"صندوق النقد": احتمالية نجاح الإصلاحات الضريبية تزيد خلال فترات الأزمات

طرح العدالة الضريبية في الشرق الأوسط للمناقشة

هيمنة الإيرادات النفطية على بعض البلدان تخنق إمكانية ظهور أدوات ضريبية بديلة

التعامل مع منظومة المصالح الخاصة أبرز التحديات

التواصل الفعال وإشراك المعنيين في القرار مهم لكسب التأييد

البديل هو الاستمرار في التمويل بالعجز وزيادة العبء على الأجيال القادمة

"قد يكون هذا هو الوقت المناسب للمضي قدمًا في إصلاحات العدالة الضريبية، بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، فإن انخفاض أسعار النفط قد يسبب ضغوطا جديدة، ومطالب سياسية مصاحبة لتعبئة الإيرادات غير الهيدروكربونية. وفي الواقع، فإنّ احتمالية نجاح الإصلاحات الضريبية تزيد خلال فترات الأزمات، وذلك على غرار ما حدث في أمريكا اللاتينية خلال التسعينيات من القرن العشرين فيما يتعلق بفترات التضخم "

هذا ما أكد عليه خبراء صندوق النقد الدولي في مذكرة طرحها صندوق النقد للمناقشة جمعت خلاصة آراء هؤلاء الخبراء، وحملت عنوان "العدالة الضريبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وفتحت المذكرة زاوية للنظر إلى الضرائب تبرز منها دور الضرائب في تحقيق العدالة حيث تذكر أنه لا يمكن لمجتمع أكثر عدالة أن يتحقق من خلال السياسة الاقتصادية وحدها، ولكن السياسة المالية العامة المصممة تصميما جيدا لا غنى عنها، فالإيرادات، سواء من الضرائب أو الموارد الطبيعية، يمكن استخدامها لدعم النمو وتحسين توزيع الثروة والرفاهة من خلال الإنفاق مثلا على البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، ويمكن للضرائب وهي محور التقاء حيوي بين الدولة والمواطن أن تضطلع أيضاً بدور مهم، بما في ذلك في البلدان التي تعتمد بصفة رئيسية على إيرادات السلع الأساسية.

الرؤية - نجلاء عبد العال

وتبحث هذه الدراسة في كيفية تحسين النظم الضريبية لتلبية المطالب التي تدعو إلى زيادة العدالة الاقتصادية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكانت مشورة الصندوق بشأن السياسات في السنوات الأخيرة قد تركزت على إصلاحات الإنفاق، كالتركيز مثلا على كيفية مساهمة إصلاحات دعم الطاقة في توليد الموارد اللازمة للإنفاق الداعم للفقراء، لكن السياسة الضريبية يمكنها القيام بدور مهم في تحقيق العدالة، وذلك بتحديد كيفية توزيع الأعباء الضريبية، ومقدار ما يتم تعبئته من الإيرادات الضريبية، وكيفية تطبيق النظام الضريبي في الواقع العملي.

وتضمنت هذه الدراسة تحليلات وتوصيات مصممة خصيصا لمجموعتين مختلفتين من البلدان: بلدان ذات نظم ضريبية راسخة غير قائمة على الهيدروكربونات (معظمها من البلدان المستوردة للنفط)، وبلدان ذات نظم ضريبية قائمة بصفة أساسية على الإيرادات الهيدروكربونية (معظمها من البلدان المصدرة للنفط)، وفيما يخص تلك الأخيرة -والتي تنتمي إليها سلطنة عمان- فإن المذكرة تشير إلى أن هيمنة الإيرادات النفطية أدت إلى خنق الفرص الممكنة لظهور أدوات ضريبية بديلة؛ حيث تتسم ضرائب الدخل الشخصي بندرتها، ولا يتم تطبيقها، حال وجودها، إلا على الأجانب. أما ضرائب القيمة المضافة فهي غير موجودة في معظم الأحوال. وتمثل ضرائب دخل الشركات والضرائب التجارية الجانب الأكبر من الإيرادات الضريبية. مؤكدا فالحاجة إلى وضع نظم ضريبية داعمة للتنوع في هذه الاقتصادات تفسح المجال أمام تصميم نظم ضريبية تركز على العدالة والبساطة والكفاءة.

وخصصت الدراسة جزءا خاصا بـ"نموذج مجلس التعاون الخليجي" وركزت على أن الحكومة في هذا النموذج توفر الوظائف للمواطنين الذين يستفيدون أيضا من منتجات الطاقة المدعومة بشكل كبير. وفي هذا السياق، فإن ضرائب الدخل سوف تكون بمثابة خفضا للأجور، الأمر الذي من شأنه إثارة الضغوط الاجتماعية لاستعادة مستويات الأجور السابقة. والضرائب غير المباشرة على الوقود سوف تمثل فعليا خفضا للدعم وسوف يُنظر إليها بالتالي على أنها تهدد توفير الطاقة منخفضة التكلفة للجميع، وتميل الضرائب في هذه البلدان إلى التركيز على ضريبة دخل الشركات (على غير المواطنين) والتجارة بينما ضريبة الدخل الشخصي نادرة الوجود وتطبق أساسا على الأجانب. فالمملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لديها ضريبة على الدخل الشخصي، ولا يتم تطبيقها سوى على العمالة المغتربة. فيما توجد لدى ليبيا والعراق والسودان هياكل لضريبة الدخل الشخصي ولكن معدلاتها العليا منخفضة وتبلغ 10% في ليبيا و15% في كل من العراق والسودان وغالبا ما يكون الامتثال والإنفاذ ضعيفًا أيضًا.

أما عن كيفية تحقيق مزيد من العدالة في النظم الضريبية فأوردت الدراسة أنه يتعين على البلدان المصدرة للنفط التي تعتمد في المقام الأول على الإيرادات الهيدروكربونية الاستفادة من الحيز الذي تتيحه هذه الإيرادات في تصميم نظم ضريبية بسيطة وعادلة، والقدرة على إدارتها بطرق يمكن زيادتها بمرور الوقت، لإعداد مجموعة متكاملة من الأدوات الضريبية.

وأكد خبراء صندوق النقد الدولي أنّه يُمكن للإيرادات من إنتاج النفط أن تكون شكلا من الضرائب يتسم بالكفاءة بصفة خاصة ويحظى بالقبول من الناحية السياسية. ولكن النظام الضريبي السليم غير القائم على النفط يمكن أن يضطلع أيضًا بدور حاسم في تحقيق مرونة قاعدة الإيرادات (إزاء كل من التحركات في أسعار النفط، وفي بعض الحالات، الانخفاضات المتوقعة في الإنتاج) وتعزيز علاقات المساءلة بين الدولة والمواطن، وتوفير الأدوات اللازمة لتحقيق أهداف الكفاءة والعدالة والاقتصاد الكلي الأوسع نطاقًا.

وتتضمن الأولويات في هذا الشأن: استحداث ضريبة على القيمة المضافة، وضريبة على دخل الشركات بمعدلات منخفضة، مع أفضلية تطبيقهما على جميع الشركات، واستحداث ضرائب على الممتلكات والمكوس أو تحسين الضرائب الحالية، وضع خطط لاستحداث ضرائب على الدخل الشخصي، ولم تغفل الدراسة التطرق لضرورة التغلب على معارضة الإصلاح إلى جانب تصميم نظم ضريبية أكثر عدالة وكفاءة، حيث سيتعين على صناع السياسات التعامل مع القوى الداخلية المعارضة للإصلاح، والنابعة من منظومة المصالح الخاصة، وعدم وجود قاعدة عريضة من التأييد، والإدارات الضريبية ذات المصالح الراسخة التي لديها رغبة محدودة في التغيير، ولإحراز تقدم على صعيد العدالة الضريبية تقترح الدراسة على الحكومات إشراك الأطراف المعنية في تصميم الإصلاحات، وإثبات عزمها على استخدام الإيرادات بفعالية، وتحديد وتيرة ملائمة لعملية الإصلاح. وتشير الأدلة إلى أن التواصل الفعال بشأن منافع الإصلاح يحظى بأهمية خاصة في كسب التأييد.

الحاجة للعدالة الضريبية

وفي ربط بين الضرائب والاحتجاجات السياسية قالت الدراسة إن غياب العدالة كان أحد الأسباب الأساسية للاستياء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأمام السياسة الضريبية -المصممة تصميماً جيدًا- دور مهم ينبغي أن تضطلع به جنباً إلى جنب مع سياسات الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية التي تعزز النمو والمساواة في الحصول على الفرص الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك في البلدان التي تعتمد بشكل أساسي على إيرادات السلع الأساسية. ويمكن للإيرادات، سواء من الضرائب أو الموارد الطبيعية، أن تدعم النمو وإعادة توزيع الثروة من خلال الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم.

ويمكن "للعدالة الضريبية" أن تساعد أيضا في تلبية المطالب التي تدعو إلى توفير مزيد من العدالة الاجتماعية -الاقتصادية والفرص لأن النظم الضريبية تمثل محور التقاء حيويا بين الدولة ومواطنيها. تستعرض هذه الدراسة النظم الضريبية الحالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتقترح تدابير لجعلها أكثر إنصافا مع معالجة مشكلة مقاومة الإصلاح. وقد صممت المشورة في مجال السياسات لتناسب كلا من البلدان ذات النظم الضريبية الراسخة غير القائمة على الهيدروكربونات (معظم بلدان المنطقة) وتلك التي تعتمد في المقام الأول على الإيرادات الهيدروكربونية (العديد من كبرى البلدان المصدرة للنفط).

ويأتي عدم المساواة في صدارة النقاش الحالي حول السياسات. ففي كل من البلدان المتقدمة أو النامية يناقش صناع السياسات والجمهور تفاقم عدم المساواة في الدخل والثروة الذي لوحظ في العديد من البلدان، ودور السياسة الاقتصادية في التصدي له.

الضرائب تحقق العدالة

وفي حين أن الدرجة المنشودة من المساواة في الدخل والثروة هي في نهاية المطاف خيار اجتماعي يتخذه كل بلد ذي سيادة، وهناك حجج قوية مفادها أن التفاوت الحاد يضر بوتيرة النمو ونوعيته وللمفهوم الأ وسع للعدالة أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فبلدان هذه المنطقة ليست غير متساوية بشكل خاص فيما بينها من حيث توزيع الدخل مقارنة بالمناطق الأخرى، ولكن السنوات التالية لبداية التحولات السياسية في العالم العربي كشفت عن أن مجموعات عديدة من المواطنين في العديد من بلدان المنطقة تشعر منذ فترة طويلة بأنها محرومة من الفرص الاقتصادية، ومعرضة لمضايقات المسؤولين الفاسدين ومستبعدة من منافع النمو المرتفع في بداية الألفينات، وهذا الإحساس الأوسع بالعدالة (أو غيابها) يرتبط بعدم المساواة في الدخل ولكنه أقل وضوحا، كما أنه يتفاوت بين البلدان وعبر الزمن.

وترجع جذور هذا الإحساس كما تورد الدراسة إلى العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك: اختلاف مستويات المعيشة الناجم عن استمرار ارتفاع البطالة، وخصوصا بين الشباب؛ وارتفاع مخاطر الوقوع في براثن الفقر المطلق الذي يتركز في تلك الشرائح من السكان الواقعة فوق خط الفقر مباشرة والتي تعيش على متوسط في حدود 2.5 دولار أمريكي في اليوم الواحد ؛ وعدم كفاية فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وعدم توافر فرص الأعمال التجارية وضعف المنافسة في الأسواق المحلية ووجهات النظر المتعلقة بكيف ينبغي إخضاع الدخل من الموارد الطبيعية للضريبة عندما يكون الدخل مستحقا لأجانب وليس لمواطنين.

