التصويت واجبٌ وطني

تتوجَّه جموعُ النَّاخبين العُمانيين، اليوم، نَحْو صناديق الاقتراع؛ لانتخاب مُمثليهم في مجلس الشورى في فترته الثامنة، في مشهدٍ ديمقراطيٍّ ينمُّ عن تأصيل دولة المؤسَّسات العصريَّة، التي أرْسَى دَعَائمها جلالة السلطان المعظم -أبقاه الله.

تتسابقُ خُطَى العُمانيين، اليوم؛ لحَسْم السِّباق الديمقراطي؛ باختيار 85 عضوًا من بين 590 مرشحاً -بينهم 20 امرأة- يتنافسون على الفوز بثقة أبناء عُمان لتمثيلهم تحت قبة المجلس.

ونحن نعيشُ أجواءَ هذا العُرس الديمقراطي، يتوجَّب علينا أن نَعِي مسؤوليَّاتنا الوطنيَّة الكفيلة بإنجاحه، وتحقيق مراميه وأهدافه المنشودة.

وتتجلَّى مسؤوليَّة الناخب -وهو يُدلي بصوته- في الاختيار الموضوعي، بعيداً عن المؤثِّرات القبليَّة، والولاءات الضيِّقة؛ فالولاء للوطن أولاً. وهنا، يتجسَّد مفهوم "صَوْتك أمانة"؛ فالأمانة تقتضي الاختيار الموضوعي للكفاءات المؤهَّلة والقادرة على المشاركة بفعاليَّة في تنمية الوطن، وتعزيز نهضته في كافة المجالات، بوعي وإدراك.

كما تستلزمُ الأمانة الصِّدق في الاختيار؛ باعتبار أنَّ اختيار الناخب هو الذي يُحدِّد نوعيَّة العضويَّة؛ فكلما كان الاختيار مبنيًّا على أُسس الكفاءة، تزايدتْ حُظوظ انتخاب مجلس قوي قادر على النهوض بمسؤوليَّاته الكبيرة، خاصة في هذه المرحلة الحسَّاسة التي تتطلَّب الكثيرَ من القدرات والعمل الجاد.

كلُّ هذا يتطلَّب مِنَّا -كناخبين- أن نختار بعناية، وأن نَضَع مَصْلحة الوطن فوق كل اعتبار. ولا شكَّ أنَّ من بَيْن المرشَّحين كفاءات وقدرات من النُّخب العُمانيَّة، وعلينا كناخبين مُمارسة حقِّنا الدِّيمقراطي، والإسهام في إيصال هذه الكفاءات المتعلِّمة الشابة إلى المجلس؛ كونها الأقدر على التفاعل الإيجابي مع تحدِّيات المرحلة.

وغَيْر بَعِيد عن حَصَافة الاختيار، فإنه يَنْبغي أنْ تَحْظى المرأة بدَعْم النَّاخب؛ لأنها أولاً نصفُ المجتمع، وثانيًا لأننا نحتاج إلى كفاءات نسائيَّة في المجلس لتعميق شراكة المرأة في اتخاذ القرار، خاصة في ظلِّ المستوى المتقدِّم الذي وصلتْ إليه المرأة العُمانيَّة تأهيلاً ووعيًا.

وثمَّة رسالة أخرى للمرشَّحين الذين سيفوزون في هذه الانتخابات، وهي أنهم بذلوا جَهْدهم للوصول إلى قبة المجلس -من خلال الدِّعاية والإعلان عن برامجهم الانتخابيَّة في مختلف وسائل الإعلام، وعبر اللقاءات المباشرة مع الناخبين؛ للتعريف بأفكارهم وخططهم، وهي حوارات اتَّسمتْ بالتفاعليَّة، وعكستْ جوانبَ مُشرِقَة من تفكير المرشحين- ويبقى الأمل في أن يسعوا إلى ترجمة هذه الأفكار بعد وصولهم إلى المجلس؛ باعتبارهم مَنْ تقع على عاتقهم الكثير من المسؤوليَّات في المرحلة المقبلة.

يُنتظر من الأعضاء الجُدد أن يرتقوا بالعمل البرلماني في الدورة المقبلة؛ ليكونوا على مستوى الطموح العُماني؛ وذلك من خلال تبنِّي نهجٍ راقٍ في الطَّرح والحوار، والإسهام في صناعة السياسة العُمانيَّة، واضعين مَصْلحة الوطن في المقام الأول.

والشاهد: أنَّ وُجود خبرات وكفاءات مُنتخبة تحت قبة البرلمان سيُشكِّل رافدًا حيويًّا للمشاركة الوطنيَّة البنَّاءة، في مرحلة تحتاج إلى التكاتف والتعاضد والاستفادة من الكفاءات العُمانيَّة في الشأن العام، وفي مواجهة التحدِّيات التي تُواجه العمل التنموي بشكل عام.

فالناخبُ مسؤولٌ عن اختيار الكفاءة والقدرات، والأعضاء الجُدُد مُطالبون بحفز الهمم والقيام بدورهم كاملا، والاستفادة من الصلاحيَّات التشريعيَّة والرقابيَّة، وتفعيلها بشكل أكثر فاعليَّة وحيويَّة.

وهنا.. ينبغي التذكير بالصلاحيَّات التشريعيَّة والرقابيَّة للمجلس التي صدرت بالمرسوم السلطاني رقم (99/2011)، والتي جاءتْ لتعزز العمل البرلماني ومشاركة المجلس في صناعة القرار الوطني. فأصبحت للمجلس صلاحيَّة استجواب الوزراء ومناقشتهم في أداء وزاراتهم -كما شهدنا خلال الفترة السابقة- والتي أعطتْ زخماً للحوار المجتمعي، وأضفت حيويَّة على أداء المجلس. كما أعطت المجلس صلاحيَّات دراسة مشروعات القوانين والاتفاقيَّات المختلفة وإبداء الرأي حولها، إضافة إلى حقِّ اقتراح مشروعات قوانين للحكومة، والمشاركة في الخطط الخمسيَّة والموازنة العامة للدولة. كلُّ هذه الصلاحيَّات الرقابيَّة والتشريعيَّة تحتاج إلى كفاءات مُؤهَّلة من الأعضاء ليكونوا قادرين على تفعيلها والاستفادة منها؛ ليرتقي دور المجلس، ويتكامل مع بقيَّة المنظومة المؤسساتيَّة من سلطات تنفيذيَّة وقضائيَّة؛ تعزيزًا لدولة المؤسَّسات والقانون.

تعليق عبر الفيس بوك