سوريا ولعبة الأمم

سعيد الحضري

في مقال سابق فيالعام 2013، أكدنا أن "الحرب في سوريا هي حرب بلا نصر"، واستمرارهارغبة غربية وصهيونية يُراد منها كسر عظام أطراف عدة "سورية سورية"، والقوى الإقليمية التي تدعم هذا الطرف أو ذاك، بينما استمرَّ الدعم الروسي والإيراني والقوى الطائفية اللبنانية والعراقيةبالسلاح والمقاتلين ومن باكستان وأفغانستان، تحت شعارات طائفية للدفاع عن النظام السوري الذي فقد الشعب والأرض، ولم يبق سيادةللدولةالسورية، وهي نتيجة طبيعية لفقدان ركنين من أركان الدولة؛ فأصبح الإيرانيون يفاوضون المعارضة السورية نيابة عن النظام السوري لوضع هدنة أو وقف القصف أو خروج جرحى أو قوات من المناطق التي يسيطر عليها أحد االطرفين، وسوف تفاوض روسيا من الآن فصاعدا نيابة عنالنظام السوري.

لن نستبعد الوفاق الروسي-الأمريكي في الغايات والأهداف النهائية التي تخدم مصالح القوتين العظميتينفي "إدارة الحرب" في سوريا وليس وقفها،وإيجاد حلسياسي، وقد وضعتالقوتان على ما يبدو بذور الحرب الطائفية وتسمين أطرافها ورعايتها ودعمها سرا وعلانية.

... إنَّ التدخل العسكريالروسي في سوريا مُستبعدإلا وفق تفاهمات (أمريكية-روسية) ضمن خطة محددةووفق (مساومات وتسويات وصفقات سرية) وتقاسم مناطق النفوذ في العالم بعد بزوغ القوة الروسية من جديد،وربما يربط البعض التدخل الروسي للمساومة بين "سوريا وأوكرانيا"مع الغرب، وهو أمر مستبعد بسبب عدم "رغبة الدول الغربية" في حسم الحرب في سوريا لصالح الثورة السورية؛كما أن الأهمية النسبية لأوكرانيا بالنسبة للغرب تفوق سوريا وانضمامها(أوكرانيا)إلى الناتويُعتبر انتصاراإستراتيجيا للغرب فهي قاعدة متقدمة في الأراضي الروسية (الاتحاد السوفييتي سابقا)؛ فليس هناك مجال في تقديري للمقايضة. كمايتضح وضع الغرب خطوطاحمراء في تسليح الثورة السورية ببعض الأسلحة النوعية ومنعتزويدها بمضادات أرض-جو لمنع التفوق العسكري الجوي للنظام السوري ومنع الدول العربية أو غيرها تسليح المعارضة بنفس الأسلحة التي ربما تكون قد حسمت المعركة،وشلت سلاح البراميل المتفجرة التي دمرت الشعب السوري وأرضه، وأعتقد الأمر له دلالات مهمة في فهم نوايا ودوافع القوى الدولية في الحرب السورية وهو رد كافٍ للذين يصطادون في الماء العكر لتشويه الثورة السورية وحق الشعب السوري كغيره من الشعوب في مطالبته بحقوقه وكرامته وحريته وربط حراكه الاجتماعي لغايات دولية.

صحيح الدول تنطلق لمصالحها وليس للمبادئ أو الأخلاق، وهو سر خنق المعارضة السورية لتطويعها لتلك الأجندة الدولية.. إنَّ الطغيان في نظم الاستبداد العربي قد رتب أبواقه ورماحه في كل مفاصل دوله، خاصة الإعلام والقضاء، لكنَّ الشعب العربي مدرك تماما لتلك الأدوات، فحرية الكلمة تزلزل الكيانات المنحرفة؛ لأنها لا تستند إلى حق ولا تؤمن بالعدل والمساواة منهجا ومسلكا في إدارة السلطة والثروة وليس المعيار الكفاءة؛ إنما الولاء المطلق لمافيا السلطة؛ لذلك تُكمَّم الأفواه وتمتلئ السجون وتقطع الرؤوس.وأصبح قرارنا بيد غيرنا في السلم والحرب وكلما أراد الشعبالعربي أن ينهض ويصلح ما أفسدته جماعات المصالح والتوريث في العالم العربي اكتوى بنار الداخل ومؤامرة الخارج، ويظن بعض العرب أنَّ التدخل الروسي العسكري في سوريا جاء لمجابهة الغرب وحليفته الصهيونية وهي قراءة سطحية أو تضليل للرأي العام العربي؛ لأنَّ تاريخ الدب الروسي ينتفخ وما يلبث أن ينفجر ويتراجع وأزمة الصواريخ الكوبية 1962 أحد الأمثلهعلى حقائق السياسة الدولية، حينما حاصرت أمريكا حليف الاتحاد السوفييتي "كوبا"، وفرضت عليها حصارا بحريا صارما، فقد تراجعت على أثر ذلك السفن العسكرية السوفييتية المحملة بالأسلحة إلى كوبا، وعادتإلىموسكو، وقد اشترطت أمريكا سحب قواعد الصواريخ السوفييتية من القواعد العسكرية الكوبية، كشرط لفك الحصار عن كوبا، وفي نهاية المطاف رضخ الرفيق "خرشوف" للشروط الأمريكية، نعلم من دروس التاريخ أنَّ الاتحاد السوفييتي أول من اعترف بالكيان الصهيوني في فلسطين،وفي نفس الوقت وفي مرحلة ثمانينيات القرن الماضي كانتالجسور الجويةمن ملايين اليهود إلى فلسطين تأتي من الاتحاد السوفييتي،في وقتها كان الكيان الصهيونييعاني من أزمة سكانية لملء مستوطناته ومستعمراته في فلسطين المحتله،كفى دجلا وتضليلا،نحن في عصر الإمبريالية الروسية التي تتقاسم المصالح والنفوذ مع قطب الإمبريالية الأمريكية،نحن أمام دول عظمى وأخرى كبرى رأسمالية احتكارية عالمية تتصارع على تقاسم المصالح والنفوذ وأرض العرب ومواردها وثروتها المادية والبشرية مستباحة، نحن أمام وفاق (كيري -لافروف) على طريقة سايكس-بيكو.وقد سهلت أنظمة الاستبداد المهمة، إن الحرب في سوريا لم تحقق بعد الغايات الكبرى للغرب عموما وأمريكا تخصيصا؛ لذلك وبعد انهيار قوات النظام السوري وفشل الحلفاء الإقليميين في إنقاذهكان لابد من إعطاء الضوء الأخضر للتدخل الروسي قبل عاصفة حزم عربية على نمط اليمن هي خطوة استباقية،من الصعب تفسير التدخل العسكري الروسي في سوريا وتشكيل حلف بغداد مكون من (روسيا وإيران والعراق وسوريا) على مقربة من مركز قيادة القوات الأمريكية في العراقدون توافق أمريكي-روسي،وفي اعتقادي أنَّ هناك دولتين في الحلف غير معلن عنها وهي أمريكا وإسرائيل.. هناك تنسيق عسكري معلن عنه بين وزارات الدفاع للدول الثلاث (أمريكا وروسيا وإسرائيل) في الطلعات الروسية التي بدأت تحصد أرواح الشعب السوري، ويبدو أنَّ هناك استهدافا لقوتين إقليميتين وهي تركيا بنموذجها النهضوي المستقل في قراره وسيادته بوجود حزب له هوية إسلامية وإنجازاته الاقتصادية والتنموية أبهرت العالم؛ فقد تكون التجربة التركية غير مرغوب فيها من أقطاب دولية وإقليمية، وربما هي (أحد الأهداف من استمرار الحرب في سوريا) كما أنَّ مجموعة التحالف العربي في حرب اليمن هي الأخرى ربما أصبحت عاصية من المنظور الأمريكي لأن قرار الحرب ربما لم يحظَ بتنسيق كافٍمعهم ونحن العرب قرار (الحرب والسلم) يبدو غير مسموح لنا به لأنه سيادي، ونحن دول مع الأسف ناقصة السيادة.

... إنَّ المشهدالسياسي العام في العالم العربي بدا واضحا في تحديد الاتجاهات من القضايا العربية؛ فقد رحَّب حزب الله اللبناني وإيران والعراق ومصر السيسي بالتدخل العسكري في روسيا وتنسيق عسكري أمريكي-روسي الغاية النهائية منه ترسيخ نظم الاستبداد والانقلاب وهي خناجر في خاصرة الأمة تحرمها من القوة وتجعلها تابعة في ركب أحد الأقطاب الدولية، لكن هذه الأمة قد تضعف، لكنها لن تموت، ومالم يتعلمه الدب الروسي من تدخله في أفغانستان ربما يتعلمه في أرض الشام المباركة.

alhadhris@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك