بين الدشداشة وربطة العنق

ابتهاج المسكرية

حينما دُعيت إلى الجامعة الألمانية للمشاركة في المشروع الوطني الذي تقيمه جامعة عمان،كنت خائفة جدًا، وكأن لجسدي حجم فيل وأرجل نملة غير قادرة على حمله وجره، إذ كيف سأقف في منصة وثمة أكثر من 200عين تبصرني و200 أذنتتسمّعني؛ مجهزة لالتقاط أي انزلاق لغوي؛خاصة أنّ اللقاء مع ذوائب طلاب المرحلة المدرسية أي أولئك المختارين بمعايير مخبرية دقيقة؛ ولأنني لم استطع أن أكون لئيمة أمام ذاك الكرم الساحق لبيتُ الدعوة،ولضخ الشجاعة في بالون القلب كنت أردد لطمر بئر الخوف(الآخرون خائفون أكثر منك) هذه النصيحة التي أعطاها عم اليزابيل الليندي حينما كانت ترتعد فرائصها من الذهاب إلى أول حفلة راقصة ..الخوف والشجاعة الخصمان المتعاركان على الجلوس في عرش المواقف،أحيانا كثيرة تظن أنك سيد الموقف وأنك سددت لكمة في وجه الخوف، وأنّ شجاعتك دهست جبنك الوضيع بلا رحمة وأي أمل للولادة من جديد،فتعتد بنفسك وتنفش ريشك وتنفخ صدرك كمقدمة سفينة تايتنك ومع أول قزم جليدي تغرق وتتحطم وتضمحل.

كثيرًا ما عزّيت نفسي في لحظات التقهقر بالسيدة العظيمة أم كلثوم،تلك التي عاقرت المنّصات عمرًا،فلوقفتها وقار راهبة، ومهابة تغشى الجماهير في حضرتها؛ إلا أنّها ما فتئت تطلق سراح المنديل الذي استندت عليه في أول ظهور لها عندما استشرى الخوف في الدم وكأنّه (يدٌ تمتد نحوي كيدٍ ...من خلال الموج مدت لغريق).

وأحياناً كثيرة ما يمجدك موالوك ويضعونك في قمة ناطحة سحاب الشجاعة؛ وكأنك ترقب من شرفتك مرور مواكب الخوف والقلق وعدم الثقة والتوتر بموسيقى عسكرية، وأنت تنفث دخان سيجارك ببرود قاتل..هذا ما يحدث حينما تستأسد شجاعة البعض عليك ويحرمونك من ممارسة حقك في الخوف والارتعاد..

يقول نيلسون مانديلا في كتاب "رحلتي الطويلة من أجل الحرية"الذي يحكي سيرته الذاتية إنّه في إحدى الرحلات بالطائرة تعطل المحرك وفزع الجميع وعلى رأسهم مانديلا نفسه إلا أنّه اضطر للجم فك الخوف بقراءة جريدة وتقليب صفحاتها ببطء حتى يمتص كمحرم عرق الجزع من وجوه حاشيته؛ وعندما حطت الطائرة صاح: "يا إلهي كم كنت فزعًا"..

لا أدري أين تنام الشجاعة وأين يعيش الخوف، وأيّهما المحتل لوطن الآخر.. هل نحن مذعورون بالفطرة وسلسلة المخاوف تطاردنا.. وما الشجاعة سوى حالة التباس مفاجئ، صرع من نوع لذيذ؟ أم أننا نرتدي دشداشة الشجاعة وعمامة الثقة وما الخوف سوى ربطة عنق أجبرنا عليها ذات دعوة لحضور حفلة شاي لا تلائمنا؟.

تعليق عبر الفيس بوك