وتضطلع الضرائب بدور مهم في تحقيق العدالة. ففي بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ركزت السياسات بشكل أكثر على إصلاحات الإنفاق في السنوات الأخيرة، مما يعكس الحاجة إلى وسائل أكثر فعالية من حيث التكلفة لدعم الفقراء، والإمكانية الأكبر لسياسات الإنفاق لإعادة توزيع الدخل مقارنة بالسياسات الضريبية. فوجود الضرائب (أو عدمها) تساهم بشكل مهم في تحديد العلاقة بين المواطن والدولة من حيث المساواة في المعاملة، وتقاسم الأعباء، والفرص الاقتصادية.

الأسئلة الصعبة

ولم تغفل الدراسة نقل الأسئلة الصعبة التي تطرأ على أذهان الكثيرين عند التحدث عن الضرائب وتتضمن هذه الأسئلة على سبيل المثال: هل العبء الضريبي موزع بالتساوي؟ فبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عادة ما لا تفرض ضريبة مناسبة على عائد الأشكال المختلفة من مدخرات الأفراد وتركز فقط على دخل العمل. وهكذا، فإنّ العاملين في الاقتصاد الرسمي (في كثير من البلدان، وبصفة أساسية موظفي القطاع العام) يتحملون وطأة الضرائب المباشرة. وفي المنطقة، فإنّ الأداة النموذجية للتمييز تتمثل في الإعفاء الضريبي، والذي غالبًا ما يأخذ شكل إعفاءات ضريبية مقدمة لأنشطة بعينها، مثل أنشطة التصدير والسياحة.

ومن الأسئلة أيضاً: هل يدفع معظم المواطنين ضرائب؟ فالبيانات المعنية بعدد دافعي الضرائب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شحيحة. ومع ذلك، تشير الأدلة المتوفرة إلى أنه في البلدان التي تتسم بنظم ضريبية متطورة في المنطقة (ومعظمها من البلدان المستوردة للنفط) تشكل ضرائب الدخل المخصومة من المنبع على الأجور نسبة عالية جدا من مجموع حصيلة الضرائب على الدخل الشخصي، مما يشير إلى أن الضرائب التي يدفعها العاملون لحسابهم الخاص والضرائب على الدخل من غير الأجور منخفضة جدا، ومن غير المتوقع أن يدفع أصحاب الأجور المنخفضة قدرا كبيرا من ضريبة الدخل في معظم البلدان نظرا إلى وجود حد أدنى من الدخل المعفى من الضريبة.

وسؤال آخر يطرح يتعلق بمدى تنفيذ الأنظمة الضريبية بعدالة بين الخاضعين لها، فحتى الأنظمة المصممة تصميما جيدا قد تفتقر إلى عدالة التنفيذ. وعلى سبيل المثال، نجد أن الشركات المصرية التي تتمتع بصلات سياسية تزداد احتمالات حصولها على المزايا الحصرية كالإعفاءات من ضرائب الشركات أو الرسوم الجمركية بنحو 15%.

كما تضمنت الدراسة اسئلة أكثر تفصيلا حول مدى إمكانية أن تكون النظم الضريبية أكثر تصاعدية، مشيرة إلى أنه حتى بغض النظر عن التأثير التشويهي للإعفاءات واسعة النطاق، فإن العديد من الأنظمة الضريبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتسم بقدر محدود من التصاعدية. فعلى سبيل المثال، تعتمد إيرادات الضرائب إلى حد كبير على الضرائب غير المباشرة مقارنة بالضرائب المباشرة، كما أن الضرائب على الممتلكات غالبا ما تكون غائبة، وفيما يتعلق بما إذا كان ينبغي أن تكون الإيرادات الضريبية أعلى؟، وهل يتسق ذلك مع مبدأ العدالة؟ رأى الخبراء أن أداء الإيرادات الضريبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتسم بأنه أقل مقارنة بالبلدان الصاعدة والبلدان النامية الأخرى، مما يشير إلى إمكانية زيادتها، والإيرادات الأعلى سوف تعمل على إيجاد حيز مالي وتسمح بمزيد من الإنفاق على الحماية الاجتماعية الموجهة جيدا للفقراء والبنية التحتية، والرعاية الصحية، والتعليم. والبديل هو الاستمرار في التمويل بالعجز، الذي يشكل ليس فقط عبئا على الأجيال القادمة ولكنه أيضا يفيد حائزي الدين الحكومي وهم عادة قلة متمتعة بالامتيازات. وتحسين الإيرادات أمر بالغ الأهمية لتمويل الزيادات في الإنفاق لتلبية المطالب الاجتماعية ودعم الاقتصاد في أعقاب الأزمة المالية العالمية وبداية التحولات السياسية في العالم العربي.

