المصلحة المشتركة في الهجرة غير الشرعية 2 -2

عبيدلي العبيدلي

ربما من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق دولي موحد يقبل بتعريف محدد، وواضح، وغير قابل للجدال للهجرة غير الشرعية، إلا أنّ الخبراء "يتفقون فيما بينهم على أنّها تلك الهجرة التي تتم بطرق غير قانونية، نظرًا لصعوبة السفر وصعوبة الهجرة الشرعية، حيث تعقدت إجراءات السفر، وأصبحت الهجرة الشرعية شبه مستحيلة".

وتقدر مصادر الأمم المتحدة "أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص. وتتوقع المنظمة الدولية للهجرة ازدياد الهجرة غير المنظمة جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم الآن، والتي لا يمكن تقدير حجم هذه الزيادة نظرًا لطبيعتها، لكنها أكدت أنّ حوالي 15% من المهاجرين في العالم غير نظاميين. كذلك نجد أن العديد من المراقبين للهجرة الدولية يعتقدون أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يصل إلى 20 مليون عامل".

وتجمع المصادر التي ترصد هذه الظاهرة على أنّه " من أكبر أسباب الهجرة على الإطلاق هي البطالة التي تفرض نفسها على شريحة الشباب، حيث بلغ معدل البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (على سبيل المثال) 11% عام 2014 حسب منظمة العمل الدولية، وبلغت 25.6 % بالنسبة للوطن العربي كله ما يشكل النسبة الأعلى في العالم".

لكن بعيدًا عن تلك الإحصاءات، فما هو أهم من ذلك، أنّه بخلاف ادعاءات دول المهجر، هناك مصلحة مشتركة بين طرفي العلاقة، وعلى وجه التحديد الدول المستقبلة لقوافل المهاجرين بصنفيهما الشرعي وغير الشرعي. هذا ما يعترف به علانية نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فرانكو فراتيني، في كلمته التي ألقاها في المؤتمر الذي عُقد بالعاصمة البرتغالية لشبونة في شهر سبتمبر من العام 2007، حيث يقول "إنّ الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون براغماتيًّا في مجال الهجرة ويقتنع بأنّ القارة العجوز في حاجة إلى اليد العاملة المؤهّـلة للحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي والديموغرافي".

وفي السياق ذاته يحث الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الاتحاد الأوروبي على "تبني ما يُسمى بـالهجرة الانتقائية"، وهو كما يقول الكاتب طه الرحبي أن الاتحاد الأوروبي قام "بتطبيقه نسبيًّا حين تعهد بمنح تأشيرات لمدة ثلاث سنوات لرجال الأعمال والباحثين الأكاديميين". ويضيف الرحبي، مؤكدا على المصلحة المباشرة لأوروبا في تشجيع الهجرة الانتقائية، حيث تنظر "أوروبا اليوم إلى الهجرة كعنصر إخصاب وليس تهديدًا لمجتمعاتها فهي بحاجة ماسة ودائمة لليد العاملة لتعزيز نموها الاقتصادي لمعاناتها من انخفاض في معدل المواليد بصورة مخيفة جدًّا وارتفاع نسبة المسنين من إجمالي عدد السكان".

أما على الصعيد الأوروبي، فيبدو أن الاتحاد الأوروبي أخذ يتبنّى تدريجيا الهجرة الانتقائية، التي يدعو لها ساركوزي، وتجلّـى ذلك في إعلان فراتيني، في المؤتمر، الذي أقيم في العاصمة البرتغالية لشبونة في شهر سبتمبر الماضي حول الهجرة القانونية، أن الاتحاد الأوروبي "يجب أن يكون براغماتياً في مجال الهجرة ويقتنع بأنّ القارة العجوز في حاجة إلى اليد العاملة المؤهّـلة، للحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي، وكذلك النمو الديموغرافي"، مبرزاً أن على أوروبا أن تنظر إلى الهجرة بوصفها عنصر إخصاب وظاهرة لا يمكن تفاديها في عالم اليوم، وليس بوصفها تهديدا".

وكما يشير مقال الكاتب الصحفي رشيد خشانة، "حاول فراتيني تعزيز أطروحته الجديدة حول الهجرة، من خلال المقارنة مع الولايات المتحدة، مؤكِّـدا في هذا الإطار، أن الولايات المتحدة تستقبل 55% من العمالة المؤهّـلة، في حين أن أوروبا لا تستقبل سوى 5% مقابل 85% من العمالة غير المؤهلة".

هذا ما دفع أوروبا، كما يشير خشانة إلى التفكير في "منح المهاجرين القانونيين البطاقة الزرقاء، التي تعادل البطاقة الخضراء المعمول بها في الولايات المتحدة، وستجيز البطاقة الجديدة للمهاجرين المؤهَّـلين، بالإضافة لقبولهم السريع، وخاصة في القطاعات الحيوية التي تحتاج لليد العاملة، السماح لهم بالعمل في بلد أوروبي آخر بعد مرور ثلاث سنوات على وصولهم إلى البلد الأول".

وكما تعود الهجرة غير الشرعية بفائدة محدودة على المتسللين إلى البلاد المستقبلة، نجد مقابل ذلك، ملاحظة العديد من المراقبين للهجرة الدولية - كما ينشر موقع "ستار تايمز"- الذين "يعتقدون أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يصل إلى 20 مليون عامل، ومعظم هؤلاء العمال دخلوا إلى تلك الدول في العشر سنوات الأخيرة مشيرين إلى أن العمال غير الموثقين أو الذين لا يعملون في إطار منظم عادة ما يعملون في ظروف أكثر سوءًا من غيرهم من العمال، وهناك عدد كبير من أصحاب الأعمال يفضلون تشغيل هذا النوع من العمال من أجل التربح من المنافسة غير العادلة".

لكن كون المهاجرين غير الشرعيين يشكلون مصدرًا رئيسيًا من مصادر اليد العاملة الرخيصة، فذلك في حد ذاته، كما يقول بن بوعزيز آسية، من جامعة باتنة يتحول إلى "مشكل أساسي وخلل في سوق العمل الأوروبية، باعتباره منافسًا قويًا للأيدي العاملة المحلية، وذلك نتيجة لانتشار العمالة العشوائية غير الضرورية وذات الإنتاجية المنخفضة وظهور سوق ظل موازية للعمالة المتسللة التي تقبل بأجور أقل وكذا شروط قاسية للعمل، إضافة إلى زيادة تفشي البطالة في الدول الأوروبية نتيجة لتفشي اليد العاملة الرخيصة التي تقبل القيام بالأعمال الشاقة التي يرفضها الأوروبيون الأصليون".

كل تلك الحقائق والأرقام تؤكد وجود المصلحة المشتركة بين طرفي العلاقة التي تحتم على كليهما البحث عن الطريق الآمنة التي تضمن لهما الوصول إلى المعادلة السليمة التي تحقق النتيجة المربحة التي تنظم تلك العلاقة على أسس عادلة بما يضمن المكاسب المشتركة لكليهما.

ولعل الخطوة في هذا الاتجاه، هو ما دعت إليه دراسة نشرها موقع "المركز الديمقراطي العربي بالالتفات إلى "التناول الإعلامي لهؤلاء المهاجرين، حيث يتم الخلط بين الهجرة والإجرام والتطرف".

تعليق عبر الفيس بوك