6 أوراق عمل تسلط الضوء على آليات وتشريعات لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر.. والخبراء يحذرون من مخاطر العولمة على الأخلاق

الأولى من نوعها تناقش جهود السلطنة في منع الجريمة والتوعية بجوانبها

وكيل "العدل": السلطنة قطعت أشواطا متقدمة في طريق مكافحة الاتجار بالبشر

الجهوري: "الاتجار بالبشر" تتخذ مفهوما أوسع من الجريمة التقليدية

العقيد البادي: الاتجار بالبشر من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية

نزوى- سعيد الهنائي

انطلقت أمس ندوة التشريعات والإجراءات المُتخذة لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وذلك تحت رعاية معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بحضور معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي وزير العدل وعدد من أصحاب السعادة والفضيلة وأعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار والمدعوين.

وتهدف الندوة- التي عقدت في المعهد العالي للقضاء بولاية نزوى وتعد الأولى من نوعها- إلى تعزيز الجهود المبذولة في منع وقمع ومكافحة جريمة الاتجار بالبشر والوقوف على التشريعات والإجراءات المتخذة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر ومعرفة مدى الحاجة إلى إجراء أية تعديلات أوإضافات عليها إلى جانب التوعية بمخاطر جريمة الاتجار بالبشر والتعريف بجهود وزارة العدل واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والجهات المختصة الأخرى في مجال مكافحة جريمة الاتجار بالبشر.

أشواط متقدمة

وبدأت الندوة بكلمة الوزارة ألقاها سعادة عيسى بن حمد العزري وكيل وزارة العدل، قال فيها: "نود باسم معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي وزير العدل أن نرحب بكم في مستهل هذه الندوة المباركة التي يُصادف تنظيمها الاحتفاء بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، ونأمل من خلال هذه الندوة أن نبرز بعضًا من الجهود المبذولة على المستوى الوطني في السلطنة لمكافحة الاتجار بالبشر، والتينعتبر بحمد الله أنها جهود ناجحة وموفقة". وأضاف أنالسلطنة قطعت أشواطامتقدمةً في ترجمة أهداف خطة مكافحة الاتجار بالبشر التي وضعتها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، استنادًالنص المادة 22 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 126/ 2008، واستطاعت أن تحول تلك الأهداف إلى واقع ملموس وفي زمن قياسي قصير، غير أنّه أشار إلى أنّ الحاجة تبدوماسة لبذل المزيد من الجهود، حتى تتمكن من التصدي لمثل هذه الجرائم، خاصة وأن الأمر يتطلب مزيدا من التعاونالإقليمي والدولي. وأضاف سعادته أنّهرغم أن صور هذه الجريمة لا تظهر في السلطنة بفضل الله عز وجل وبفضل القناعة لدى أبنائها بأن جريمة الاتجار بالبشر تمثل سلوكاً يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية ويخالف الأخلاق والأعراف العمانية التي تتسم بحسن الخلق وحسن التعامل من قبل العمانيين مع بعضهم البعض ومع الآخر سواء كان زائراً أومقيماً أوعاملاً أوسائحاً،إلا أن السلطنة أولت هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فقد التزمت بالانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكول الملحق بها بالمرسوم السلطاني رقم (37/2005)كما عكست القوانين الداخلية للسلطنة التزام السلطنة بما ورد في القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية في هذا الجانب.

وتابع أن وزارة العدل في السلطنة تعمل مع قريناتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية على وضع إطار تنظيمي وتشريعي لمكافحة الاتجار بالبشر، فقد عمل ممثلوالوزارة على الاشتراك في صياغة وثيقة أبوظبي للقانون الموحد لمكافحة الاتجار بالأشخاص في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي اعتمد من قبل المجلس الأعلى في دورته السابعة والعشرين بالرياضفي ديسمبر 2006 كقانون استرشادي لمدة أربع سنوات ثم قرر المجلس الأعلى في قمة أبوظبي في ديسبر 2010 تمديد العمل بالوثيقة بصيغتها الجديدة كقانون استرشادي لمدة أربع سنوات، تتجدد تلقائيا في حال عدم ورود ملاحظات عليها من الدول الأعضاء.

