الإعلانات الذكية

أسماء القطيبي

في بداية تحول المجتمعات الغربية إلى صناعية، كان الإقبال على شراء الألماس ضعيفًا، نظرًا لارتفاع ثمنه، ففكرت إحدى شركات بيع المجوهرات في خطة ذكية لجذب الزبائن لشرائه، حيث قامت بالترويج لخاتم الألماس على أنه الخاتم الذي يقدمه الرجل المخلص لخطيبته، ولكون الألماس معدناً ثميناً لا يصدأ، فهو الرمز الأمثل لديمومة وهج الحب بين الشريكين. وقد حققت هذه الإعلانات نجاحا باهرا بين الناس، حيث أقبل الشبان بكثافة على شراء خاتم الألماس لخطيباتهم، وتباهت الفتيات بلبسه كرمز للحب الأبدي الذي يجمعها بمن تحب. والأهم أن شركات بيع المجوهرات حققت أرباحًا لم تكن تحلم بها، وما زالت إلى اليوم.

وإذا ما نظرنا حولنا سنجد أننا محاطون بالإعلانات في كل مكان، فالشركات لا تكتفي بتلك الإعلانات المباشرة التي تعرض على شاشات التلفزيون أو في دور السينما أو اللوحات الإعلانية في الشوارع، بل إنها تدس الإعلانات في كل مكان، فعلى سبيل المثال تقوم الشركات بتصميم لوحات للمحال التجارية مجانًا مقابل وضع شعارها على اللوحة، أو أنها تقوم برعاية أحد برامج الواقع مقابل أن يقوم المشاركون فيه باستخدام منتجها بكثرة أثناء فترة العرض، كل هذه الطرق تجعل من المنتج - حتى لو لم نقم بشرائه بعد- منتجاً مألوفا لدينا، بل إنه يكتسب معاني اجتماعية ونفسية لدى جيل الشباب، فلبس ماركات معينة يوحي بالمعاصرة والتمدن، وشرب مشروبات معينة يدل على المرح وحب المشاركة وهكذا.

الرسالة التي يقدمها الإعلان قد لا تكون كافية في حد ذاتها، ولكن تكرارها سيكسبها بالطبع القوة والتأثير، وهذا ما تعيه الشركات العالمية المعروفة في الأسواق، حيث إنها تقدم أنواعا جديدة من الإعلانات مثل الإعلانات التذكيرية والتحفيزية. لا تهدف هذه الإعلانات إلى التعريف بمنتجات الشركة وعروضها، وإنما إلى التذكير بأنّ هذه الشركات ما زالت حاضرة في السوق وما زالت تهتم بعملائها. ويقوم بصناعة هذا النوع من الإعلانات مجموعة من أصحاب الخبرة الذين يعملون بجد لابتكار طرق إعلانية، تحافظ على مكانة الشركة وتضمن تأثيرها في السوق، ويراعي فيها خصوصية المجتمع الذي تقدم له المادة الإعلانية، والذي هو على الأغلب المجتمع الاستهلاكي. فدراسة المجتمع وتوجهات أفراده واهتماماتهم يسهل التغلغل في السوق واجتذاب عملاء جدد. وهذا ما يُمكن تسميته "التوجيه الواعي للشراء غير الواعي"، الذي يزيد من نفوذ الشركات المنتجة، ويستنزف جيوب المستهلكين دون علمهم.

بالطبع، من حق الشركات أن تقوم بالترويج لمنتجاتها، خاصة في ظل التنافسية الكبيرة بين الشركات التي تبيع ذات السلعة لنفس الفئة، وفي ظل عدم وجود قوانين عالمية تنظم الإعلانات (مثل القوانين التي تحد من استخدام المرأة كأداة إعلانية، أو القوانين التي تمنع الاستغلال البشع للمآسي الإنسانية في تحقيق الربح التجاري، أو الضوابط التي تعنى بالإعلانات التي تخص المراهقين)، ولكن على المستهلك أن يكون أكثر انتباها للرسائل الإعلانية التي يتلقاها، ليتجنب تأثيرها غير الواعي قدر الإمكان، كما أن وضعه لخطط شرائية قصيرة وطويلة المدى يجنبه تكديس المشتريات غير الضرورية على حساب مشتريات ذات فائدة أكثر. ويجعل الأولوية في الشراء عملية منظمة لا تخضع للمغريات الإعلانية، التي ما أن يستسلم لها الفرد إلا ويجد نفسه غارقا في الديون والتأخر في سداد الالتزامات ؛ لكونه يجبر نفسه على عيش مستوى من الرفاهية لا يوفره له دخله المادي، وهذا ما يفوت عليه فرصة الاستمتاع، فيكون كمن وقع في الفخ..فخ المظاهر.

يقول أحدهم متهكماً بأن حالات الانفصال بين المتزوجين زادت بمعدل ملحوظ منذ أن أصبح الألماس رمزا للحب والأبدية، في إشارة إلى أنّ هذا التدخل المادي في القيم الإنسانية غير مجدٍ، بل إنّه قد يكون أمرًا سلبياً، لكونه يساوي المظاهر (الثمينة) بالعواطف الثمينة، وهذا ينتج عنه إما تسطيح العواطف أو تعظيم المظاهر المادية. وكلاهما مُرّان لا حلو فيهما. وليس أكثر معرفة من الشخص بقدراته المادية واحتياجاته الاستهلاكية، وإن بدا غريبا في مجتمعات تعشق المظاهر وتحتفي بها أكثر من أيّ شيء آخر.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك