لأول مرة في العالم .. نجاح زراعة صمام داخل صمام في القلب بالمستشفى الجامعي

 

في عملية تعد الأولى من نوعها في العالم وإنقاذاً لامرأة ثلاثينية وجنينها، تمكن فريق طبي بمستشفى جامعة السلطان قابوس من القيام بنجاح بعملية تتمثل في زراعة صمام داخل صمام في صمامين نسيجيين ( الصمام الأبهري والصمام المايترالي ) في القلب وذلك عن طريق القسطرة من خلال فتحة صغيرة في الصدر لم يتجاوز حجمها 5 سنتيمترات والقسطرة.وقاد فريق القلب الدكتور هلال بن علي السبتي وبمعاونة فريق طبي متكامل مكون من جراحين قلب واستشاريين في العلاج القسطري الدقيق للقلب والتخدير وهم: الدكتور عادل بن هاشم الكندي والدكتور طارق علم الدين والدكتور حاتم بن علي اللواتي والدكتور ناصر بن عبدالله الكمياني والدكتور سوريشتشنجودي، واستمرت العملية حوالي ثلاث ساعات تمكن الفريق من خلالها من زرع الصمامين الجديدين وإنهاء معاناة المريضة.

وتتمثل صعوبة العملية في أنها تعد الحالة الأولى من نوعها على مستوى العالم والمتمثلة في زراعة صمام داخل صمام بالقسطرة في صمامين نسيجيين زرعا جراحياً قبل ثمان سنين وتعرضا للتلف بعامل الوقت لامرأة حامل،والتي استوجب التعامل معها أن يكون حذراً بحكم التعامل مع روحين وهما الأم والجنين، والوفاة كانت احد الاحتمالات الصعبة المتوقعة بالعملية أو بدونها.

 

اكتشاف الحالة المرضية:

وحول هذا الموضوع التقينابسعادة الدكتور هلال بن علي السبتي الرئيس التنفيذي للمجلس العماني للاختصاصات الطبية واستشاري أول جراحة القلب والصدر بمستشفى جامعة السلطان قابوس وقائد الفريق الطبي القائم بالعملية فيقول: كانت بداية التعامل مع الحالة في شهر ديسمبر 2014م، حيث تم تحويل مريضة تبلغ من العمر 34 سنة لمستشفى الجامعة وكانت تشكو عدد من الأعراض المتكررة والناتجةعن معاناتها من تضيق في الصمامين (الصمام الأبهري والصمام المايترالي) وذلك كونها حاملة لتاريخ مرضي وتعاني من مشاكل في القلب، حيث أنها سافرت لأحدى الدولخارج السلطنة قبل 8 سنوات، وخضعت لزراعة صمامين نسيجين للصمام الأبهري والصمام المايترالي عن طريق عملية الصدر المفتوح.

­­­­­­­

أنواع الصمامات:

تقسم الصمامات التي تزرع في القلب إلى نوعين: صمام معدني وصمام نسيجي، الصمام المعدني يتميز بعدد من المواصفات ومنها أن مدة بقائه وصلاحية عمله تكون أطول من الصمام النسيجي الذي يحتاج إلى تغيير بعد عدد من السنين، ولذلك تقوم أغلب المستشفيات بزراعة الصمامات النسيجية لكبار السن فوق عمر 60 سنة، لأن مدى الحياة معهم يكون أقصر، وفي الجانب الأخر فأن زراعة الصمام المعدني يصاحبه تتناول حبوب مسيلة للدم (الوارفرين) على مدى العمر، بينما الصمام النسيجي لا يحتاج إلى حبوب مسيلة للدم.

ونظراً لحالة المريضة الصحية حيث أنها كانت تعاني من ضيق التنفس وهي في مقتبل العمر كان من المفترض عليها أن تقوم بزراعة صمام معدني بدل الصمام النسيجي ولكن لتخوفها من تناول الحبوب المسيلة للدم (الوارفرين)والتي قد تؤثر على مراحل الحمل والنزيف فقد اختارت زراعة صمامين نسيجيين.

