استخدامات الطاقة المتجددة بالسلطنة.. النظرية في مواجهة التطبيق

إعداد- خالد بن محمد المسني*

تتبادر للأذهان مجموعة من الأسئلة عند سماع مصطلح الطاقة المتجددة أو الطاقة النظيفة فكل هذه المصطلحات تصب في هدف واحد وهو تمكين الكائن البشري من الاستمرار بالعيش على هذا الكوكب دون الإخلال بتوازنه مع المحافظة على نمط الحياة المتسارع وربما يبدو هذا الهدف سهل المنال في وقتنا الحاضر ولكن مع استمرار استنزاف البشرية لموارد الطاقة وبوتيرة متسارعة في الأنشطة المعيشية المختلفة مخلفةً وراءها أضراراً بيئية جمة تتمثل في المياه الملوثة والمخلفات الضارة الناتجة عن تلك الأنشطة والأهم والأخطر الغازات والانبعاثات الصادرة عن مولدات الطاقة والمصانع والآليات التي تستخدم في الأنشطة الإنتاجية والمعيشية ، في هذه الحالة يشوب مستقبل هذا الكوكب نوع من الغموض حول مدى إمكانية وفاء موارده القابلة للنضوب بالاحتياجات المستقبلية لساكنيه.

لحسن الحظ لا يزال هنالك متسع من الوقت لتعديل الوضع البيئي للأرض ولم تفت الفرصة بعد حيث أوجدت الطفرة العلمية التي واكبت النمو الاقتصادي الصناعي بدائل عديدة أكثر أمناً وأقل ضرراً على البيئة وتبرز الإشكالية في تأسيسية شاملة للتمكن من الاستفادة منها بشكل فاعل تتمثل بدورة الطاقة منذ توليدها مروراً بسبل تخزينها وتوظيف هذه البدائل في مدى تبني الاقتصاديات لهذه البدائل التي تعتبر أكثر كلفة في الوقت الراهن كما تتطلب بنية ونقلها للجهات المستفيدة وصولاً إلى آليات استهلاكها ولكن بحكم أن هذه التقنية لا تزال حديثة العهد ولم تنل قدراً كافيا من الاهتمام، الأمر الذي أدى إلى تدني حجم الميزانيات المخصص لتطبيقها أو لإجراء البحوث والدراسات اللازمة لتطوير هذه التقنية لتصبح أكثر فاعلية وذات جدوى اقتصادية.

تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج العربي تحديدا بكافة المقومات التي تجعل من الطاقة الشمسية إحدى أهم الموارد التي يمكن استغلالها بشكل مجدٍ بالإضافة إلى تطوير ورفع كفاءة التقنيات والآليات المستخدمة في مجال الطاقة الشمسية.

باستطاعتنا في السلطنة الاستفادة من الكلفة المتدنية للطاقة لتجميع معظم المعدات والأجهزة المستخدمة في تقنية الطاقة الشمسية ابتداءً من ألواح الطاقة الشمسية مروراً بمعالجات المياه وانتهاءً بألواح التحكم وبطاريات الشحن حيث إنّ تجميع معظم هذه المعدات لا يتطلب تقنيات عالية والذي بدوره سيساعد في تخفيض كلفة استخدام تقنية الطاقة الشمسية مما سيساهم في رفع الجدوى الاقتصادية لهذه التقنية الأمر الذي سيشجع الجهاة العالمية المصنعة لمثل هذه المعدات والتقنيات للدخول في شراكات إستراتيجية ستمكن السلطنة من تأهيل الكوادر المحلية لإدارة وتشغيل هذه المنشآت والمنتجات التي تقوم بتصنيعها كما يمكن لهذه المبادرة أن تملك حصصا في الشركات العالمية المطورة لهذه التقنيات بحيث تكون الفائدة مزدوجة.

تلي مرحلة تجميع معدات الطاقة الشمسية محلياً أو توفيرها من خلال الشركاء الاستراتيجيين مرحلة مهمة جدا وهي الاستفادة القصوى من تقنية الطاقة الشمسية التي لا تتأتى إلا من خلال توظيف هذه التقنية في الأنشطة القائمة بواسطة حلول مبتكرة تضمن استمرار التمويل الذاتي لهذه المشاريع حيث إن عنصر نجاح هذه المبادرة مرتبط بمدى جدية الإرادة السياسية لتبني الإجراءات التي من شأنها جعل تلك الحلول ذات جدوى اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد. ومن هذا المنطلق نرى أهمية دعم هذه المبادرة من خلال تأسيس شركة تعنى بتبني راية وأبعاد هذه المبادرة.

تأسيس شركة مساهمة تحت مسمى الشركة العمانية للطاقة المتجددة

الفكرة تتمثل في أن تقوم حكومة السلطنة بتأسيس شركة مساهمة مقفلة بهدف توظيف تقنيات تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية في مجموعة مختارة من الأنشطة والمنشآت القائمة على أن يتم لاحقاً تحويل هذه الشركة إلى شركة مساهمة عامة من خلال طرح أولي يمثل 30% من رأسمال الشركة للمواطنين بحيث يسمح لهم ببيع جزء من الأسهم التي سيحصلون عليها بعد الاكتتاب في السوق الثانوية لكافة شرائح المستثمرين بالإضافة إلى ذلك تخصص الحكومة 10% من رأس مال الشركة لوزارة التنمية الاجتماعية وتحديداً لقطاع الرعاية الاجتماعية.

هنا بإمكان الحكومة تمويل حصتها في هذا المشروع من خلال إصدار سندات طويلة الأجل محلياً ودولياً وبمعدلات فائدة متدنية بالإضافة إلى قروض طويلة الأجل من المؤسسات المصرفية المحلية والإقليمية والعالمية.

أنشطة الشركة

تمارس هذه الشركة الأنشطة ذات العلاقة باستخدامات الطاقة المتجددة مبدئياً في السلطنة لتتوسع لاحقاً وتشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما تدخل في شراكات استراتيجية وفي نطاق محدود مع مبادرات مشابهة في كافة أرجاء العالم. بالإضافة إلى ذلك ستقوم هذه المؤسسة بتملك جزئي في الشركات المطورة لتقنيات الطاقة المتجددة وذلك بعد إجراء دراسات الجدوى اللازمة واستكشاف الفرص والتحديات المرتبطة بهذا الاستثمار واحتمالية توظيف تقنيات تلك الشركات في مشاريع وأنشطة الشركة.

ستقوم حكومة السلطنة بدعم أنشطة الشركة من خلال مجموعة من التشريعات التي ستوفر البيئة المناسبة لأعمال وأنشطة الشركة ومن بين تلك التشريعات بعض الامتيازات المتعلقة بأنشطة شركات الطاقة من خلال تخصيص نسبة من تكاليف الطاقة للمنشآت والأنشطة التي يتم تبنيها من قبل هذه المبادرة حيث سيتركز محور أنشطة هذه الشركة في توفير الحلول التكاملية للطاقة.

الحلول التكاملية للطاقة

المقصود بالحلول التكاملية للطاقة هو توظيف تقنيات الطاقة المتجددة في بعض الأنشطة والممارسات من خلال مجموعة من المنتجات التي تساهم في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري حيث تتمتع بعض الأنشطة بقابلية عالية للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بالإضافة إلى توفير دخل ثابت يساهم في استدامة استخدام هذه التقنية بكفاءة وفاعلية عاليتين وتوسيع نطاقها لتشمل أنشطة أخرى ذات جدوى اقتصادية أقل.

1)المنتجات التجارية (محطات الوقود ، مواقف السيارات ، مجمعات سكنية للعمال، منشآت تجارية (مصابغ)): ستقوم هذه المنتجات بتوفير جزء من الطاقة والمياه التي تستهلكها هذه المنشآت من خلال تركيب ألواح خلايا الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء اللازمة لأنشطة هذه المنشآت ولتنقية المياه للاستخدامات غير الآدمية وتكمن الجدوى الاقتصادية لهذا المنتج في الآتي:

· تشغل معظم المنشآت المذكورة أعلاه مساحات مناسبة وكافية لإنتاج الطاقة من خلايا الطاقة الشمسية.

· معدلات استهلاك هذه المنشآت تعتبر متدنية مقارنة بأنشطة تجارية أخرى.

· طبيعة العائد الذي يتم الحصول عليه من الخدمات التي تقدمها المنشآت أعلاه.

2)المنتجات السكنية (استهلاك الكهرباء، تنقية المياه للاستخدامات غير الآدمية ).

وتشمل منتجات تقوم بتوفير استهلاك الكهرباء والمياه في المساكن من خلال تطبيقات التبريد وإعادة تدوير وتنقية المياه للاستخدامات غير الآدمية. حيث بالإمكان تطوير تطبيقات تساهم في توفير خدمة التبريد من دون استنزاف الطاقة وذلك من خلال تقنيات مبتكرة تناسب الاستخدامات المنزلية كما بالإمكان إعادة تدوير وتنقية المياه المستخدمة في المنازل لإعادة استخدامها في المراحيض وري المزروعات واية استخدامات أخرى غير آدمية كما يتم تشجيع المؤسسات والشركات على تبني هذه التطبيقات في المرافق التابعة لها. وستساهم هذه التطبيقات في توفير الطاقة والمياه المستخدمة في المساكن.

