بعد ما يُقارب العشرين عاما: طلاب الجامعة ينتخبون

د. سيف المعمري

أذكُر أنَّني كنتُ في السنة الثانية من دراستي بالجامعة في العام 1996، عندما احتجَّطلابُ الجامعة على عدم وجود اتحاد طلابي يُتيح لهم تمثيلًا داخل الجامعة وهم يُمثلون العدد الأكبر فيها، وهم الهدف الأساس لها؛ فلماذا لا يكون لهم صوتاً في كلِّ ما يُتَّخذ من قرارات داخلها -سواء كانت قرارات أكاديمية أو خدمية- كانت قاعة المؤتمرات يومها مشحونة عند الحديث عن هذا الأمر أمام اللجنة الوزارية التي أرسلت إلى الجامعة بناءً على توجيهات من صاحب الجلالة السلطان المعظم، ولم يكن الأمر يحتمل الرفض المباشر؛ لذا وَعَد أصحابُ المعالي الطلاب يومها بأنَّ الأمر يتطلَّب الدراسة قبل التطبيق. لكن، وبمرور الوقت، ظَهَر أنَّ الفكرة بدأت تتلاشى، واستعيضعنها بتحسين الخدمات التي تقدمها الجامعة للطلاب؛ وفي مقدمتها: الخدمات الغذائية. وبدا وكأنَّ هناك مخاوفَ كبيرة من وجود صوت للطلاب-سواء داخل الجامعة أو في غيرها من مؤسسات التعليم العالي التي أيضًا طالب طلابها بالأمر نفسه في العام 2011، ولكن يبدو أنه وبعد مُرور ما يقرب من 20 عاما أنَّ هناك قناعات تولَّدت بأنه لابد من الوفاء بهذه الوعود التي طال انتظارها. ولكن تحت مُسمَّى مختلف هو "المجالس الاستشارية".

وتمثِّل "المجالس الاستشارية للطلاب" مرحلة تحول كبيرة جدا في تاريخ الجامعة التي أُسست في العام 1986، وفي تاريخ بقية مؤسسات التعليم العالي، لأنها تحمل كثيرًا من المضامين المهمة لوظائف الجامعة، وكيفية إدارتها، كما تحمل آثارًا على تعزيز الممارسات الديمقراطية في البلد بشكل عام، ويتَّضح ذلك في النقاط التالية:

ففي ما يتعلق بوظيفة الجامعة، فإنَّ إشراكَ الطلاب في القرارات المختلفة يُمثِّل بداية توجُّه نحو تعزيز الوظيفة المدنية للجامعة، هذه البعد المدني يتطلَّب الاستجابة لمتطلبات وأبعاده التي بدأت كثيرٌ من جامعات العالم التركيز عليها، وتشمل عدة أبعاد؛ منها: المواطنة وتعليم العلوم الاجتماعية والحرية الأكاديمية والحوكمة وسلطة القانون والديمقراطية؛ وبالتالي فإنَّ "المجالس الاستشارية للطلاب" تُمثل نقطة انطلاق لتعزيز هذا البعد المدني، وتقييم درجة استجابة الجامعة...وغيرها من مؤسسات التعليم العالي لمتطلباته وأبعاده.

وفي ما يتعلق بإدارة الجامعة، فإنَّ هذه المجالس ستُوجد فضاء تتاح فيه الفرص للجميع بمن فيهم الطلاب للمشاركة في اتخاذ القرارات، بدلا من أنْ لا يكون لهم صوت في كل ما يناقش من أجلهم؛ مما يؤدي إلى مقاومة أحيانا لهذه القرارات، أو عدم جدواها في حل القضايا التي يمرون بها.

أمَّا في ما يتعلق بتعزيز الديمقراطية على المستوى الوطني، فإنَّ وجود هذه المجالس ربما يؤدي إلى نمو الوعي الديمقراطي داخل البلد، هذا الوعي الذي سيؤدي إلى تصحيح كثير من الممارسات الخاطئة التي تنتج عن ضعف الوعي في الانتخابات التي تجرى على أكثر من مستوى -سواء على المستوى الوطني المتمثل في انتخابات الشورى والمجالس البلدية، أو على مستوى انتخاب جمعيات المجتمع المدني التي يتزايد عددها، أو على مستوى انتخابات الأندية الرياضية، أو على مستوى انتخاب النقابات العمالية- وبالتالي؛ فإنَّ بلدًا تجرى فيه انتخابات في كل مكان بحاجة لعملية تدريب حقيقة على كل عملياتها من ترشح وانتخاب، ومن دعاية انتخابية، وحوارات ونقاشات من أجل جعل هذه الانتخابات أداة للتنمية المستدامة وسبيل لضبط عملية اتخاذ القرار.

ونظرا لهذه الأهمية التي تُمثلها "مجالس الطلاب الاستشارية"، أتمنى أنْ يتم التعامل معها بالجدية التي تستحقها، وأن يصاحبها إيمان بقيمتها وآثرها من القائمين على إدارة الجامعة وبقية مؤسسات التعليم العالي، هذا الإيمان والقناعة هما العاملان الرئيسيان في نجاحها في تحقيق أهدافها التي حددت وفقا للدليل التنظيمي الخاص بـ"المجالس الاستشارية الطلابية"، كما اتفق على تسميتهاوالذي دشَّن في أكتوبر 2014م؛ لذا فلابد أن يتاح وقت كافٍ في بداية العام الجامعي للطلاب لممارسة هذه العملية؛ فهي لا تقل في أهميتها عن الممارسات الانتخابية الأخرى التي تتم على مستويات أعلى في البلد، كما أنَّ ضمن نجاح هذه الممارسات تتطلب البدء في تضمين المقررات والتخصصات الجامعية مقررات في التربية من أجل المواطنة، وفي بنية الحكومة وكيفية اتخاذ القرارات بها؛ لأنه لا يمكن أن يلتحق الطلاب بهذه المؤسسات ويخرجوا لا يعرفون شيئا من المعرفة المدنية الضرورية لهم ليمارسوا أدوارهم كمواطنين بعد تخرجهم.

لا شكَّ أنَّ بداية عمل "المجالس الاستشارية للطلاب" سوف تشهد بعض العقبات؛ منها: الوعي الديمقراطي المتربط بهذه الممارسة التي لم يتعود عليها الطلاب نتيجة غياب التدريس الحقيقي للمواطنة ومتطلباتها. وثاني هذه العقبات يتمثَّل في البيروقراطية الإدارية لهذه المجالس والممثلة في العديد من اللجان الممتدة من داخل كل مؤسسة إلى وزارة التعليم العالي. ثالثاً إتاحة الموارد البشرية والمادية لمكاتب هذه المجالس للقيام بمهامها على أكمل وجه. ورابع هذه العقبات: استغلال اللائحة لتحقيق ما هو مفيد لتحسين أوضاع الطلاب الأكاديمية والمعيشية داخل هذه المؤسسات، بدلا من محاولة لتحقيق جوانب قد تؤثر سلبا في المستوى الأكاديمي للطلاب.

... إنَّ للجامعات دورًا مدنيًّا لا يمكن تجاهله والتقليل منه مقابل التركيز على الدور الأكاديمي، الجامعة ليس مقرر وبحث إنما هي أداة مدنية لبناء مجتمعات ديمقراطية مستنيرة، وغرس هذه المبادئ في الطلاب من خلال ممارسات حية كالمجالس الاستشارية يُمثل تدريباً حقيقيًّا لهم لأداء متطلبات المواطنة، وهو لا يقل في أهميته عن تدريبهم على أداء متطلبات مهنتهم المستقبلية.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك