وسائل التواصل الاجتماعي تسحب الشباب السبلة والمجالس العامة

مواطنون يثمنون جهود الحكومة في إنشاء قاعات المجالس ويطالبون بتفعيل دورها

 غصن العبري: عادات المدن ومظاهر الحياة العصرية قللت من دور السبلة في التنشئة

هاشل الغافري: السبلة كانت بمثابة مؤسسة مجتمعية تنشر العادات والتقاليد بين الأجيال

سلطان الصارخي: التقنيات الحديثة خلقت فجوة واضحة بينالشباب والشياب

حمدان العبري:على كل ولي أمر أن يوجه أبناءه للمشاركة في المجالس العامة منذ الصغر

عبدالله العبري: المجالس فقدت بريقها برحيل الشياب الذين كانوا يرعون شؤونها

سلطان الكلباني: لابد من استغلال المجالس في مناقشة قضايا تلامس اهتمامات الشباب

 أكد عدد من المواطنين تنامي ظاهرة عزوف الشباب عن حضور الفعاليات التي تنظمها المجالس العامة بمختلف المناطق، وعزوا ذلك إلى تأثر الشباب بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت والهاتف، مما أدى إلى الاستغناء تدريجيًا عن التواصل المباشر مع أفراد العائلة وأهل القرية من خلال الاجتماع في قاعات المجالس العامة. وأشاد عدد ممن استطلعت "الرؤية" آراءهم بدور الحكومة ومختلف الجهات المعنية في إنشاء الكثير من المجالس العامة بجميع المحافظات لإحياء دور السبلة العمانية التي ساهمت في تنشئة الأجيال من خلال نقل الخبرات بين الأجداد والأبناء والأحفاد. وقال المشاركون في الاستطلاع إنّ الدور الأكبر يقع على عاتق ولي الأمر والأسرة، حيث من الواجب على ولي الأمر أن يعوّد أبناءه مبكرًا على المشاركة في مختلف الفعاليات والمناسبات الاجتماعية التي تستضيفها المجالس العامة، ليعتاد على التمسك بتقاليد المجتمع العماني كلما تقدم به العمر.

 

عبري- ناصر العبري

 

وقال الشيخ غصن بن هلال العبري عن علاقته بالسبلة العمانية إنّه كان دائمًا ينحاز إلى تجربة السبلة التي كانت أكثر رحابة وألفة وتتميز بانسجام أطياف المجتمع من مختلف الأعمار، وحين أصبحتمجالس عامةفقدت ما كان يجذب الجميع للاستجمام وتبادل الخبرات الحياتية بين مختلف الفئات العمرية، فقد كان الكبار يحرصون على الحضور إلى السبلة باعتبارها مصدراللأخبارومكانًا مناسبًا لمناقشة مصالح الحي المحيط أو البلدة بأكملها، وكان الشباب أيضًا يحضرون إلى السبلة للاستماع إلى أحاديث أجدادهم واكتساب الخبرات، والاستمتاع بكل ما يعرض من فنون شعبية تراثية، حتى كان من الممكن أن نصف السبلة بأنها ورشة عمل موسعة يتلقى فيها الشاب الدروس العملية في مختلف شؤون الحياة.

وأضاف العبري أنّ عادات المدن ومظاهر الحياة العصرية أخذت الناس من السبلة وفرضت مناخا جديدا مختلف كليا عن أسلوب الحياة الذي اعتاده أبناء القرية الذين تفرقوا بين عواصم المحافظات مع اختلاف مؤسسات العمل ومقار الإقامة، والتحق الشباب بالمدارس العصرية، وأضحت اهتماماتهم ومشاغلهم منصبة على أمور المذاكرة والترفيهوصارت الأسرة أكثرانشغالا بشؤون الحياة، وبدأت تتشكل ثقافة جديدة في المجتمع قوامها أنّ مهمة التربية والتعليم لم تعد من مهام الأسرة أو حتى المجتمع، حتى أنّ الدور الأساسي للسبلة وهو تهذيب النشء وتقويم السلوك لم يعد من أولويات المجتمع، ومع مرور السنوات اختفى دور السبلةالأساسي، حتى بعد أن عادت السبلة في صور حديثة، وعي المجالس التي يقتصر دورها على المناسبات الاجتماعية، لذلك لم تعد المجالس تستهوي الفئات العمرية الشابة إذ لا ترى فائدة من قضاء وقت فيها في ظل غياب دور المجالس الحقيقية.

