علامة استفهام بين المرأة والشورى

زينب الغريبية

المرأة والمشاركة السياسية حديث أزلي وممتد، لم يتم حسمه حتى على مستوى الدول المتقدمة، إلا أنّ الجو العام الآن في ظل التأهب لانتخابات مجلس الشورى للدورة الثامنة، تزداد حدةهذه القضيّة فيه،وتتسع مجالات الحديث، فعلى صفحات الجرائد، وفي قاعات النقاش في الندوات والجمعيات تدور الحوارات وتحتد النقاشات حول ترشح المرأة، وعقبات وصولها لمجلس الشورى نتيجة الانتخابات الحرة التي تجري.

والسبب الرئيسي الذي يتصدر هذه العقبات هي القبلية، فهل يعني ذلك أنّ النساء لا ينتمين إلى القبائل، أم أنّ القبائل لا يمكن أن تقدم نساءها لتمثيلها؟ وتفضل تمثيل الرجل؟ من باب هيمنة السلطة الذكورية في المجتمع. أم أنّ المرأة التي رشّحت نفسها إلى الآن غير مؤهلة لقيادة هذا الموضوع؟ وصناعة موقف لنفسها تسحب فيه البساط عمن يترشّح في منطقتها أو الولاية التي تترشح فيها؟

حضرت حلقة نقاشيّة في جمعية المرأة العمانية بمسقط الأسبوع الماضي، تناولت فيها هذا الموضوع، وقد كان المناقشون من النساء والرجال، وطرحوا قضايا عديدة حول الموضوع، النساء الحاضرات منهن ممن خضن تجربة الانتخابات ووصلن إلى كرسي المجلس، ومنهن نساء بارزات في المجتمع، أمّا الرجال فمنهم المسؤول ومنهم الأكاديمي والمتخصص في قضايا ذات صلة بالموضوع، ورغم إثارة قضايا عدة، إلا أنها لم تخرج عن نطاق عائق القبلية، والمجتمع الذكوري، كأبرز عقبات تواجه المرأة، ولكن الأسئلة التي تتبادر إلى ذهني حين استمعإلى هذه الأطروحات: هل المرأة المترشحة الحالية هي الأكفأ فعلا؟ وهل تقوم بفرض نفسها حسب كفاءتها بطرق دعائية علمية ثابتة؟ وهل تقدم نفسها للمجتمع بالطريقة الصحيحة التي تقنع الآخرين بإمكانياتها؟ وهل تمتلك المعرفة الحقيقة بدورها المنتظر؟ وبالقوانين والأنظمة للدولة والاقتصاد والسياسية والمجتمع؟ وهل تمتلك رؤية واضحة ومسارًا محسومًا وهدفًا تسير لتحقيقه وقضية تحدد مسار حملتها الانتخابية؟ لو استطعنا الإجابة عن كل هذه الأسئلة لاستطعنا بالتالي التوصل إلى الأسباب الحقيقة لعدم وصول المرأة للنجاح في الانتخابات، إن كانت متعلقة بالكفاءة أم بأسباب مجتمعية؟ أم لكلاهما معًا..

أنا هنا لا أحدد الأسباب ولا أقول إنّ العيب يكمن في الكفاءة أو في المجتمع، وإنّما هي تجليات للبحث في الموضوع من جميع جوانبه، لا أن نعلق الموضوع على شماعة المجتمع دون البحث والتقصي في الموضوع بشكل علمي مدروس، واستبيان الموضوع من جهات مختلفة، للتوصل للمعوّقات الحقيقية التي تعرقل وصول المرأة إلى المشاركة السياسية، وضعف الثقة بها في هذا الجانب، ورغم ذلك لفت انتباهي ثلاث ملاحظات كنت قد خرجت بها من أطروحات المناقشين في تلك الحلقة النقاشية التي ذكرتها، والتي يجب أخذها في عين الاعتبار عند الرغبة في طرح قضية المرأة ومشاركتها السياسيّة وتشجيعها على ذلك، والمساهمة في حل هذه القضية، أولا: إعداد المرأة إعدادًا صحيحًا على أيدي خبراء متخصصين في الموضوع، لتكون كاريزما المرأة السياسيّة المجتمعية الفاعلة، القادرة على تبني خطط وسياسات، وحمل قضايا والدفاع عنها، الواعية لإدارة حملاتها التوعوية والانتخابيّة، القاردة على إبراز نفسها، والثبات أمام المنافسة، وإن كان هذا الإعداد يحتاج إلى بنائه لبنة لبنة منذ صغرها في المدرسة والبيت، إلاأنّ المجال كحل مرحلي للوضع الراهن بأن يتم على شكل دورات وممكن أن تقوم به المرأة المهتمة بنفسها لتطوير ذاتها والنهوض بإمكاناتها.

ثانيا: إذا افترضنا أنّ الوضع الراهن يمثل القبيلة وتكتلها، وسيادة فكر المجتمع الذكوري وصعوبة ترشيح الرجل للمرأة، إن لم يكن مستحيلا في أحيان كثيرة، فالحل المرحلي هو تكتل النساء حول تبني قضيتهنّ هذه وهي قضية إثبات دور المرأة التي يتوفر فيها الشرط السابق وهو الكفاءة، فلو اجتمعت النساء وهن يمثلن ما يقارب نصف عدد السكان في كل ولاية لانتخاب المرأة الأكفأ المرشحة من تلك الولاية، بهدف إثبات أنّ المرأة قادرة وستصل، لتوصل صوت المرأة إلى الجهات المسؤولة بل وقضايا المجتمع بأكمله بكل جوانبها، حينها ستبدأ مرحلة جديدة يزيد فيها الإيمان بأن المرأة قادرة، ويبدأ الوعي بدورها وأهميّته يزداد، حينها تبدأ مرحلة التغيير بأن يشارك الرجل في ترشيح المرأة، ولكن لا يمكننا الإنتظار حتى تحدث النقلة بأن يعم الوعي في مجتمعاتنا الذكورية المتمثلة في النظام القبلي السائد، ونحن ننتظر بأن تعطى المراة فرصتها من قبل الرجل دون حراك منا نحن النساء لإثبات أنفسنا أولا.

ثالثا: ثمّة فكرة طرحت بأن يخصص 30% من المقاعد في المجلس للنساء كنسبة ثابتة تتنافس عليها النساء، و70% من المقاعد يتنافس عليها الرجال، وتلك أيضًا فكرة أعتبرها رائعة كحل مرحلي، فبدلا من أن نطالب بنظام الكوتة، والذي أعتبره إلغاء لمعنى الممارسات الديمقراطية، وتصريحًا رسميًا بفشل المرأة في المنافسة، وفشل المجتمع في إنتاج المرأة القادرة، أتت هذه الفكرة لتشكل المخرج المنطقي والحل المرحلي الذي تتحق معه الديقراطية وتتنافس فيه المرأة مع قريناتها النساء، لتصل الأفضل من بينهن والتي استطاعت أن تثبت للمجتمع أنّها الأكثر قدرة وأنّها تستحق أصواتهم.

وهنا تجتمع ركائز ثلاث ممكن أن تعتبر منطلقات لصناعة المرأة المشاركة سياسيًا، ومساعدتها للوصول لهذه المكانة، وهي إعدادها أولا وتضامنها مع بنات جنسها للدفاع عن قضيتهنّ ثانيا وإتاحة الفرصة لها بإيجاد نسبة ثابتة مخصصة لها في المجلس ثالثا، نكون قد ساهمنا بذلك في دفع المرأة لبوابة المشاركة السياسية بشكلها الصحيح.

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك