الوطن والمواطن

 عبد القادر عسقلان

مازالت أبيات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان والتي كنّا نرفع بها حناجرنا كل صباح ونحن طلاب في الكليّة؛ يتردد صداها في أذني حتى الآن.. فمن أجل ترسيخ حب الوطن وغرسه في نفوسنا كنا ننشد معًا:

موطني.. موطني

الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك..

والحياة والنجاة والهناء والرخاء في هواك..

هل أراك سالمًا منعمًا وغانمًا مكرمًا

هل أراك في علاك تبلغ السماء..

موطني موطني

ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا

لا نريد بل نعيد مجدنا التليد.. موطني موطني

بهذا النشيد الجميل كنّا نستهل يومنا الدراسي، نشحذ به همم النفوس ونؤكد بها ولاءنا وانتماءنا للوطن.. ونرفض عيش الذل والمهانة.. وبقينا نُردد هذا النشيد لمدة ستين عامًا، ولا أغالي أو أبالغ إن قلت أنّه كان يُعبر تماماً عن مشاعر الشعوب العربية وغيرها من الشعوب المستضعفة التي كانت تتوق للتحرر من نير الاستعمار والهيمنة الأجنبية التي كانت ترزح تحتها.

يا تُرى أين اندثرت تلك المشاعر وتلك الأشواق الرافضة لصلف المستعمر ولا تزال ألسنتنا رطبة بترداد ذلك النشيد؟

إنّ ما كنَّا نُريده من هذا النشيد وبعد هذه المُدة لم يتحقق إلا على أرض عُمان.. لماذا؟ لأنّ علاقة الشعب بالقيادة رسخت في نفوس أبناء هذا الوطن حب الوطن وصدق الانتماء له.

إنّ صاحب الجلالة أحب بلاده لذا تلقف كل الشعب العماني ذلك الحب وشب على معاني المواطنة وصدق الانتماء، لذلك ترى هذه الجموع الغفيرة من الشعب وهي تحتفل صادقة أولاً بعودة صاحب الجلالة سالماً إلى أرض الوطن؛ وثانياً احتفالاً بعيدها الخامس والأربعين مظهرةً مشاعر صادقة ملؤها المحبة والوفاء والولاء ومعترفة للقادة بما حققه لهم من إنجازات كانت كلها تصب في معين رفع مستوى دخل المواطن ورفاهيته..

أدت هذه الإنجازات إلى تلاحم أبناء الوطن مع القائد المفدى من أجل صنع الحاضر والمُستقبل ومواجهة التحديات والعيش في مناخ الأمن والأمان..

إنّ شعبنا محظوظ لأنّ المولى عز وجل قد سخر له قائدا وأبا حنونا يؤمن بتكريس العدالة والوئام والسلام والوفاق والمحبة، ليس بين أبناء شعبه فحسب، بل بين جميع شعوب العالم.. كما أن حكمة جلالته وحصافته البلوماسية فرضت على العالم احترام جلالته – أبقاه الله- والذي انتهج مبدأ التعاون والتآخي، وجعل السلم والسلام والحيادية قاعدة لعلاقات عمان الخارجية، بل سعى صاحب الجلالة -حفظه الله- لإصلاح ذات البين بين الفرقاء والمتخاصمين كما حدث في الاتفاق النووي الايران، فقد كانت مساعي السلطنة ووساطتها هي الأرضية التي ارتكز عليها الاتفاق ومن ثم نجاحه.. بالإضافة إلى إيمان القائد باستقلالية القرار ورفض الحروب والنزاعات فلم يستمع إلا لصوت الحق والضمير الذي أملاه عليه رفض التبعيّة وتلقي التعليمات من الآخرين، فلم يسمح لأحد أن يتدخل في شؤون دولته كما أنّه لم يتدخل في شؤون الدول الأخرى وعلى هذا المبدأ بنى سياسته في علاقاته مع الآخرين.

أفلا يحق لأبناء عمان بعد كل المنجزات التي شملت كافة مناحي الحياة في عمان أن يفنوا في حب القائد والوطن الذي كفل لهم العيش في رخاء وسلام وأمان واستقرار.

إن القيادة الآن أحوج ما تكون إلى استمرار هذا التلاحم والحب والوفاء من أجل مواجهة الأزمات التي تمر بها المنطقة، وأن نواجهها بنفس العزيمة وبذات الروح التي بثّها فينا جلالة السلطان المفدى حتى نقدم البرهان له على صدق وفائنا وحبنا وانتمائنا لوطننا، فالدولة التي تقوم بتوفير التعليم والصحة والوظيفة والسكن والأرض والراتب التقاعدي والرعاية الاجتماعية لرعاياها مطلوب منها الأمانة والإخلاص بالعمل في جميع المواقع والمراكز والحرص على تقديم الخدمات للجمهور بكل كفاءة والابتعاد عن البيروقراطية في التعامل مع الآخرين والحرص على عدم وجود الراشي والمرتشي في المجتمع، والاعتزاز بالانتماء والوطن وعدم (إفساد الأرض بعد إصلاحها).

كما أن مجتمع بهذا التماسك والتآزر وهذه المفاهيم سيقوي نهج الشراكة بين الحكومة والمجتمع من أجل التنمية المستدامة وسيبقى ينشد النشيد الذي ورد في بداية المقال.

لكن وكما علّمنا جلالته أنه ومن منطلق شعورنا بضرورة سلامة وأمن المنطقة؛ علينا أن نتعاطف ونتكاتف مع شعوبها، وندعو لهم الله أن يلهم قادتهم حب الأوطان والعمل من أجل عزّتها وكرامتها وهيبتها ورفاهية شعوبها، وأن يلهمهم العمل لمصلحة أوطانهم، وأن يبتعدوا عن الاستماع لنصائح من يريدون نهب أموالهم وخيراتهم والزج في حروب لا تجر عليهم إلا المعاناة والحاجة وفقدان هيبة دولهم.. فهنالك دول يغذي قادتها في شعوبهم حب الأوطان، وهناك دول شعوبها تطلب من قادتها الإخلاص للوطن والعمل على رفعة شأنه ولسان حالهم ينشد ويقول:

موطني موطني

الوبال والظلام والفناء والرياء في رباك

والطغاة والبغاة والدهاء لا الوفاء في حماك..

موطني موطني

الوفاق لن يهل نجمه لا لن يطل من جديد..

كل حزب قد بدأ وهمه يرضي العداء وأن تبيد

لا يريد مجدنا التليد

بل يريد عيشة العبيد وذلنا الأكيد

موطني..

ربنا ندعوك مخلصين أن تطيل في عمر قائدنا حتى يبقى رمزًا للإخلاص للوطن وصدق الانتماء له والعمل من أجل عزته ورفعة شأنه...

اللهم آمين..

تعليق عبر الفيس بوك