أدوار اجتماعيّة وتوعوية

وضرب العبري مثالا بمهام السبلة التي كانت تشمل التدخل لإصلاح الحال بينالمتخاصمين، وكانت السبل تعمل بالعرف في البلدة وتقر أمورًا وتلغي أخرى مما كان يساهم في عدم لجوء الناس للحكومة في فض الخلافات بل كان المواطن يعتذر أولا للوالي والقاضي لشغلهم بأمور يراها لا تستحق أن تصل إليهم حين يوجد الرجل العاقل في البلدة، ومن هنا وجد الشباب أنّ السبلة التي يتحدث عنها الآباء لا توجد إلا في مخيلتهم، فلماذا يضيعون وقتهم في المجالس الحديثة، خصوصًا في ظل انتشار شبكة الإنترنت في جميع المناطق مما زاد من انشغال الشباب بشؤون دنياهم وانحيازهم لوسائل التواصل الاجتماعي التي قضتعلى المجالس نهائيا، لذلك ليس مستغربًا أن نجد الشباب حين يدخلون إلى المجالس يتحدثون مع البعيد عبر الهاتف والإنترنت ويهملون الذين على يمينهم ويسارهم، لكن تبقى هناك قلة قليلة من الشباب تتمسك بتلك العادات العمانية الأصيلة، وعليهم ينعقد الأمل.

ومن جانبه، قال الدكتور هاشل بن سعد الغافري إنّالمجلس في القرية العمانية كان بمثابةمؤسسة مجتمعية مدنية لها دور كبير في نقل القيم والعادات والتقاليد من الآباء للأبناء حيث تلتقي فيه الأجيال الثلاثة الجد والابن والحفيد كما لعب دورًا كبيرا في ضبط قيم المجتمع وثقافته وعاداته وتقاليده إلا أنّ متغيرات الحياة المعاصرة أثرت بشكل كبير ومباشر في أداء تلك المجالس وغابت أدوارها، وذلك قد يعود لأسباب عديدة منها: ظهور مؤسسات المجتمع المدني كالأندية والجمعيات والفرق الشبابية التي استطاعت أن تجذب فئة الشباب على مختلف أعمارهم،وكذلك نظام العمل الوظيفي بنوعيه الحكومي والخاص فرض على الفرد الانتقال من قريته إلى أماكن أخرى وبالتالي يصعب عليه التواجد فيتلك المجالس. ولا نغفل تأثير ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها مما أدى إلى وجود عوالم افتراضية يقضي معها الفرد ساعات طويلة من اليوم مما سبب له عزلة اجتماعية، كما أنّ أساليب الحياة المعاصرة فرضت أنماطًا جديدة من العلاقات وأساليب الحوار بين الأفراد في المجتمع الواحد وهذه الأنماط أثرت بشكل كبير في غياب الحوار والتواصل بين جيل الآباء والأبناء. وأرى أنه بات من الصعب عودة هذه المجالس إلى نفس فاعليتهافي صورتها الأولى لكن يمكنتفعيلها من خلال الفرق والأندية والجمعيات عن طريق مشاركة الآباء واندماجهم في تلك المؤسسات مما يضمن فرصة أكبر للحوارونقل الخبرة من الكبير للصغير.

تأثير التقنيات الحديثة


وقال سلطان بن سيف الصارخي إنّالتقنية الحديثة خلقت الفجوة الواضحة بين جيل الشباب والشياب، فضلا عن الانشغال بالوظائف والمشاريع والاهتمام الزائد بالكماليات وغيرها من الأسباب، وعلى الرغم من أهميّة التقنية في حياتنا إلا أنّها باتت نقمة في ظل انجراف الكثير من الشباب إلى الاكتفاء بها وإهمال الاستفادة من خبرات الآباء والأجداد، خصوصًا وقد صارت برامج التواصل الاجتماعي هي المسيطرة على فرص الحوار المجتمعي بين الشباب ومختلف القطاعات، حتى صار الشاب يتواصل مع أفراد أسرته من خلال تطبيقات الهاتف وخدمات شبكة الإنترنت.

وساهم انشغال البعض بالتوسّع في المشاريع والسعي لامتلاك المزيد من الكماليات في نقص بالجوانب الاجتماعية لدى البعض حيث لم يعد هناك وقت لدى الشاب ليقضيه مع كبار السن أو حتى مع أقرانه الشباب، وهو ما فوت على الجيل الحالي الكثير من الخبرات التي كان من الممكن اكتسابها من واقع الحياة، وأهملنا المثل الشعبي القائل بأن أكبر منك بيوم أعلم عنك بسنة.

وقال حمدان بن محمد العبري إنّمن أهم أسباب عزوف الشباب عن المجالس العامة انشغالهم بالتقنية الحديثة التي انتشرت بشكل كبير في المجتمع وبين الشباب خاصة ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.كما أنّانشغال الشباب بهواياتهم المختلفة وممارستها يوميًاأبعدتهم عن الحضوروالمشاركة في المجالس العامة فضلا عن ابتعاد ولي الأمر عن أبنائه وعدم تشجعيه واصطحابهإيّاهمإلى المجالس العامة وحلقات الذكر منذ صغرهم مما كان له الأثر في نفوسهم فأصبحت رغبتهم بحضور المجالس تكاد تكون منعدمة لعدم وجود تشجيع من جانب الأسرة.
من البداية

وناشد العبري كل ولي أمر أن يصطحب نجله عندما يذهب إلى المجلس على سبيل المثال في تقديم واجب العزاء أو المشاركة في ندوة أو حضور حفل أو مناسبة تقام بالبلدة ويجب عليه تعليمهم آداب الجلوس والتحدث في المجالس وتبصيرهم بالعادات والتقاليد والقيم التي توارثناها أبًا عن جد كما ناشد وزارة التربية والتعليم تخصيص حصة في الأسبوع لتعليم الطلبة والشباب العادات والتقاليد التي كانت موجودة ومتعارف عليها في مجتمعنا العماني، ومن ضمنها الحضور والجلوس في المجالس العامة، كما يجب على المعلمين اصطحاب مجموعة من الشباب بين فتره وأخرى والذهاب بهم إلى المجلس العام في حال وجود عزاء على سبيل المثال في البلدة وتبصيرهم بما كان يفعله أجدادهم وآباؤهم في الماضي.

 

أولوية التواصل الإلكتروني

وأضاف الإعلامي خليفة بن محمد الشماخي أنّمتغيرات الحياةوالهجرة بين المحافظات من أجل البحث عن الوظيفةوغيرها من العوامل إدت إلى عزوف الشباب عن زيارة المجالس، خصوصا في ظل الغزو الإلكتروني والتقني الذي أدى إلى استغناء الناس عن التواصل المباشر.

وقال عبدالله بن علي العبري إنّ المجالس فقدت بريقها برحيل الشياب الذين كانوا يرعون شؤونها واحدا بعد الآخر، وأصبح الشباب يجلسون مع أقرانهم من أعمارهم وأصبحت التقنيةالحديثة شغلهم الشاغل وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي كل ما يهتمون به كما أنّ النزعة الماديّة طغت على العلاقات الاجتماعية النبيلة.

وقال سلطان بن محمد الكلباني إنّالمجتمع العماني محافظ على عاداته وتقاليده وقيم الترابط بين أفراده، ولو نظرنا إلى تاريخ عمان القديم لوجدنا دور المجالس العامة في حياة المجتمع العماني مؤثر في حل الخلافات وبحث الشؤون العامة. وتكريسًا لهذه القيم نجد الحكومة تقوم ببناء العديد من المجالس العامة في جميع مناطق السلطنة، ورغم ذلك نلاحظ عزوفالشباب عن هذه المجالس لأسباب كثيرة من أهمها: عدم استغلال المجالس في بحث أمور تلامس اهتمامات الشباب بل اقتصر دورها على المناسبات الاجتماعية، لذلك يجب على من يديرون هذه المجالس أنّ يعملون على إعداد ندوات مبسطة وحلقات نقاشية ومحاضرات تناقش قضايا الشباب بالتعاون مع أهل العلم والاختصاص والخبرة من كبار السن مما يسهم في تعميق الفكرة المراد إيصالها للشباب.

وقال عبدالله بن علي الكلباني أخصائي اجتماعي إنّهذه الظاهرة في تزايد، ولا أرجع السببإلى الشاب، وإنّما للأسرة وولي الأمر، ولو قارنا المجالس العامة في التسعينيات مثلا لوجدنا السبلة مكتظة بالشباب والأطفال يشاركون الجميع في تنظيم ورعاية أي مناسبة،وكان ذلكبفضل حرص ولي الأمر على مشاركة أولاده في فعاليات السبلة. أمّا في الوقت الحالي،فيغلب على الآباء عدم وعيهم بهذه القيمة الأصيلة وتأثيرها على شخصية الأبناء، خاصة في ظل تعدد الالتزامات وعدم وضع هذه القيمة ضمن الأولويات.

تعليق عبر الفيس بوك