 

التحضير للعملية:

فيما يخص التحضير للعملية يقول الدكتور حاتم بن علي اللواتي استشاري أمراض القلب بالمستشفى الجامعي: خضعت المريضة لعدد من الفحوصات الطبية تبين من خلالها ضرورة استبدال الصمامين النسيجيين الذي تم زراعتهما سابقاً خارج السلطنة بصمامين جديدين، وأثناء مرحلة الفحوصات ما قبل العملية تبين أن فحص الحمل عند المريضةموجب وأنها في الأسابيع الأولى من الحمل، الشيء الذي يوجبعليها أن تسقط الحمل لأن أعراض تضيق الصمامات كانت ظاهرة بشكل واضح وهي تعاني من مشاكل ضيق في التنفس من جراء تضيق في الصمامين وذلك بدوره يؤدي إلى فشل في القلب.

فما يحدث في تضيق الصمام الأبهري والصمام المايترالي هو أن الدم يحتبس في البطين الأيسر ثم الأذين الأيسر ثم يرتجع الدم إلى الرئة فيسبب هذا ما يسمى بالدارج المحلي عند العمانيين ب (ماء في الرئة) وذلك يسبب ضيق أثناء بذل أية مجهود.

تم إبلاغ المريضة عن حالتها الصحية وما تعانيه من أعراض والتي تستدعي ضرورة اسقاط الحمل حفاظاً على حياتهاوخاصة أن الحمل في أسابيعه الأولى، وأيضاً لأنها تعاني أعراضاً واضحة منجراءالتضيق في الصمامين وضيقاً ملموساً في التنفس وبدايات أعراض فشل عضلة القلب، ولكنها عارضت بشدة ورفضت اسقاط الجنين وذلك كونها كانت كثيراً ما تنتظر هذا الحمل لتسعد به نفسها وأهلها.

ويقول الدكتور عادل بن هاشم الكندي استشاري جراحة القلب والصدر بالمستشفى الجامعي:بعد رفض المريضة اسقاط الحمل وتمسكها بقوة بقرارها في الاستمرار في الحمل دون الموافقة على أي مساومة في ذلك، وكان أمامها في هذه الحالة ثلاثة خيارات علاجية: الأول أن تسقط الحمل وهو الذي كان يؤيده الفريق الطبي نظراً لحالتها الصحية التي تمر بها، والثاني أن تعمل العملية الجراحية التقليدية وتجرى العملية بعد أن يثبت الحمل ليكون في أسبوعه الخامس عشر، وبهذا هناك احتمال بأن يحدث الإجهاض أثناء العملية، والثالث هو أن تجريعملية زراعة الصمامات بالطريقةالقسطرية الحديثة وهي أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجالوتستخدم هذه الطريقة للحالات الخطيرة فقط، وكبار السن ولكن لم يسبق أن أجريت من قبل لامرأة حامل.

 

وتضيف الدكتورة نهال بنت محمد الريامية استشاري أول أمراض النساء والولادة والحالات الحرجة للحمل: كان الفريق الطبي يرجح أن تجرى العمليةبالطريقة الأولى والتي يكون فيها اسقاط الحمل لأن خطورتها تكون أقل وذلك بسبب أن الرجوع إلى الحياة الطبيعية سيكون أسرع ولا تحتاج لجهاز قلب ورئة صناعيين، ومع هذا كله إلا أن خطورة العملية بحد ذاتها لا تقل عن خطورة العملية التقليدية والتي يكون فيها احتمال الوفاة للأم والجنين، ومع مرور الوقت تضاعفت أعراض المرض وكانت المريضة كثيراً ما تزور قسم طب الطوارئ بمستشفى الجامعة لتفاقم حالتها مع مرور الوقت، على الرغم من كل هذا إلا أنها كانت متمسكة بشدة على إبقاء الحمل وذلك لخوفها من أن تكرار الحمل قد يكون صعب مرة أخرى.

 

الاستعداد للعملية:

عقد الطاقم الطبي عدد من الاجتماعات قبل العملية، وتم تنويم المريضة بحضور استشاري التخديرواستشارية أمراض النساء والولادة التي تابعت المريضة عن كثب أثناء فترة الحمل،وقبل العملية تم اتخاذ بعض عمليات الاحتياط لمثل هذه العمليات كاستخدام أدوية معينة لتخفيف العبء على القلب ومن دون أن تؤثر على الحمل، واستخدام جهاز الأشعة فوق الصوتية وذلك للتقليل من الإشعاع، وكذلك تم تغطية مكان الجنين للتقليل من تعرضه للإشعاع وإعطاء المريضة أدوية معينة لتثبيت الحمل.

وقبل العملية تم التواصل مع الدكتور فيني بيبت جراح قلب من لندن في المملكة المتحدة وهو متخصص في العمليات الحديثة في مجال زراعة صمامات القلب للأخذ باستشارته الطبية والاشراف على العملية، وكذلك تم التواصل مع مخترع عمليات زراعة الصمامات بالطرق القسطرية، للاستفادة من خبراته في هذا المجال، حيث تبين أن هذه الحالة هي الحالة الأولى التي تمر عليهما بهذا الوضع وقد أبدى استعدادهما أن تنفذ العملية بحضورهما وذلك لاستشارتهما وإشرافهما في أي تدخل طارئ، وهذا ما يعكس مدى التعاون والتنسيق بين الكفاءات الطبية المحلية والخارجية وذلك لتحقيق الهدف الأسمى للرقي بالخدمات الصحية والتخصصية والعلاجية بالسلطنة.

 

التحديات:

تقدر مساحة الفتحة التي اجريت عليها العملية ب 5 سم وذلك عن طريق الجراحة القسطرة الدقيقة، وإن هذا الإجراء كان بديلا عن التدخل الجراحي التقليدي لعمليات القلب المفتوح لاستبدال الصمام نظرا إلى المخاطر الصحية المحتمل حدوثها، حيث أنحجم الصمام المايترالي لم يكن متوفر في السوق فطلب خصيصاً لهذه العملية، فالصمام الأبهر الأورطي كان من حجم 23 مموتم استبداله بنفس الحجم وكذلك الصمام المايترالي كان بحجم 29مم وتم استبداله بنفس الحجم، ويعد إجراء هذه العملية بالطريقة الحديثة ذا فوائد صحية عديدة، ونتائج ايجابية كثيرة تعود على المريض بالفائدة ليمارس حياته بالشكل الطبيعي منها تحسن الحالة المرضية وتخفيف الأعراض التي كان يعاني منها سابقا نتيجة العملية تقليل أيام التنويم في المستشفى بعد العملية وبعدها يعود المريض إلى ممارسة حياته الطبيعية بشكل صحيح، وكذلك تقليل حدوث التهاب للجروح جراء العملية

 

ما بعد العملية:

بعد الانتهاء من العملية ظلت الحالة تحت المراقبة والاشراف المباشر الدقيق من قبل الطاقم الطبي، حيث أن قسم أمراض النساء والولادة كان يتابع حالتها بالفحص المستمر وبإعطائها أدوية معينة لتثبيت الحمل، وأدخلت للعناية المركزة لإزالة جهاز التنفس الصناعي وبعد ذلك نقلت للجناح لتلقي الرعاية الصحية، وبعد العملية ولله الحمد تعافت المريضة من أعراض ومشاكل القلب.

 

ولادة الطفل:

بعد المتابعة المستمرة لحالة المريضة من قبل الطاقم الطبي، متمثلة في المراجعة المستمرة كل أسبوعين مع استشاري القلب والقسطرة العلاجية واستشارية أمراض النساء والولادة وحالات الحمل الحرجة، وذلك للاطمئنان على صحة الأم والجنين، تمت الولادة طبيعيا ورزقت المريضة بمولود ذكر مكتمل النمو يتمتع بصحة كاملة ولله الحمد.