سيتم تبني هذا المنتج من خلال توفيره في الأسواق بأسعار تنافسية وذلك من خلال محورين مهمين:

- دعم المنتج من خلال فرض تعرفة شهرية على مشتركي خدمات الكهرباء والمياه

- توفير التطبيقات المنزلية الخاصة بالتبريد وتنقية المياه بواسطة التمويل طويل الأمد بحيث يقوم الزبون الراغب بالحصول على هذه التطبيقات بدفع مبلغ مقدم وتقسيط المبلغ المتبقي على فترات تصل إلى 10 سنوات من خلال منتجات تمويلية تطرحها المؤسسات المالية.

3)المنتجات المرتبطة بالبنية الأساسية (المترو، مرافق عامة (الملاعب الرياضية، المدارس، الأسواق)).

تمتاز معظم هذه المرافق بمساحات جيدة تعطي المجال لتزويد احتياجات هذه المرافق من الطاقة من خلال ألواح الطاقة الشمسية التي من المتوقع أن تمثل جزءًا كبيراً من التكلفة الإجمالية لهذه المنتجات حيث يمكن تغطية هذه التكلفة من خلال إضافة تعرفة رمزية على كافة الخدمات التي تقدم في هذه المرافق مثل التذاكر والأطعمة والمشروبات ومواقف المركبات بالإضافة إلى الحصول على امتيازات تؤمن دخلاً مناسباً لتغطية كلفة هذه المنتجات وتحقيق عائد مجزٍ.

كما سيستدعي الأمر تخصيص جزء من الموازنة المخصصة لتشغيل وإدارة هذه المرافق لدعم هذه المبادرة دون التأثير على عملية تشغييل تلك المرافق.

4)فرض تعرفة تضاف إلى رسوم التجديد السنوي للمركبات.

5)محطات لإنتاج وقود الميثانول باستخدام الطاقة المتجددة

وهي تقنية جديده تم الكشف عنها مؤخراً في أحد المعارض الدولية للطاقة الخضراء حيث يخدم هذا النوع من الوقود ما يربو على 14 مليون مركبة حول العالم ودفع الاهتمام المتزايد بهذا النوع من الوقود مصنعي المركبات للتوجه لهذا السوق الواعد من خلال تصنيع نماذج مبدئية لمركبات تعمل بواسطة وقود الميثانول بحيث يتم تطويرها لتصبح قابلة للتسويق في كافة أنحاء العالم.

بالإضافة إلى الدخل المباشر من الأنشطة أعلاه من المتوقع تحصيل دخول بشكل غير مباشر من خلال الاستفادة من معاهدة تبادل معدلات الانبعاثات بين دول العالم حيث تم اشتراط مستوى للانبعاثات لكل دولة مع السماح لأيّ دولة بتجاوز تلك المستويات إذا استدعت الأنشطة التي تقوم بها من خلال شراء المستويات غير المستغلة لدول أخرى أو شراء كميات الانبعاثات التي تحد منها المبادرات الخضراء كما يُمكن التنسيق مع الجهات الرسمية في السلطنة لتخصيص نسبة من قيمة بيع الطاقة والمياه والخدمات المحصلة من المستهلكين لدعم هذه المبادرة بالإضافة إلي إعطاء بعض الامتيازات مثل تراخيص إنشاء محطات الوقود وغيرها.

ستشمل المبادرة جوانب أخرى مثل جانب البحث والتطوير والذي يتضمن الإعداد المهني والأكاديمي من خلال منح سنوية توزع على المواطنين. كما سيترافق إطلاق هذه المبادرة حملة إعلامية توعوية تشمل جميع القطاعات وتستهدف كافة شرائح المجتمع لتوعيتهم حول أهداف وأهمية هذا المشروع الحيوي وسبل الاستفاده من تطبيق مُعطيات هذا المشروع وسبل الحد من التأثير المتوقع لتطبيق هذا المشروع على الموازنة الفردية (ترشيد الاستهلاك، استخدام وسائل النقل العام، القيادة بتأنٍ، الاستفادة من الخيارات الذكية في مجال ترشيد الطاقة واستهلاك الوقود).

ستقوم هذه المبادرة بدعم المبادرات والمشاريع ذات الطابع الصديق للبيئة مثل برامج إعادة التدوير والاستخدام كإعادة تدوير المنتجات الورقية والبلاستيك والأخشاب لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الصديقة للبيئة مثل منتجات الخشب الصناعي والبلاستيك في المرافق العامة.

** باحث في مجال الطاقة المتجددة

تعليق عبر الفيس بوك