إنزال العلاقات السعودية - الإيرانية من فوق صفيحها الساخن

عبيدلي العبيدلي

ما أن تمّ الإعلان عن كارثة الحج التي وصل عدد ضحاياها إلى 769 شخصا وإصابة 934 آخرين، وهو ما أفصح عنه وزير الصحة السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر صحفي، حتى طفت على سطح العلاقات السعودية الإيرانية مجموعة الملاسنات السياسية -الدبلوماسية، جاءت على لسان مسؤولين في كلا البلدين.

فمن الجانب الإيراني طالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي "السعودية بـالاعتذار لدول العالم الإسلامي وأن تتحمل المسؤولية عن هذا الحادث بدلاً من اللجوء إلی الإسقاط وإلقاء اللوم علی الآخرين."

أما على المستوى السعودي فقد دعا وزير الخارجية السعودية إيران،" لعدم استغلال مأساة الحجاج الذين قضوا في مكة المكرمة سياسياً"، مضيفًا، أنه "يعتقد أنه أفضل للإيرانيين ألا يستغلوا سياسيا مأساة طالت أناسا كانوا يؤدون أهم الشعائر الدينية المقدسة، ألا وهي أداء مناسك الحج".

وبعيدًا عن ذلك التوتر الإعلامي والسياسي الذي أعقب تلك الحادثة، فهناك ضرورة ملحة، ومن منطلقات إنسانية بحتة، وخلفيات سياسية محايدة، يهمها كثيرًا أن تأخذ العلاقات بين البلدين: السعودية وإيران مسارها السليم الذي من شأنه أن يخدم مصالحهما المشتركة، وهي كثيرة، وتطمح إلى وضع الأمور في نصابها الصحيح، ينبغي التأكيد على الحقائق التالية:

1. بغض النظر عن الأسباب التي قادت إلى تلك المأساة، فليس هناك من في وسعه أن ينكر أنها كانت كارثة إنسانية بكل ما تحمله كارثة من معنى، بغض النظر عن أسبابها، بما في ذلك "تدافع الحجيج"، أو عدم "إصغائهم للتعليمات المعطاة لهم"، الأمر الذي يقتضي اللجوء إلى عمل جاد يحول دون تكرارها مستقبلا. ندعو إلى ذلك مع مراعاتنا إلى الكلف الباهظة المتعددة الأوجه، التي يتطلبها تحقيق ذلك.

2. ضرورة عدم زج ذلك، من قبل أي من الطرفين: طهران أو الرياض، في متاهات الخلافات السياسية أو المذهبية التي باتت تسيطر على العلاقات بين البلدين. فبالقدر الذي لا تعني أممية مكة، إلغاء كون مكة المكرمة والكعبة الشريفة يقعان ضمن الحدود السياسية السعودية، ومن ثم فعليها تقع مسؤولية توفير الظروف الأنسب لجميع الحجيج كي يؤدوا شعائر الحج دونما خوف مما يمكن أن يهدد سلامتهم أو حياتهم، والدعوة إلى تحسين الظروف التي ترافق أداء مناسك الحج، كذلك الأمر من الخطأ، تجيير أي خطأ، مهما كان جسيمًا إلى معركة سياسية الهدف الخفي من ورائها تصفية حسابات قديمة متراكمة، يسيرها التنافس السياسي، وتتحكم فيها خلفيات الصراعات المذهبية.

3. لابد من وضع ما يجري عند أداء الحجيج لمناسك الحج في نطاقه الديني السليم، الأمر الذي يقتضي تجريده من الخلافات السياسية الطارئة، وعدم الزج به في المعارك الإعلامية المؤقتة.

على أن أي راصد رافق أحداث تلك الكارثة، وما رافقها من توتر في العلاقات السعودية - الإيرانية، يدرك دونما حاجة إلى بذل الكثير من العناء، أن تلك المأساة لم تكن سوى "القشة التي قصمت ظهر بعير" تلك العلاقات، أو بالأحرى اللحظة المناسبة التي ينتظرها الطرفان لتصفية حسابات بينهما، تعود في تاريخها القصير إلى لحظة انتصار الثورة الخمينية على شاه إيران في نهاية العقد السابع من القرن الماضي. فعندها، وكما يشخص تلك العلاقات الكاتب حسام حمدان، عرفت تلك العلاقات "العديد من حالات التصادم والتفاهم أو الصعود والهبوط أو الوئام والخصام، عاكسة مجموعة من التطورات والتفاعلات التي شكلت محدداً لطبيعة العلاقات وبشكل لم يكن بعيدًا عن المذهبية الدينية أو المصلحية السياسية أو التأثيرات الخارجية. وظل مؤشر العداء والتوتر مسيطرًا على المسافة الزمنية الممتدة منذ قيام الثورة وحتى وفاة الخميني وخصوصًا بعد انتهاء حرب الخليج الثانية (1990-1991) إلى أن حدثت بعض التطورات التي خرجت من رحم الثمانينيات في القرن الماضي لتشكل مع بداية التسعينيات من نفس القرن مرحلة جديدة من العلاقات بعد أن هدأ إلى حد كبير الاتهام الموجه إلى إيران بتصدير الثورة".

على أن الكاتب الصحفي محجوب الزويري، يرى أنه على الرغم من أن "العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بدأت منذ العام 1928، ألا أن فصول هذه العلاقة لم تكن دائماً في أحسن أحوالها، فالتغيرات السياسية الإقليمية على سبيل المثال كانت تلقي بظلالها على تلك العلاقات قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979. ولعل الدور الذي لعبته إيران في تعويض النفط العربي لا سيما السعودية عندما قرر العرب معاقبة الغرب على دعم إسرائيل ما هو إلا مثال على حالة التوتر المتقطعة التي كانت تمر فيها العلاقات بين البلدين".

ويحاول الزويري أن يؤطر الأسباب التي تضع العلاقات السعودية - الإيرانية على "صفيح ساخن"، فيلخصها في "أربعة ملفات كبرى بين البلدين تتفرع منها جملة من القضايا العامة. أول هذه الملفات الهامة هو الملف الديني المذهبي، والثاني متعلق بالتنافس على القيادة والصدارة في العالم الإسلامي. والملف الثالث العلاقة مع الغرب وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرا ملف النفط ضمن منظمة أوبك، وأعني بذلك جانب السياسات المتعلقة بالتسعير وكميات الإنتاج".

من جانب آخر يؤكد موقع الرصد الإلكتروني، عند مراجعته الفصل الثامن من كتاب "إيران والخليج: البحث عن الاستقرار" لمؤلفه صالح المانع على أن "التماثل بين إيران ما بعد الثورة والمملكة العربية السعودية يبدو مدهشاً للغاية، إذ يطرح كلا النظامين السياسيين نموذجاً معينا ًللدولة الإسلامية، ويشتركان في تمسكهما بالقيم الإسلامية العامة، وفي كون الشريعة الإسلامية القانون الأساسي للدولة".

ربما من المبكر لأوانه توقع تحسن في العلاقات السعودية - الإيرانية في ظل الأوضاع الإقليمية القائمة، لكن ذلك لا يبرر استمرار حالة العداء بينهما، والتي تقود إلى الصدامات المتكررة التي تنهك قوى الدولتين، وتحول دون وصولهما إلى تغليب ما هو مشترك بينهما على ما يثير الشقاق في صفوفهما. وهذا بدوره يدعو إلى بحث العاصمتين، وبشكل جدي عما يضع حد للشقاق، ويبرز عناصر الوئام، كي تزيحا تلك العلاقات من فوق الصفيح الساخن الذي يؤججهما.

تعليق عبر الفيس بوك