الأسرة والمدرسة وجهان لعملة التربية

خلفان العاصمي

يشهد العالم ومنذ بداية الألفية الثالثة تغيرات جذرية سريعة طالت شتى مناحي الحياة، مما أدى إلى إحداث تغير متسارع في النظم والمعايير بالمؤسسات الاجتماعية والتربوية، وأصبحنا في عصر ما يطلق عليه بعصر العولمة وأدواتها الكثيرة من وسائل إعلام مسموعة ومرئية ومقروءة، وشبكة الإنترنت وما بها من وسائط ومواقع وتطبيقات وغيرها من الوسائل التي دخلت في كل منزل وعلى كل أسرة، كل ذلك أدى لتغيرات سريعة ومحسوسة في الجوانب الاجتماعية والثقافية، مما انعكس على القيم التربوية للأبناء داخل الأسرة، واستوجب ضرورة أن يكون هناك تقارب وتكامل بين الأسرة والمدرسة والمجتمع أكثر من ذي قبل، وإزالة الفجوة بين هذه المؤسسات التربوية جميعها من أجل حماية الأبناء من أي تأثير سلبي قد ينتج عن ذلك، لذا فإنّ العلاقة بين البيت والمدرسة تعتبر هي البداية نحو تحقيق ذلك الهدف، فلابد من الترابط والتكامل فيما بينهما، ونلاحظ جميعنا أنّ رسالة الأسرة التربوية أصبحت أمام تحدٍ عنيف، يتطلب المزيد من الرقابة والمتابعة للأبناء داخل الأسرة وبعد دخولهم للمدرسة والاستمرار في المتابعة الدقيقة لهم حتى تتكامل رسالة الأسرة المدرسية في التربية، لنضمن التربية الصحيحة والسوية لهم، مما سيطور العلاقة بين المعلم والمتعلم ويحقق أهداف ورسالة المدرسة التربوية والتعليمية.

إنّ توعية الأسرة للمتعلم بأهمية المدرسة ورسالتها تدفع المتعلم لاحترام المدرسة والمُعلم، بالتالي تتحقق القيم التربوية المنشودة داخل المدرسة، لذلك فإنّ الترابط والتكامل بين الأسرة والمدرسة من الأمور الأساسية والمهمة في التربية، مع أن الواقع يشير إلى وجود مشكلة حقيقية تتمثل في ضعف العلاقة بين البيت والمدرسة، مما يؤثر سلبا في العملية التعليمية والتربوية بالمدرسة ويضعف العلاقة بين المعلم والمتعلم، خاصة في الصفوف الدراسية الأولى وهي مرحلة تعليمية حرجة وتعتبر الأحوج لذلك لصغر عمر التلميذ فيها. ويرى علماء التربية والتعليم أن ضعف العلاقة بين البيت والمدرسة لا يحقق أهداف المدرسة التعليمية وبرامجها التربوية بل يصبح في غياب هذه العلاقة المنهج تقليديا، علماً بأن من مميزات المنهج الحديث تفعيل هذه العلاقة، كذلك ضعف العلاقة يؤدي الى بعد المؤسستين التربويتين عن بعضهما، حيث لا يعلم أولياء أمور التلاميذ عن سلوك أبنائهم ومشكلاتهم النفسية والتحصيلية داخل المدرسة، ومن الضروري التعاون الكامل بين البيت والمدرسة حتى لا يحدث تناقض في رسالة المؤسستين التربويتين، مما يترتب على ذلك التفكك في شخصية المتعلم ومن ثم فقدان الثقة في المدرسة والأسرة معا، فالترابط والتكامل والعلاقة الحميدة والقوية بين المدرسة والأسرة تدفع بالمتعلم لأن يحترم المدرسة، ثم تصبح علاقة التلميذ قوية مع إدارة المدرسة والمعلمين وأقرانه التلاميذ وبالتالي يستطيع المعلم بنجاح القيام برسالته التربوية والتعليمية للمتعلم، مما يثمر عن علاقة قوية بين المعلم والمتعلم.

ومن مظاهر التعاون بين المدرسة والأسرة أن تحترم الأسرة النظم واللوائح المدرسية والتعليمات، كذلك يجب التعاون بين المؤسستين في تبادل المعلومات الكاملة لكل الجوانب الخاصة بالتلميذ، حتى تكون المدرسة هي استمرار للبيت، والمنزل هو مكمل للمدرسة، ومن صور التعاون بين البيت المدرسة أن تحترم المدرسة المنزل وتسعى لتوطيد العلاقة معه، وتنصح أولياء الأمور بالحضور في أي وقت لزيارة المدرسة لمتابعة أبنائهم أو بالاتصال المباشر بالهاتف، ومن مظاهر العلاقة بين البيت والمدرسة المهمة، تكوين مجالس الآباء والمعلمين ومجالس الأمهات والمعلمات والعمل على نجاحها وتحقيق اهدافها من الطرفين لأنّها تمثل قنوات اتصال حقيقي يدعم العلاقة ما بين البيت والمدرسة، وأرى هنا أن للمدرسة الأثر الأكبر في نجاح مجالس الآباء أكثر من البيت، ورغم ضرورة تكامل وتعاون المدرسة والأسرة، إلا أن هناك نقاط اختلاف بين التربية والأسرة والتربية والمدرسة من أهمها السيطرة، حيث إن سيطرة الوالدين على أبنائهما والتأثير عليهم أكبر من سيطرة المدرسة عليهم، لذلك كثيرا ما تلجأ المدرسة عند الأخطاء الكبيرة للمتعلم بالاتصال بالأسرة بعد فشل وسائل الإصلاح الأخرى، كذلك المعاملة المدرسية والأسرية، حيث إنّ المدرسة أساسها العدل والمساواة بين جميع التلاميذ في الثواب والعقاب، أما الآباء فأحياناً قد تضطرهم الشفقة والعاطفة الأبوية إلى التغاضي عن بعض الأخطاء.

تعليق عبر الفيس بوك