أوراق العمل

وتناولت الندوة ست أوراق حيث جاءت الورقة الأولى التي قدمها النقيب محمد بن شهدات البلوشي رئيس قسم الشؤون القانونية والفنية بالإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية بعنوان:"البحث والتحري وجمع الاستدلالات في قضية الاتجار بالبشر". وتناولت مراحل الجريمة وعناصرها، وقد ركّزت على جريمة الاتجار بالبشر كونها كريمة دولية عابرة للحدود الوطنية، وهي جريمة مدرّة للأموال، وكونها من الجرائم المعقدة فإنّ مأموري الضبط القضائي يلاقون صعوبات بالغة في اكتشاف هذه القضية كون أن محور الجريمة هوالإنسان وأن الضحية الواقعة تحت طائلة الاستغلال لا تبادر بإبلاغ السلطات لوجود آليات سيطرة عليها.

وقدم الورقة الثانية ناصر بن عبد الله الريامي مساعد المدعي العام بعنوان: "التحقيق والتجريم في قضايا الاتجار بالبشر". وتناولت الدور الحيوي الذي يضطلع به الادعاء العام في التصدي لمجمل الجرائم المندرجة تحت مُسمى الاتجار بالبشر؛ ذلك لأنّالاتجار بالبشر ليست جريمة واحدة، وإنما مجموعة منها؛ وحق على العاملين في منظومة العدالة الجزائية، على أقل التقديرات أن يسمونها "جرائم الاتجار بالبشر". وسلطت الورقة الضوء على دور الادعاء العام في التصدي للاتجار بالبشر وأهم الأدوار التي يضطلع بها الادعاء العام، في خصوصية جرائم الاتجار بالبشر، في مراحل الدعوى العمومية"الاستدلال مرورًا بالتحقيق وانتهاءً بالمحاكمة"، وذلك في ثلاثةِ مباحثٍ متفرقة، وعرجت كذلك على الشكل القديم للاتجار بالبشر، المتمثل في ذلك النظام الاقتصادي البائد، أويفترض أن يكون كذلك الذي قام على الرق، واستخدام الرقيق في أعمالٍ شاقة، دون أن يدفع لهم أجرًا، بحجة أن رب العمل يتكفل بتأمين المأكل والمشرب والملبس والمأوى مشيرًا إلى أنّ مخلفات هذا النظام لا تزال تشاهد لدى بعض ضعاف النفوس.

رعاية الضحايا

وتناولت الورقة الثالثة "دور وجهود وزارة التنمية الاجتماعية في مجال حماية ورعاية ضحية الاتجار بالبشر"، وقدمها قاسم بن زهران بن ماجد العمري رئيس قسم آليات الحماية بدائرة الحماية الأسرية. وهدفتالورقة بشكل رئيس إلى عرض وإيضاح دور وزارة التنمية الاجتماعية في حماية وتأهيل ضحايا الاتجار بالبشر بالسلطنة. وقال العمري إن هذا الدور يتكامل في مضمونه وأهدافه مع كافة الجهود الأمنية والقانونية في مكافحة آفة الاتجار بالبشر؛حيث تتمثل جهود الحماية هذه في الحماية القانونية وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية التي تقوم بها الوزارة بواسطة المختصين القانونيين بها، والتي تضمن حماية الضحايا والحماية الاجتماعية، من خلال مجموعة من الآليات والأنشطة المترابطة والهادفة التي تركز على تحرير الضحايا من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية نتيجة لوقوعهم في براثن الجريمة،والحماية الأمنية المتمثلة في الإجراءات التي تضمن السلامة البدنية والنفسية للضحايا،والتأهيل المتمثل في مجموعة من البرامج الطبية والنفسية والاجتماعية التي تقدم للضحايا، والتعليم والتدريب من خلال مجموعة البرامج التعليمية والتدريبية التي تقدم للضحايا وفقا لمقدرتهم واحتياجاتهم، والتوعية والتثقيف بهدف تعميق الوعي والثقافة المجتمعية بأسباب وأبعاد وخطورة ظاهرة الاتجار بالبشر وسبل مكافحتها واستعرضت الورقة في نهاية مطافها مجموعة من الإحصاءات بعدد الحالات التي استقبلتها دار الوفاق خلال الأعوام 2013/2014/2015.