 

التوثيق العلمي:

يسجل هذا الانجاز الطبي الذي حققه مستشفى جامعة السلطان قابوس وذلك امتدادا للإنجازات التي يحققها المستشفى الجامعي منذ إنشاءه متماشيا مع رؤية ورسالة المستشفى للرقي بالخدمات التخصصية والعلاجية، وقد حظيت هذه العملية باهتمام الإدارة العليا لجامعة السلطان قابوس، حيث قام سعادة الدكتور علي بن سعود البيماني رئيس جامعة السلطان قابوس بزيارة المريضة والاطمئنان على صحتها فور انتهاء العملية. كما سيتم توثيق الإجراءات والخطوات التي مرت بها هذه العملية للمشاركة بها كورقة علمية في المؤتمرات الدولية في مجال جراحة وأمراض القلب ونشرها في المجلات العلمية المتخصصة.

 

فريق القلب:

يتمتع فريق القلب بمستشفى جامعة السلطان قابوس بالخبرات الواسعة لعمل العمليات النادرة والتي تقوم بها بعض المستشفيات العالمية، والتي تحتاج إلى خبرات واسعة وأيدي ماهرة، ويشهد لفريق القلب محلياً ودولياً في المحافل الطبية بتقدمه السريع وقدرته على الوقوف على هذه الحالات.

ويتكون فريق القلب من نخبة من الاستشاريين في مجال جراحة القلب والقسطرة القلبية الدقيقة وتخدير القلب، ويصب جل عملهم كفريق واحد للنظر بما هو يعد أحدث ما تقدم به الطب الحديث ونقله والعمل به وتقديمه للمواطن والمقيم على أرض السلطنة.

 

وحدة جراحة القلب والصدر بالمستشفى الجامعي:

تعتبر وحدة جراحة القلب والصدر من الوحدات النادرة حيث تعد إحدى وحدتين في السلطنة، وقد تم تزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات الحديثة المتطورة في جراحة القلب والصدر، وقد تم استقطاب مجموعة من الخبرات في هذه الوحدة من نيوزيلاندا، وكندا، والهند.ولقد جاء إنشاء هذه الوحدة نتيجة ازدياد أمراض القلب والتي أصبحت في ازدياد مطرد بسبب التغيير في أنماط المعيشة والحياة السريعة وكذلك ظهور الأمراض مثل الضغط والسكري، وتنقسم الجراحات التي تقدمها الوحدة إلى قسمين هما:أمراض القلب: وهي: زراعة الشرايين لأمراض الشرايين، وإصلاح وتبديل الصمامات القلبية، وجراحة انتظام وتنظيم دقات القلب، وجراحة الشرايين الرئيسية، وجراحات التدخل المحدود لصمامات القلب، أمراض الصدر والرئة: وهي التشوهات الخلقية، والأورام، والتهابات الصدر.

وفي الإطار نفسه فإن الوحدة تتضمن الوحدة عددا من الأجهزة المتطورة الحديثة وهي جهاز القلب والرئة الصناعية، وجهاز تنظيم دقات القلب، وجهاز تحفظ الخلايا الدموية لإعادة استخدامها .

ويبلغ معدل العمليات التي تقوم بها الوحدة بلغت خمس عمليات أسبوعيا، وبلغت عدد العمليات التي قامت بها الوحدة مذ افتتاحها أكثر (1000) ألف عملية صدر وقلب وقد بدأت الوحدة نشاطها من 25 مارس لعام 2008م.

 

وبالنسبة للأخصائيين والطاقم الموجود بالوحدة فيوجد ثلاثة استشاريي جراحة وأربعة أخصائي جراحة قلب وثلاثة للتروية القلبية، و ثلاثة استشاريي تخدير قلب ومجموعة من المساعدين والفنيين وطاقم التمريض .

تقوم الوحدةبتعاون وثيق بين مختلف الجهات والمستشفيات في السلطنة، وكذلك التعاون الوثيق منذ إنشائها مع المراكز الطبية في كندا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك حتى يكون مستوى الخدمات والعناية التي تقدمها يضاهي المستويات العالمية المعروفة.

تعليق عبر الفيس بوك