الأمم المتحدة في قبضة "الفيتو"

حاتم الطائي

تحتفل مُنظّمة الأُمم المُتحدة هذه الأيام بمرور سبعين عامًا على تأسيسها ويحتشد غدًا أكثر من مائة رئيس دولة و70 من رؤساء الحكومات في أكبر احتفالية أممية..

وفي خضم هذا الجو الاحتفالي من حقنا التساؤل: هل أصبح العالم أكثر أمناً بوجود الأمم المتحدة؟ وهل استطاعت هذه المنظمة أن تحد من مخاطر الحروب المُستعرة في مُختلف مناطق العالم؟ هل أعادت للشعب الفلسطيني شيئاً من الحقوق في مواجهة البربرية الإسرائيلية؟.

أسئلة كثيرة تترى على البال، مع إطفاء المنظمة العتيدة شمعتها السبعين..

أنشئت الأمم المتحدة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من صعود قوى عالمية جديدة تتمثل في الولايات المُتَّحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وما أعقب ذلك من حقبة الحرب الباردة وصراع القطبين على مدى نصف قرن من الزمان على النفوذ والهيمنة على العالم.. وقد شهدت هذه الفترة الكثير من الأحداث الجسام منها أزمة خليج الخنازير بكوبا والحرب الكورية وحرب فيتنام وغيرها من أحداث كادت أن تؤدي إلى مواجهات شاملة بين القطبين.

لا تزال الأمم المتحدة وهي تكمل عامها السبعين، أسيرة هيمنة القوى العظمى من خلال "الفيتو" ، هذا الحق المتاح في مجلس الأمن لخمس دولٍ هي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، بريطانيا والصين، والذي اعتمد منذ بداية الأمم المتحدة حسب علاقات القوى الاستعمارية، وظل على حاله دونما أدنى تعديل على الرغم من المتغيرات الجذرية التي شهدها العالم، والتقلبات الحاصلة في خارطة التوازنات العالمية، ورغم المطالبات المستمرة بالمساواة في التصويت بين جميع الدول دون استئثار حفنة من الدول بهذا الحق على حساب غيرها من الدول الأعضاء بالمُنظمة.

ويلاحظ أنّ الكثير من التحدّيات التي تحد من فاعلية هذه المنظمة الدولية، تعود إلى احتكار حق النقض من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن والتي تستخدمه وفقاً لمصالحها الإستراتيجية في العالم .. مما يؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار في العالم واللاعدالة والحروب..

هذا الواقع يُحتِّم الحاجة إلى إصلاح جذري وملموس لميثاق الأُمم المُتحدة لتكون أكثر فاعلية في خدمة قضايا السلام والأمن العالمي، حيث إنّه مثلاً لم يعُد مقبولاً ومع كل مشروع قرار يُدين إسرائيل أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض لإجهاضه خدمة لمصالح ربيبتها إسرائيل، ضاربة عرض الحائط بكل ماصدر من إدانات أممية للممارسات الإجرامية للاحتلال الصهيوني .. إنّ قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية بشأن الصراع العربي- الإسرائيلي كثيرة إلا أنّها على أرض الواقع لم تحقق شيئاً للفلسطينيين الذين يقاومون على أرضهم الوحشية الإسرائيلية ولا يغيب عن البال قرار المنظمة رقم 242 الصادر بعد حرب 1967، والقاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها آنذاك، والقرار رقم 338 والقاضي بتطبيق القرار 242 والمطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه جميع الأطراف المعنية.. وإجمالاً استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في جميع مشروعات القرارات التي تدين جرائم إسرائيل وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني.

كما أنّ أمريكا لم تلق بالاً لميثاق الأمم المتحدة عندما قامت بغزو العراق في عام 2003، دون غطاء من مظلة الشرعية الدولية، فكان ذاك التدخل المرعب والذي يُعاني العراق من آثاره الوخيمة حتى اليوم، نفذت الولايات المتحدة الغزو من دون غطاء قانوني، الأمر الذي شكل إهانة للأمم المتحدة وصفعة قاسية للشرعية الدولية.. خاصة عندما تقوم دولة عظمى مثل الولايات المتحدة وبتصرف انفرادي مُدمر باختراق سيادة الدول وغزوها بالحديد والنار .. إنّه منطق "الكاوبوي الأمريكي" الذي نال كثيراً من فعالية الأمم المتحدة، وهمش أدوار المنظمات التابعة لها، وأصابها بالإحباط.

إنّ مثل هذه الأحداث المريعة والمُدمرة للسلام العالمي هي التي تفرض علينا اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى المطالبة بإصلاح ميثاق الأمم المتحدة حتى لا تتكرر ظاهرة الانفراد مرة أخرى ولتبقى المنظمة حامية بحق للسلم العالمي..

وخلال العشرين عاماً الماضية، أجهض "الخمسة الكبار " مطالب مشروعة لدول مثل ألمانيا واليابان والهند والبرازيل وإيطاليا في أن تصبح دائمة العضوية بمجلس الأمن .. كما أنّ سلطة الفيتو تعرقل الكثير من الإصلاحات التي تستهدف تعزيز دور المنظمة، وهنا يمكن الإشارة إلى ما واجهه اقتراح توسيع عضوية مجلس الأمن بإدخال دول دائمة العضوية فيه تمثل كتلاً جغرافية مهمة كالمجموعة العربية، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا، بما يعكس التعددية، وتنتفي معه ظاهرة الانفراد بقرارات الأمم المتحدة خاصة وأنّ المنظمة يمكنها أن تلعب دورًا أكبر وأكثر فعالية بما لديها من إمكانات منها قوات تعمل على حفظ السلام إضافة إلى المنظمات المتخصصة التي تعمل كأذرع تعاون المنظمة الأممية على لعب أدوار مهمة على كافة الصعد.

ونختتم بالقول: إنّ إصلاح الأمم المتحدة صعب، لكنه ليس بالمستحيل وهو الطريق الوحيد المتاح لحفظ السلم والأمن العالميين.

تعليق عبر الفيس بوك