدور المنوط بها على أكمل وجه.. ومن هذا المقام أوجه لها وإلى جميع العاملين فيها تحية إكبار لما تقوم به من جهد ملموس وفعال في حماية المستهلك.

وختاما أقول: إنَّ لقضية رفع الدعم الكثير من الذيول والتأثيرات، وهي تشغل الرأي العام ولا يمكن الإحاطة بكافة جوانبها في مقال واحد، إلا أنَّنا نقول خلاصة: إنَّ الدولة أدرى بمصالح الشعب، وهي حريصة على رعايتها وصونها.

تعليق عبر الفيس بوك