الحاجة لثورة جذريَّة لاجتثاث جذور "الإرهاب"

عبيدلي العبيدلي

عَرَض الإعلامي سامر إلياس مُلخَّصا لتقارير حديثة "كشفت تضاعف عدد القتلى في العمليات الإرهابية حول العالم في العام 2014 مرتين، مقارنة بالعام 2013. إذ قتل نحو 33 ألف شخص نصفهم في البلدان العربية". واستشهد إلياس بتقرير مؤشر الإرهاب العالمي "‏GTI‏" الذي أوضح أن "عدد القتلى جراء العمليات الإرهابية هو الأكبر في التاريخ، (لافتا إلى) أن التقرير يأتي متزامنا مع تعاظم خطر الإرهاب في أوروبا، وتلويح تنظيم "داعش" بزيادة عملياته في القارة العجوز، ونقلها إلى الولايات المتحدة إثر تفجيرات باريس الدموية، وإعلان القاعدة تبني تفجيرات مالي الأخيرة، (محذرا) أننا قد نواجه في العامين الحالي والمقبل مخاطر أكبر قد تساهم في رفع أعداد الضحايا."

هذه الأرقام وأخرى غيرها، أشد قسوة، أوردتها مؤسسات أخرى تكشف مجموعة من القضايا التي تتعلق بالإرهاب، تستحق التوقف عندها، ويمكن حصر الأهم بينها في النقاط التالية:

1- نجح الغرب، من خلال مؤسساته الإعلامية وقدراته المالية، على ترويج مفهوم واحد للإرهاب، وهو ذلك القادم من الشرق، وتحديدا ذلك الصادر عن القوى الإسلامية بمختلف مذاهبها، دون التمييز بين أي منها، مخفيا تحت هذه الجبة الغربية المزيفة كل مظاهر الإرهاب الأخرى، خصوصا تلك التي تمارسها، وبشكل يومي، وعلى نحو مستمر، مؤسسات إرهابية، تمرست في فنونه الجماعية، المرتكزة على آلة "إرهابية" تديرها الدولة، هي الكيان الصهيوني.

2- تمكَّن الغربُ من فرض مقاييسه الخاصة لتعريف الإرهاب. فكل من يخالفه في الرأي، أو يقف في وجه مشروعات ذلك الغرب غير الإنسانية، بغض النظر عن انتماءاته الفكرية، تطاله "وصمة الإرهاب" التي لا يتخلص منها طالما أصر -هذا الطرف- على أن يبقى بعيدا عن تلك "الجبهة المعادية للإرهاب" التي رسمت هياكلها بدقة متناهية المؤسسات الغربية. نكتفي هنا بالإشارة إلى الحالة الأفغانية، فعندما كانت "القاعدة" تحارب في صفوف التحالف الأمريكي لطرد القوات الروسية من كابول، لم يكن تنظيم القاعدة حينها إرهابيا، ولم يكن رأس بن لادن مطلوبا. لكن عندما وقف بن لادن في وجه المشروع الأمريكي انتقل من خانة الحلفاء لواشنطن إلى صفوف الأعداء. نقول ذلك دون أن نقع في فخ الدفاع عما تقوم به القاعدة، لكن -وبالقدر نفسه- دون أن نقع فريسة سهلة للإعلام الأمريكي.

3- تمكَّن ذلك الغرب، بعد ذلك الترويج الممنهج، من تمويه، بل وحتى إخفاء كل جرائمه الإرهابية، فما قامت به واشنطن في العراق يكشف بوضوح مدى تدهور الأوضاع في العراق، وتزايد النشاط الإرهابي منذ الاحتلال الأمريكي لبغداد، وهو أمر يكشفه إلياس في تقريره المشار إليه أعلاه، عندما يُقارن بين ردود الفعل الدولية تجاه تفجيرات باريس الأخيرة، وما يدور في العراق، منذ ما يزيد على عشر سنوات؛ فمن الواضح، كما ينقل إلياس "أن الاهتمام العالمي ازداد بعدما ضرب الإرهاب باريس نهاية الأسبوع الماضي، لكن يبدو أن العالم اعتاد على أنباء التفجيرات في العراق، ولم تفلح الجهود المعلنة لوقف دوامة العنف فيه وسقوط الضحايا. ووفق الإحصاءات، فقد هزَّ نحو 3370 تفجيرا بلاد الرافدين في العام 2014، بمعدل تسعة تفجيرات يوميا، وذهب ضحيتها نحو 10 آلاف عراقي".

4- كانت البلاد العربية أكبر ضحايا تلك السياسة الغربية التي تقودها واشنطن، فمن جانب كان العالم العربي هو الساحة التي مارست فيها واشنطن كل تجاربها في مواجهة "إرهاب" كانت هي من أشعل نيرانه، بشكل مباشر أو غير مباشر، وقاد إلى أن ترهق الدول العربية اقتصاديا، وتنزف بشريا، وتدمر بنيتها الأساسية بشكل متواصل، وفوق ذلك كله كان تمزيق النسيج الاجتماعي العربي. أدى كل ذلك، وتحت راية "محاربة الإرهاب" التي تقود جبهتها الدولية واشنطن، إلى تعميق التبعية للغرب، وتوسع النفوذ الغربي، الذي لم يعد محصورا في نهب خيرات البلاد العربية، بل بات محكما قبضته على مؤسساتها التعليمية، وسياساتها الخارجية، وبرامجها التنموية.

وكما يُشير تقرير إلياس "ففي وقت خطفت الهجمات الإرهابية في باريس أنظار العالم، ودفعت إلى حملة تضامن عالمية وصلت إلى حد النفاق أحيانا؛ من المهم التوقف عند مؤشر أوردته أخيرا مجلة (إيكونوميست) البريطانية، وهو أنَّ عدد قتلى الإرهاب في البلدان الغربية لم يتجاوز الـ3 في المئة من ضحايا الإرهاب في العالم في الخمسة عشر عاما الأخيرة. لكن تهديدات "داعش" الأخيرة باستهداف أوروبا دقت نواقيس الخطر محذرة من زيادة أعداد الضحايا."

ربما يدعو المشهد العربي المأزوم منذ ما يزيد على خمس سنوات مكونات ذلك المشهد السياسية، وليس المقصود بهذه المكونات الحكومات العربية فحسب، بل يتجاوز الأمر ذلك كي يشمل القوى التي تضع نفسها في خنادق المعارضة أيضا، كي تعيد النظر، ليس في سلوكها اليومي فحسب، بل أيضا في سياساتها الإستراتيجية.

إعادة النظر المطلوبة هنا، لا بد لها -إن هي أرادت الخروج من ربقة الأسر الإيدلوجي التي أوقعتها فيها المؤسسات الغربية- أن تغوص عميقا في الجذور الفكرية التي تتبناها هذه المؤسسات، وأن تتحاشى، كما هي عليه اليوم، المعالجات السطحية التي تتوقف، بوعي أو دون وعي، عند قشور القضية (المقصود هنا الإرهاب بمفهومه الشامل المتكامل)، وتعالج التشوهات التي تطفو على سطحها.

ينبغي أن ينضوي تحت لواء القوى التي سوف تتصدى لإنجاز مثل هذه المهمة، كي تكون المعالجة مجدية، ليس المكونات السياسية، بل تلك الاقتصادية والتعليمية. فالثورة من أجل مكافحة الإرهاب لا بد لها أن تكون شاملة، كي تتمكَّن من اجتثاثه من جذوره، فلا يتمكن من النمو مجددا في المستقبل المنظور ولا البعيد أيضا.

تعليق عبر الفيس بوك