الإجابات الأصعب

وتحاول هذه الدراسة الإجابة عن هذه الأسئلة وتقترح تدابير من شأنها إضفاء مزيد من العدالة على النظم الضريبية في المنطقة. ونظرا للاختلافات الواسعة في حالة النظم الضريبية في المنطقة، وأوضح الخبراء أن النظم الضريبية في معظم أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سواء في البلدان المستوردة للنفط وبعض البلدان المصدرة له، بأنها متطورة نسبيًا، ولكن الإصلاحات يمكن أن تضفي عليها مزيد من العدالة والكفاءة.

وفيما يخص الماليات العامة في بلدان مجلس التعاون الخليجي وليبيا والعراق والسودان أوضحت الدراسة أنها تعتمد منذ وقت طويل على إيرادات الموارد الطبيعية، وقررت الحكومات عدم تطوير نظم إيراداتها غير النفطية. وفي هذه البلدان، فإن هناك حاجة إلى تطوير النظم الضريبية غير النفطية -حيثما أمكن ذلك في ضوء الحالة الأمنية- بما يتيح أمامها فرصة للتوجه نحو تطبيق مبادئ العدالة الضريبية.

ولم يغفل الخبراء أهمية الإصلاح المتكامل للمالية فقالوا في الدراسة "إن العدالة ما هي إلا جانب واحد من النظم الضريبية الجيدة. فالجهود الرامية إلى تحقيق العدالة الضريبية ينبغي أن تكون متسقة مع رؤية أوسع لدور المالية العامة للدولة، وأن تشمل دور كل من الإيرادات والنفقات على حد سواء. كذلك يتعين على الإصلاحات الرامية لتحقيق العدالة ألا تغفل التعقيد الذي ينطوي عليه تحديد مستوى وهيكل الضرائب المناسب لكل بلد على حدة، وهي عملية تعتمد على السياق الاقتصادي والاجتماعي وظروف الاقتصاد الكلي لكل بلد على حدة".

إيرادات الضرائب

إيرادات الضرائب غير القائمة على الموارد الطبيعية في معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة متدنية جدا. فهي تمثل ما يقل عن 5% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، أي أقل كثيرا من متوسط بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، وكذلك من المتوسط في باقي بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ووفق الدراسة فإن هناك عدة أسباب مسؤولة عن الاستخدام المحدود للنظم الضريبية في هذه البلدان. ففي العديد من البلدان المصدرة للنفط -ولكن ليس كلها، كانت إيرادات الموارد الطبيعية تاريخيا كبيرة جدا من حيث نصيب الفرد، مما قلل ضغوط البحث عن إيرادات بديلة وأضعف بشكل كبير المبررات السياسية لها. غير أن هذا ربما آخذ في التغير مع ازدياد أعداد السكان بشكل كبير جدا في حالة بلدان مجلس التعاون الخليجي، وتراجع الإيرادات النفطية بسبب انهيار أسعار النفط، واقتراب بعض البلدان المصدرة للنفط من نهاية الاستخراج.

كما ينظر إلى الموارد الطبيعية على أنها ملك للمواطنين. ويمثل توزيع إيرادات الموارد الطبيعية في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى. كما أن قاعدة ضريبة دخل الشركات ضيقة نظرا لأن الضريبة تطبق على الشركات الأجنبية فقط. وفي سلطنة عُمان، تُقدَّم إعفاءات واسعة للعديد من الصناعات. وبشكل أعم، فإن ضرائب الدخل لا يتم إنفاذها بكفاءة عبر منطقة مجلس التعاون الخليجي.وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن القاعدة أكثر ضيقا حتى من ذلك، نظرا لأن البنوك الأجنبية فقط هي التي تدفع الضريبة.

