متلازمة "نفاد الصبر"...!


مدرين المكتوميَّة

نعيشُ عصرًا اتَّخذ من السرعة عُنوانا، ومن العجلة مِنْهاجا؛ تُؤرجحنا أمواجه يَمنة ويَسرة، وكأننا في "ماراثون" لا يتوقَّف.. في تطور عجيب تحطَّمت على وقع قسوته "أيديولوجية الصبر"؛ فافتقد شبابُنا (الجيل الواعد) تلك الروح الجملية، وذاك المعتقد القويم.

إنَّ افتقادًا للقيمة الحقيقية للصبر -بسبب الوتيرة المتسارعة لعالم اليوم- يفاقم أوجاعًا ويزيد آلامًا، ويضع العراقيل في طريق أحلامنا، تلك الأحلام التي باتت معلقة حتى حين؛ فضلا عمَّا أصاب حيواتنا من توتر واستعجال، أصاب الكثيرين بالاكتئاب العام؛ سيما وأن معظمنا لم يستوعب بعد (أنْ لا شيء يُمكن تحقيقه بـ"ضغطة زر").

... لقد أخذتْ التكنولوجيا منا الكثير وأتت على العديد من قيم مُجتمعنا الأصيلة، حتى باتت حياتنا تمضي بتقنية "الرسائل القصيرة" -عبر وسائل تقنية حديثة تختلف أسماؤها- والتي إن لم يجد صاحبها ردًّا خلال سُويعات، لا يدور في عقله سوى أن من راسله لا يرغب في الرد عليه، في مشهد يخالف كليًّا ما نشأنا عليه من تعاليم تنبني على التماس الأعذار؛ تلك الثقافة التي تحطمت على صخرة التكنولوجيا؛ إذ لم نعد نفكر في أنَّ أحدهم قد يكون مريضا أو مثقلًا بالهموم، أو لديه من الأسباب الأُخر ما يجب أن يؤخذ بالحسبان.

وبعيدا عن الهاتف ورسائله، فمشاهد عديدة من الواقع تؤصل لما يمكن تسميته "الإصابة بمتلازمة نفاد الصبر"، تلك العِلَّة التي بات يُعاني منها الكثير؛ ففي الشارع تجد أحدهم ينتهز أي فرصة للتخطي و تجاوز السرعة المقررة دون الاكتراث لعواقب ذلك، وآخر لا يكف عن استخدام "بوق" سيارته لاستعجال الآخرين للتحرك وإفساح المجال أمامه، دون الالتفات لمغبة ذاك الفعل.. وهذا لا يتحمَّل أعباءَ أعمال إضافية إذا طُلبت منه قبيل وقت انصرافه، وآخرون كُثر في مجالات مختلفة يُترجمون حقيقة إصابتنا بـ"متلازمة نفاد الصبر".

... إنَّ التحلي بالصبر فضيلة يجتاز بها الإنسان الشدائد؛ جوهرها تلك الطاقة الكامنة داخل الإنسان، والتي تعمل على تجميع قوى الاحتمال بداخله فتعينه على الثبات والتأني. وحتى لا يكون الطرح سطحيًّا، يجدر القول بأنَّه يتوجب على "إنسان اليوم" أن يدرب نفسه على "تعلم الصبر" (إن صح التعبير) مع العلم بأن ذلك لن يتأتي إلا إذا كان لديه في الأساس دافع قوي لذلك؛ والتعليم الذي أعنيه هو عملية تعديل في السلوك "تعديلا تقويميًّا" يلتزم فيه المرء بتحقيق الغايات واكتساب الأنماط السلوكية الجديدة التي تساعده على التكيف مع بيئته.. وبهذا تعود أمور حيواتنا إلى نصابها الصحيح، فلا أحقاد ولا خلافات ولا منازعات ولا شحناء، وإنما مودة ورحمة بين الأصفياء، ونقاء حياة في زمن قلَّ في النقاء.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك