المحاسبيَّة التعليميَّة

 

بدريَّة الهادي

أصبح التأكيد على الجودة في التعليم مطلبا أساسيا تنشده كثيرٌ من الدول العربية، لا سيما مع التقارير التي ترد من المنظمات العالمية والإقليمية بضعف وتدني مستوى التعليم في بعض هذه الدول، وخلو تصنيفات الجامعات العلمية المميزة من الجامعات العربية؛ لذا غدا هناك نوع من التنافس في السعي لتحسين وتطوير التعليم، إلا أنَّ ذلك السعي يبدو مفتقرا في كثير من تلك الدول إلى ما يساعد بشكل أو بآخر في الحصول على مستوى الجودة المطلوب، ويتمثَّل ذلك في غياب نظم المساءلة والمحاسبية التعليمية عن النظام التعليمي، على الرغم من أهمية المحاسبية التعليمية في تحقيق أهداف التطوير والتحسين والإجادة التعليمية.

والمحاسبية هي المساءلة وهي باختصار وصف الاتساق ما بين الأهداف المتفق عليها وبين درجة تحققها "فهل تم القيام بتحقيق الأهداف التي من الواجب القيام بها؟ وهل تم القيام بالعمل المطلوب؟ ولماذا كان كذا ولم يكن كذلك؟ ولماذا تم القيام بذلك في حال كان الفعل مخالفا لما هو مطابق للواقع أو مخالف له، أو مستنكر القيام به؟".

وليس مصطلح المحاسبية بمصطلح غريب عن العموم؛ فهو أقرب إلى الفكر العربي ومنه كلمة (حاسب-يحاسب) ومنه يوم الحساب؛ حيث يحدد للخلق طبيعة عملهم خير هو أم شر، وعليه ينالون جزاءهم، ومن أحسن أحسن لنفسه، ومن أساء فعليها.

والمحاسبية التعليمية يُقصد بها عملية إدارية يتم من خلالها متابعة قيام المعلم والطاقم المدرسي بأداء مهامهم ومسؤولياتهم الوظيفية، وما أسند إليهم من واجبات، وكيفية تفعيلهم لصلاحياتهم وما أوكل إليهم؛ من أجل ضمان نجاح العملية التربوية والتعليمية، وتحقيق أهداف التربية والتعليم، وزيادة الالتزام الوظيفي والإيجابية في العمل، والتقليل من السلبية والتكاسل في العمل، والتقليل من الممارسات السلبية، ومتابعة كيفية استخدام الصلاحيات والسلطات الموكلة إليهم؛ وذلك من خلال معايير محددة للحكم على الأداء، أو وفق مؤشرات تحدد نقاط القوة والضعف، وتدعم المسار الإيجابي، وتشخص السلبي منه مع إعطاء الدعم المناسب للحد منه.

والملاحظ من تعريفها أنها تسهم في تحقيق أهداف عدة؛ تتمثل في:

* النهوض بمستوى العملية التعليمية وتحسينها وتطويرها من خلال متابعة المعلمين والوقوف على مستوى أدائهم.

* مكأفاة المتميز من المعلمين والإداريين بما يدفعهم لبذل مزيد من الجهد المطور لأدائهم، ومعاقبة المقصر بما يدفعه لعلاج سبب تقصيره، وتحسين عمله بعدا عن العقاب وما يتبعه.

* زيادة المنافسة بين المعلمين وإدارات مدارسهم في أدائهم لعملهم، وبذلك يتطور المستوى التعليمي للمدارس.

* زيادة المستوى التحصيلي للطلاب، وارتفاع النتائج التعليمية.

* زيادة فعالية المخرجات التعليمية.

* زيادة ثقة المجتمع في المدرسة لوجود نظام يحاسب المقصر.

* ضمان الاستخدام الأمثل للموارد التعليمية.

ومع أهمية المحاسبية التعليمية -كما سبق- إلا أنَّ أكثر الدول العربية قد غيَّبتها من نظامها التعليمي، ولا يُعرف السبب الفعلي وراء ذلك، ومن المسؤول عنه؟ أهي السياسة التربوية التعليمية نفسها التي ترى عدم جاهزيتها لتطبيق المحاسبية، أم أعراف المجتمع التي ما اعتادت أن تحاسب المعلم علنا، أم أنَّ الأنظمة التعليمية العربية لا تزال قاصرة عن مثل هذا النظام المحفز للجودة في التعليم؟

... إنَّ التعليم في الدول العربية وحتى ينهض مستواه لا بد أن يتبنى المشاريع واللوائح والأنظمة المساعدة على النهوض بالمستوى التعليمي، وتحسين مخرجاته -والتي منها: المحاسبية التعليمية- فتعزيز من أدى وعمل واجتهد واجب، ومعاقبة من قصر ومساءلته ومحاسبته عن سبب تقصيره أيضا لا بد منه لضمان الوصول لتحقيق الأهداف المرجوة من التعليم.

تعليق عبر الفيس بوك