نحتاج إلى سياسة الحزم

زاهر المحروقي

هُناك مواقف تحتاج إلى حزم، ولا ينبغي أن تُترك هكذا تمشي وحدها؛ وهناك أيضاً مواقف إذا استُخدم فيها الحزم فإنه ينبغي أن يكون الناس على علم بذلك، لأنَّ ما يخصُّ هموم ومشاكل ومتاعب الناس يجب على الناس أن يعرفوا ماذا تم بشأنه؛ والحزم المقصود به هنا بالتأكيد ليس القمع أو كبت الحريات.

ففي الفترة الأخيرة، مرَّت قضيتان على العمانيين شغلتا بال الكثير منهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك مرَّت القضيتان مروراً عابراً، ممَّا جعل الناس يحتقنون أكثر؛ حيث كانت القضية الأولى هي ما اعتبره الكثير من العمانيين تهجّمَ أحد مقدمي البرامج على عُمان، من خلال قناة فضائية رسمية بـ "أسلوب عنتري" ولكنه كان موارباً، من غير أن يمتلك الشجاعة بأن يسمي الدولة التي قصدها بهجومه؛ فكان من نتيجة ذلك أن انتشرت المقالات والتغريدات حول الموضوع، وهي عادةٌ أصبحت معروفة عند قطاعات كبيرة من العمانيين الآن، بأن يتم استفزازهم بتغريدة فيثورون، ويتم ترضيتهم بتغريدة فيهدأون، فيما الواقع يقول إنَّ "بعض" الاستفزازات يتم الإعداد لها بعناية في غرف عمليات مخصصة لهذا الشأن، وعبر جيش من المغردين، استغلالاً لظرف تاريخي، واستغلالاً للوضع الاقتصادي الصعب، والذي لم يتم الاستعداد له جيداً؛ إلا أنّ الجديد في هذا الأمر -كما رأى الكثيرون- أن يخرج هذا اللمز والغمز من خلال قناة فضائية رسمية، ممّا يتنافى مع كلِّ أخلاقيات العلاقات الأخوية والدبلوماسية بين دول الجوار، بل يتنافى مع بنود الاتفاقية الأمنية التي وقعت عليها دول مجلس التعاون، وهي الاتفاقية سيئة السمعة التي أدت بشاب عماني يعاني من مرض "الاضطراب الوجداني الثنائي القطب" من الفئة الأولى، أن يقبع في سجن دولة مجاورة لفترة طويلة، وينتقل من تأجيل إلى تأجيل ومن مستشفى لآخر، بتهمة الإساءة إلى رموز الدولة، فيما كانت تغريدات هذا الشاب -سواء اتفقنا معه أم اختلفنا- منطلقة من غَيْرة على وطنه بعد قضية "التجسس" المشهورة؛ أما الحالة المرضية فقد وصفها الأطباء بأنها ترفع المسؤولية الجنائية عن أقوال المريض.

أما القضية الثانية؛ فهي ما تم نشره عن إيقاف مواطنين عمانيين في أحد المطارات الهندية بحجة أنهم سافروا للعلاج في الهند وهم لا يملكون تأشيرات العلاج وإنما تأشيرتُهم كانت سياحية، مما أدى بهم أن يتلقوا إهانات تلو إهانات ويمكثوا في المطار أكثر من 16 ساعة في ظروف صعبة، ثم أعيدوا دون أن يستلموا حتى جوازاتهم بحجة أنهم سيستلمونها في مسقط، وقصةٌ مثل هذه أصبحت تتكرر كثيراً الآن مع المواطنين العمانيين في الدولة الصديقة، ممّا يجعلنا نتساءل أليس للمواطن العماني قيمة؟! إننا نحترم قوانين كلِّ دولة ومن حق أيِّ دولة أن تسن قوانينها؛ ولا نعترض على القوانين، بل ندعو إلى اتباعها، لكن ليس معنى هذا أن يتم إهانة مواطنين عمانيين بتعليقهم في المطار تلك الساعات الطويلة هم وعائلاتهم، على خطأ لن يؤثر في شيء، سواء دخلوا بتأشيرة العلاج أو السياحة، فهم لم يكونوا يحملون معهم متفجرات؛ وقد كان بإمكانهم دفع الفارق بين التأشيرتين في المطار وينتهي الأمر بسلام، ثم هناك نقطة أخرى وهي أنّ السفارة الهندية تطلب تقارير طبية لاستخراج تأشيرة العلاج، فماذا لو أنّ المسافر لا يملك تلك التقارير، وكان هدفه هو إجراء فحوصات طبية فقط؟! إنّ المسألة تحتاج إلى نقاش بين الطرفين في العديد من النقاط؛ بل يجب أن يشمل النقاش جميع الدول التي تصدِّر العمالة إلى عمان، لأنّ الحاصل -وهذا هو الواضح- أنَّ هذه الدول هي التي تفرض شروطها وقوانينها علينا.