وقدم الدكتور حمدي محمد محمود أستاذ القانون الجنائي المشارك بالمعهد العالي للقضاء الورقة الرابعة وتناولت "أثر المعاهدات والاتفاقيات الدولية على التشريعات الجزائية العمانية المتعلقة بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر"، أشار فيها إلىأن المجتمع الحديث شهد تطوراً في مجال الجرائم بصفة عامة وطريقة تنفيذها، مما انعكس على جرائم الاتجار بالبشر وأدى إلى أن أصبحت تلك الجرائم تمارس بشكل يهدف للاستغلال وتحقيق الربح مما يصدق عليه القول أنه أصبح اتجاراً بالبشر.وأضاف أن آثار هذه الجريمة تفاقمت على المستويين العالمي والمحلي تفاقماً خطيراً لتوافر كافة المقومات اللازمة لانتشارها في ضوء العولمة التي سهلت انتقال الأشخاص والأموال، فضلاً عن تدني الأخلاق بالسعي على الحصول على مكاسب سريعة من خلال الاستغلال غير المشروع للأشخاص وبخاصة الأطفال والنساء.

أما الورقة الخامسة التي قدمها الدكتور ناصر بن سيف بن ناصر الشامسي مستشار الوزير للشؤون القانونية بوزارة القوى العاملة فتناولت حقوق الإنسان، مفهومها، وخصائصها، وتصنيفها، ومصادرها كما تطرقت إلى إنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في سلطنة عُمان واختصاصاتها المنوط بها وآليات عملها والاتفاقيات الدولية المنضمة لها السلطنة المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك مفهوم الاتجار بالبشر وفقاً لأحكام قانونمكافحة الاتجار بالبشر رقم (136/2008) والتعاون المشترك بين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر للقضاء على الجريمة.

أنماط مختلفة

واختتمت الندوة بالورقة السادسة التي جاءت بعنوان: "دور وزارة العدل في جهود سلطنة عمان الرامية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر"، وقدمها الدكتور إبراهيم بن يحيى بن حمدان العبري مدير عام مساعد المديرية العامة للأعمال القانونية والتعاون الدولي تناول فيها تنسيق وتعاون وزارة العدل وفي عمل متكامل مع جهات الاختصاص في الدولة.

من جانبه، قال فضيلة القاضي الدكتور حمد بن خميس الجهوري رئيس الإدارةالعامة للمحاكم بمجلس الشؤون الإدارية للقضاء إن جريمة الاتجار بالبشر المعاصرة تتخذ مفهوماًأوسع عن تلك الجريمة التقليدية المعروفة، حيث إنها تتجلى في أنماط مختلفة ولها ضحايا كثر على امتداد المعمورة. وأضاف أن فهم هذه الجريمة الحديثة لم يتجذر بعد في الوجدان الإنساني؛ إذ يوجد من يعتبر أن بعض تلك الأنماط لا تشكل جريمة وإنما هي ممارسات عادية مقبولة من وجهة نظره، بينما لا يستسيغها الذوق الإنساني المتحضر ولذلك فإن من شأن مثل هذه الندوة أن تسلط الضوء على كُنة هذه الجريمة وأن تعرف بها.

وقال العميد راشد بن سالم البادي مدير عام التحريات والتحقيقات الجنائيةإن جريمة الاتجار بالبشر تعد من الجرائم الماسة بكرامة الإنسان؛ حيث تسلب منه آدميته وتحوله إلى سلعة تباع وتشترى، وكون أن محل الجريمة هوالإنسان فإن الإرادة الدولية اتجهت إلى اتخاذ إجراءات حازمة للتصدي لها خلال إبرام اتفاقيات دولية يتم من خلالها ضبط الجريمة، لاسيما وأنها من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية. وتابع أنّ الاتفاقات الدولية أفردت لهذه الجريمة بروتوكولاً خاصاً وهو "بروتوكول قمع ومكافحة الاتجار بالبشر وخاصة النساء والأطفال"، وعلى المستوى الوطني فقد أصدرت قانوناً لمكافحة الاتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (126/2008)، وبموجبه أنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والتي تقوم بدور فعال من حيث تنسيق جهود جميع الجهات ذات العلاقة. وأكد أن شرطة عمان السلطانية ماضية في التعامل مع قضايا الاتجار بالبشر بكل حزم وتركز حالياً في مسألة بناء قدرات مأموري الضبط القضائي بشأن التعامل مع تلك الجريمة كونها تتسم بالتعقيد، وتتطلب مهارات ومعرفة تامة بأركانها ومؤشراتها وأن عقد مثل تلك الندوات يساهم في إثراء المعرفة وبيان أفضل السبل في مكافحة تلك الجريمة إضافةً إلى تنسيق الجهود بشأن برامج التوعية والتعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر.

تعليق عبر الفيس بوك