القيمة المضافة

أما الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة، فلا وجود لها في بلدان مجلس التعاون الخليجي وليبيا. وارتأت الدراسة أن من شأنها تحقيق مزيد من تكافؤ الفرص بين الشركات التجارية والحد من الإحساس بالمعاملة التعسفية بين المكلفين. حيث يمكن زيادة الميزات التصاعدية لضريبة الدخل الشخصي، واستحداث الضرائب على الممتلكات أو تحسينها (سواء من حيث التصميم أو القدرات الإدارية). ويمكن للبلدان ذات النظم القائمة على الايرادات النفطية القيام تدريجيا بتصميم نظم ضريبية عادلة وبسيطة وفعالة، مع التركيز في البداية على ضريبة القيمة المضافة وضريبة دخل الشركات. وسوف يساعد هذا النهج على تطوير إدارات للإيرادات الضريبية يمكن الاستفادة بها في المستقبل لفرض المزيد من الضرائب المباشرة على الدخل الشخصي.

كما أكدوا على أن تبسيط النظم الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية توسيع القواعد الضريبية وتبسيط هياكل معدلات ضريبة القيمة المضافة والضرائب على التجارة الدولية. فمن أجل اعتبارات الكفاءة اولعدالة على حد السواء، يحبذ توسيع القواعد الضريبية بصفة عامة مقارنة بالزيادات الشاملة في معدلات الضريبة.

وتشمل السياسات الرئيسية التي تنصح بها الدراسة المطروحة للنقاش عددا من النقاط منها خفض الإعفاءات والخصومات الضريبية أو إلغاؤها -باستثناء تلك الموجهة خصيصا للفقراء، وكذلك توحيد المعدلات المتعددة وهذا ينطبق على ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى وضع مستويات حدية للتسجيل في ضريبة القيمة المضافة عالية بما يكفي لتبسيط الإدارة. وهذا من شأنه توفير ميزة سعرية للشركات الصغيرة وتقليل تكاليف امتثالها، وكذلك تقترح تبسيط ضريبة دخل الشركات والحد من الإعفاءات ذات الصلة، لاسيما للقطاعات التصديرية ومناطق التجارة الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة الأخرى؛ وتشمل التحسينات على ضريبة دخل الشركات: إلغاء الإعفاءات وخصومات بعينها، مما قد يمهد الطريق لخفض المعدلات مع الحفاظ على الإيرادات المتحققة، واستحداث هيكل بسيط لمعدلات الضريبة، إضافة إلى تحقيق الاتساق في نهاية المطاف بين معدلات ضريبة دخل الشركات والمعدلات العليا للضريبة على الدخل الشخصي للحد من حوافز تحويل الأرباح -لاسيما من خلال تأسيس الشركات المساهمة.

الدخل الشخصي

كما ترى الدراسة ضرورة لمزيد من التصاعدية على النظم الضريبية بحيث يجري تعزيز الميزات التصاعدية لضريبة الدخل الشخصي: حيث تعد ضريبة الدخل الشخصي هي الأداة الرئيسية وأول أفضل الطرق لمعالجة عدم المساواة في الدخل واعادة توزيع المالية العامة على جانب الإيرادات، لأنها تأخذ في الاعتبار مباشرة قدرة الأسر المعيشية على الدفع، ويتعين على تصميم ضريبة الدخل الشخصي أن يستهدف وضع جداول ذات معدلات ضريبية أعلى للمجموعات ذات الدخل الأعلى، وبالتالي تحويل العبء الضريبي إلى الأسر المعيشية الأكثر ثراء والتي سيزيد عبئها الضريبي بشكل طفيف فقط كنسبة من دخلها. ومن أجل تجنب التشوهات السلوكية، ينبغي وضع حد أقصى للمعدل الأعلى، ربما بحيث لا يزيد عن 50%، وفي بعض الأحيان، يمكن لتصاعدية ضريبة الدخل أن تعوض تنازلية الضرائب الأخرى مثل ضريبة القيمة المضافة.

تعليق عبر الفيس بوك