وكما هي العادة، انتشرت المقالات والتغريدات حول الحديث التليفزيوني، وانبرى الكثيرون يدافعون عن عمان حتى عاطفيًّا، ورغم أنّ الرجل اعتذر وأقسم أنه لا يقصد عُمان، إلا أنَّ الإساءات لعُمان قد كثرت في الآونة الأخيرة، وأحياناً من أناس يحملون صفات أكاديمية وصفات رسمية أو شبه رسمية، مما يعني أنّ المقالات أو التغريدات لن تفيد في شيء أبداً، لأنّ هناك من الأمور تحتاج إلى اتخاذ قرار حاسم تجاهها؛ أما من غير ذلك فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، سيقوم أحدهم بسبِّ عمان ورموزها تصريحاً أو تلميحاً، وسيقوم أحدهم بإثارة الفتن المذهبية في عمان عبر قنوات الفتنة بالأكاذيب التي يبثها، وستقوم دولة ما بإهانة المواطنين العمانيين في مطاراتها، وسيثور الناس ويفتحون صفحات في تويتر وفيسبوك، وستمتلئ صفحات الواتساب بالمقالات والتغريدات، ثم يهدأ كلُّ شيء ليبدأ من جديد، في وقت تكون "بعض" تلك الاستفزازات مدروسة بعناية، والدارسُ لها يستطيع أن يربط بين كلِّ تلك الإساءات والشائعات مع الواقع في الأرض، ابتداء من العام 2011 وليس انتهاء بقضية لمز وغمز عمان من موقفها السياسي تجاه سوريا واليمن وعلاقتها مع إيران.

... إنَّ الاعتماد فقط على المثل القائل "دع الكلاب تنبح.. والقافلة تسير"، هو مبدأ خاطئ، وإذا كان يصلح في زمن مّا فلن يصلح في كلِّ زمان، وإذا كان يصلح لموقف مّا فإنه لا يصلح لموقف آخر، خاصة إذا كان النباح قد ازدادت حدته، بمعنى أننا نحتاج إلى سياسة الحزم مع من يسيء لعمان، وأن يعرف المواطنون ما جرى، لأنّ المواطنين عندما يحسون بأن بلادهم مستهدفة وأنهم ليس لهم قيمة ولا يرون أنّ هناك ردة فعل رسمية على ذلك، فإنّ هذا له انعكاسات سلبية على المستوى البعيد؛ وقد أصبح الكثيرون يتساءلون: هل المسؤولون لا يتابعون؟!

نحن نثق تماماً بأنّ السياسة الخارجية العمانية متزنة (وهذا رأيي أردده دائماً)، ولا نعرف لماذا يريد الآخرون أن نسير على هواهم، إن رضوا عن أحد، فعلينا أن نرضى عنه، وإن سخطوا علينا أن نسخط، وإن دخلوا حروباً وهمية فعلينا أن ندخلها معهم؟! ولكن نترك الآخرين ونركز على الداخل؛ فإنّ "كثرة الدق على الحديد تليِّنه"، فلا ينبغي أن نهمل كلَّ التغريدات المسيئة ونعتقد أنها لا تؤثر على الناس؛ فتأثيرُ تلك التغريدات، وكذلك تأثير بعض شيوخ الفتنة أصبح مشاهداً ومعروفاً ولا يحتاج إلى إثبات، وهذا يشكل خطورة كبيرة على وحدة المجتمع، إذ إنّ القضية بدأت تأخذ أبعاداً طائفية في التحليل، وكأنّ سياسات الدول مبنية على المذاهب، ثم إنّ المشكلة سوف تزداد تعقيداً مع زيادة الأزمة الاقتصادية، وظهور شبح الركود الاقتصادي الحاد، الذي بدأنا نرى بوادره، بنية بعض الشركات الاستغناء عن الموظفين العمانيين، في وقت من المقرر أن يدخل سوق العمل ابتداء من هذا العام وإلى العام 2020، نحو 200 ألف عماني -حسب تحليل أ.مرتضى حسن علي، دون أن يجدوا وظائف؛ وكلُّ ذلك يحصل في ظلِّ أجواء "مكهربة" تحيط بنا من كلِّ مكان، ممّا يحتِّم علينا أن نقوِّي الجبهة الداخلية، وربما مسألة تقوية الاقتصاد والعمل على إيجاد البديل عن الوظائف الحكومية من أهم النقاط في هذا الجانب.

لقد كان الموقف العماني من تدمير منزل السفير العماني في صنعاء موقفاً جيداً حتى يعرف الأشقاء أنّ لنا موقفاً؛ وما حصل من استدعاء سفراء دول التحالف وتقديم طلب إيضاحات حول ذلك الموقف، وكذلك إشارة معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية إلى ذلك في كلمة السلطنة أمام الأمم المتحدة، نتمنى أن يتكرر مع كلِّ موقف يؤدي إلى الإساءة إلى عمان ورموزها وشعبها.

ومن هنا، فإنَّ سياسة الحزم مطلوبة، وأؤكد من جديد أنّ الحزم غير القمع؛ ومتى ما حدث ذلك فإنّ كلَّ التراشق الذي يحصل في مواقع التواصل سيتوقف، لأنّ الجهات الرسمية قد قامت بواجبها؛ وإذا كنا نقول إنّ هناك مبالغات من قبل الناس في الرد على ما يُنشر في صفحات التواصل لدرجة أن يفقد الناس صوابهم ويتم جرهم إلى استخدام ألفاظ غير لائقة، فيتركوا الموضوع إلى تناول صاحب الموضوع بالسب، إلا أنّ الغيرة في النهاية مطلوبة، خاصة إذا كانت غيرة عقلانية، والخوفُ أن تختفي أيضاً حتى هذه الغيرة يوماً مّا لكثرة الإحباطات التي تصيب الناس.

تعليق عبر الفيس بوك