حاتم الطائي
فُوجئت، أمس، وأنا أتابع مع لجنة تحكيم "جائزة الرُّؤية لمبادرات الشباب"، بمستويات ابتكارية مُشرِّفة لمجموعة من الشباب مِمَّن استعرضوا مشاريعهم الواعدة بثقة وحماس.
ويعكسُ هؤلاء الموهوبون جانبًا من المستوى المتقدِّم الذي وَصَل إليه شبابُنا في الابتكار والإبداع. ولقد توصَّلْتُ إلى قناعةٍ -وأنا أتابع عَرْض هؤلاء المبتكرين- بأنه وبالمزيد من الجهد في وَضْع اللمسات النهائية على هذه الابتكارات يُمكنها أنْ تُنافسَ عالميًّا.
وما شدَّنِي فِي مُتابعة عُروضهم التوضيحية لابتكاراتهم، هذا الشَّغف الذي يتملَّك جوارحهم وهم يَشْرحون ويَكْشِفون عن أسرار ابتكاراتهم، ويُجِيْبون عن الأسئلة، وعُيونُهم تبرُق بالنبوغ الذي يحتاج من يتعهَّده بالرِّعاية ليؤتي ثماره.
... كانت "الرُّؤية" بالأمس على مَوْعد مع المبتكرين، الذين توافدوا إلى مقرِّها بالقُرم من مختلف المحافظات والولايات، يملؤهم الحماس، ويتحرَّقون شَوْقا لعَرْض أعمالهم، تقود خطاهم روح التنافس الشريف، ويوجِّه مسارهم الأمل في أن يَرَوا نتاجهم الفكري واقعًا ماثلاً على أرض الواقع في المستقبل القريب.
شبابٌ وفتيات تجاوزتْ أعمار بعضهم العقد الأول بقليل، وآخرون دون الأربعين، اجتمعوا على قاسم مشترك هو الإبداع والابتكار.
وعلى ذكر القاسم المشترك -وهو مصطلح رياضي- استوقفني سَلْمان، هذا الفتى النابه القادم من جعلان؛ حيث إنه ورغم أنَّ عمره لم يتجاوز الحادية عشرة، بَرَع في تقديم مشروعه العملي الخالص في مجال الرياضيات الذهنية حول الرقم 12، بَهَرني سَلْمان كما بَهَر لجنة التحكيم بذكائه الحاد وفكرته المبتكرة.
لم يكن سَلْمان وحده فارس مَيْدان عَرْض الابتكارات، بل واكبه آخرون من مسندم وعبري وسمائل وإبراء، جاءوا ليقدِّموا إبداعاتهم، تحدُوْهم آمال عريضة بأن هذه المشاريع الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل؛ ليقودهم إلى آفاق الابتكار وسماء الإبداع.
هؤلاء الشباب والفتيات -ورغم كونهم في بداية مشوارهم الابتكاري- أرى في أعينهم طاقة الإبداع وهي تبحثُ عن بيئة أكثر تحفيزاً لتنطلق إلى العالمية؛ فشبابُنا لا تنقصهم الطاقات الفكرية، ولا الرؤى الإبداعية، بل يحتاجون فقط إلى البيئة المحفِّزة للابتكار ليكونوا مُبتكرين من الطراز الرفيع، أسوة برصفائهم في دول العالم المتقدِّم، والذي ما كان ليكون اليوم مُتقدِّما لولا اهتمامه بمجالات الإبداع العلمي والابتكار؛ فبالعلم تُبنى الحضارات وتشيَّد صُروح التنمية.
وليس من الصَّعب خلق بيئة مُحفِّزة للابتكار كما يتبادر إلى أذهان البعض. إذًا؛ يُمكننا -وبشيء من التخطيط السليم، وتكريس الموارد- تهيئة البيئة المحفِّزة للابتكار، واللازمة لرعايته.
وهنا.. لَيْس بالضرورة أن نبدأ من الصفر، بل يُمكن أن نُؤسِّس على ما هو قائم فعليًّا من مؤسسات ذات صلة بهذا الجانب وتقوم بجهود ملموسة؛ ومن ذلك: مركز البحث العلمي، وحاضنات الابتكار القائمة في عدد من الجامعات والكليات؛ لتحقيق قفزة نوعية في خلق البيئة المحفزة للابتكار.
والشاهد: أنَّه يُمكن في هذا الصَّدد الاستفادة من ثورة المعلومات، وتوظيف معطياتها الكبرى -خاصة "اليوتيوب"...وغيره من أقنية معلوماتية- لاستقاء المعلومات، وحضور الورش والمحاضرات التي تَدْعم جوانب الابتكار؛ فهي تختصر الكثيرَ من الوقت والجهد والتكلفة؛ حيث إنه وقبل ثورة المعلومات كان الحصول على كتب معينة أمراً بالغَ الصعوبة. أما اليوم، فقد باتت هناك مكتبات تحوي ملايين الكتب تتوافر للقارئ عبر الشبكة العنكبوتية.
... إنَّ خارطة الطريق للابتكار في بلادنا تبدأ بالتخطيط والإجابة عن تساؤل مفاده: "أين نريد أن نصل بشبابنا في عالم الابتكار؟"، والإجابة تفترض وَضْع خطط وبرامج للوصول إلى محطات أكثر تفاعلية مع العالم وتجاوز مرحلة التلقِّي السلبي. وينبغي أن تتضمَّن هذه الخطط ربطَ الابتكار بالاقتصاد والتصنيع، خاصة إذا علمنا أنَّ شركات البرمجة الأمريكية والآسيوية العملاقة -مثل: فيسبوك، وجوجل، وأمازون- بدأت بأفكار بسيطة تفتَّقت عنها أذهان شباب يافعين، واستطاعوا خلال خمسة عشر عاماً تكوين إمبراطوريات معلوماتية عالمية توظِّف مئات الألوف من الكوادر.
وبلادنا تزخر بالمواهب الشابة القادرة على المنافسة عالميًّا ورفع اسم عُمان عاليا في المنصات الدولية، إذا ما أُحسن استثمار قدراتها وطاقاتها، وهو استثمار سنجني ثماره في المستقبل من خلال مشاريع اقتصادية قادرة على إيجاد حلول علمية وعملية للكثير من التحديات التي تواجهنا. ويبقى مجال الطاقة الشمسية من المجالات الواعدة؛ كوننا بلاد الشمس المشرقة على مدار العام.
إنَّ تمكينَ الشباب من القضايا المهمة -خاصة في هذه المرحلة التي نحتاج فيها إلى أفكار غير تقليدية لمجابهة التحديات الاقتصادية- ولعلَّ احتفال السلطنة بيوم الشباب العُماني في هذه الفترة، مناسبة لتفعيل الأطر الرامية للارتقاء بالشباب وتعظيم دوره في البناء الوطني.
ولا شكَّ أنَّ وجودَ برامج وورش عمل في الابتكار -خاصة ضمن الإجازات الصيفية- أصبح ضرورة حتمية لتمكين شبابنا في الابتكار، بما يُمكن أن يُسهم في بزوغ شباب عُمانيين يقدِّمون حلولا ابتكارية في المجالات المختلفة، مُعتمدين في ذلك على كوامن وطاقات الإبداع وروح المبادرة الخلاقة.