صناعة التفوق تبدأ من المدرسة

خلفان العاصمي

يُعدُّ الشخص المتفوق مكونا أساسيا من مكونات البناء العام في أي مجتمع؛ وبالتالي فإنَّه من الضروري إعادة النظر في العناية به ورعايته رعاية إبداعية؛ حيث تسعى الأمم أيًّا كانت قدراتها وإمكانياتها جاهدة إلى استثمار طاقاتها المتنوعة وثرواتها الوطنية، وعلى رأس هذه الثروات والطاقات تلك الثروة البشرية، ولأن فئة المتفوقين يمثلون طاقة بشرية لها الدور الفعال في تحمل المسؤوليات؛ لذلك تسعى الأمم والبلدان للكشف عن هؤلاء المتفوقين وتوفير سبل الرعاية لهم، ومن المعروف أنَّ المجتمعات تتسارع وتتسابق في مسايرة التطورات والمستجدات التقنية، وإضافة إلى ما يصنعه المتفوقون في هذه الدول من علماء الأدب والفن والفكر في سبيل تطور وازدهار الثقافات المعاصرة، وتعتبر جميع الدول المتفوقين من أبنائها من أهم الثروات البشرية لديها؛ نظرا لما يتصف به المتفوقون من طاقات واستعدادات وقدرات يمكن استخدامها في بناء المجتمعات؛ فعلى سبيل المثال فإن المتفوقون في مجالات العلوم المختلفة والمتفوقون في جوانب مهنية مختلفة، والعاملون في ميادين المعرفة، يقدمون كل جديد مما يعجز عنه غيرهم من الأشخاص العاديين؛ لذلك نجد أن ظاهرة الكشف عن المتفوقين تقع في نطاق الاهتمام المباشر لكل علماء النفس والمربين والمعلمين والآباء والقادة على حد سواء، وإذا ما وجدت لهذه الفئة من الطاقة البشرية الرعاية والاهتمام، تصبح قوة دافعة نحو تطوير المجتمع والنهوض به.

تعتبر السلطنة كغيرها من الدول التي تولي اهتماما بالغا بأبنائها لأنهم أغنى وأثمن ما تملكه من موارد، حيث تقع على عاتقهم المسؤولية الكبرى في التنمية المجتمعية الشاملة، وهم في الوقت نفسه هدفها الأساسي؛ لذلك تنوعت المؤسسات التعليمية في البلاد لتلبي الميول والاستعدادات الخاصة بالموهوبين والذين هم البذرة الأساسية للمتفوقين سواء في التحصيل الدراسي أو الأنشطة المختلفة، فنجد أنَّ نظام التعليم المدرسي يتيح الكثير من الخيارات لهم سواء من حيث المواد الدراسية وتنوعها ما بين العلمية والأدبية أو من خلال البرامج والأنشطة المساندة للمنهج المدرسي عبر جماعات الأنشطة الطلابية وما تفرزه من مبدعين وما يتبع ذلك من حضور ومشاركات في محافل إقليمية ودولية وتعزيز تلك المهارات والمعارف من خلال ورش عمل ومحاضرات يتم توجيهها لخدمة الموهبة التي يتميز بها ذلك الطالب أو تلك الطالبة، إضافة إلى البرامج النوعية المتخصصة في مجال الابتكار كبرنامج التنمية المعرفية وما به من مشاريع يعمل على إنتاجها الطلاب في مراحلهم الدراسية المتوسطة، والمتتبع لنواتج هذا البرنامج يجد بأن الطالب العماني قد حقق حضورا جيدا في المشاركات الخارجية، كذلك من البرامج النوعية التي تحرص عليها وزارة التربية والتعليم في مجال رعاية الموهوبين برنامج ريادة الأعمال والذي يشرف عليه المركز الوطني للتوجيه المهني ويتم العمل به سواء من خلال المدارس أو من خلال برنامج تدريبي متخصص يستهدف طلاب الصف العاشر وينفذ بالتعاون مع إحدى مؤسسات القطاع الخاص.

وتعدُّ الإدارة المدرسية المسؤول الأول عن العملية التعليمية في المدرسة، وبالتالي تبقى مهمتها في عملية ترجمة هذه التوجهات والرؤى إلى واقع ملموس كونها الأقرب للطالب، وهي الجهة المنفذة لكل هذه البرامج والأنشطة، وبما أن الإدارة المدرسية الحديثة يعول عليها الكثير من المهام والمسؤوليات؛ ومن ضمنها رعاية الكثير من الفئات الطلابية والتي يقع من ضمنها المتفوقون وكيفية رعايتهم والنهوض بالخدمات المقدمة لهم وفق ما ترسمه الوزارة من برامج وانشطة، إضافة إلى البرامج والأنشطة الإثرائية والعلاجية لرعاية هذه الشريحة الطلابية ويدخل من ضمن منظومة الإدارة المدرسية، والتي يقع عليها هذا العبء مدير المدرسة ومساعديه وإخصائي الأنشطة المدرسية والإخصائي الاجتماعي والإخصائي النفسي وإخصائي التوجيه المهني ومشرفي الأنشطة من المعلمين والمعلمات والمعلمين الأوائل والمشرفين التربويين؛ حيث يتم إسناد الأدوار لهم بما يتماشى مع خدمة هذه الفئة من أجل تحقيق هدف تقديم الرعاية العلمية الصحيحة لهم؛ وذلك من خلال تفعيل الأنشطة تفعيلا جيدا وتعويدهم على ممارستها كجزء من اليوم المدرسي وربطها بما يدرسونه ضمن منهجهم الدراسي، وكذلك تفعيل حصص النشاط والاشتغال عليها وفق الأساليب الحديثة لكي تحقق أفضل النتائج، وكذلك توفير كل ما يلزم من إمكانيات وأدوات لممارسة هذه الأنشطة سواء من خلال الموازنات المعتمدة أو إشراك مؤسسات القطاع الخاص في المساهمة في ذلك، وكذلك حث الطلاب على المشاركة في المسابقات العلمية والرياضية والفنية والثقافية...وغيرها؛ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي وتدريبهم وتأهيلهم للتنافس فيها.

تعليق عبر الفيس بوك