"ريادة" تكشف ملامح إستراتيجية "تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة".. وتوفير فرص العمل والتوازن الاجتماعي بالصدارة

الرُّؤية - نجلاء عبدالعال

تصوير/ راشد الكندي

استعرضتْ الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" -في جلسة عمل أمس- أبرز ملامح الإستراتيجية العامة للهيئة، والتي تقوم على إعدادها شركة استشارية عالمية متخصصة في هذا المجال، وعقدت الجلسة بقاعة المعرفة في مقر المجلس الأعلى للتخطيط.

وتأتي الإستراتيجية كأول مهام وأهداف الهيئة؛ حيث يطلب منها "إعداد إستراتيجية طويلة المدى والخطط والسياسات الخاصة بتنمية المؤسسات ورفعها إلى مجلس الوزراء للاعتماد". ووفقا لهذا النص، فقد أسندت الهيئة لشركة دولية إعداد هذه الإستراتيجية. وكان من أبرز الخطوط العريضة للإستراتيجية التي استعرضها رونالد بيرجر ممثل الشركة الاستشارية، أهمية خلق فرص العمل الجديدة والمتجدِّدة كل عام، مع ضمان التوازن الاجتماعي في تقديم التسهيلات وإنشاء المشاريع بين جميع محافظات السلطنة. وفي التفاصيل. أكدت الإستراتيجية أهمية إيجاد مبادرات عمل تهدف "ريادة" من خلالها إلى تقديم خدمات لرواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ وذلك على 4 محاور؛ تشمل الخدمات الأساسية، وما يتعلق بها من جهود لتحسين الخدمات الإدارية أو الحكومية وتسهيلها. أما المحور الثاني فهو التنسيق بين الأطراف المعنية، والثالث يتضمَّن القيام بدور قاعدة البيانات -سواء لأصحاب المؤسسات أو للجهات الحكومية أو القطاع الخاص- أما المحور الرابع والذي أكدت الإستراتيجية على أهمية إيلائه النسبة الغالبة من جهود ريادة؛ فيتمثل في العمل على تحقيق نقلة نوعية في ثقافة الشباب العماني فيما يتعلق بالعمل الحر، وكذلك المخاطر حول المشاريع.

فيما ركَّز القسمُ الثاني من الإستراتيجية على الخدمات المقدَّمة إلى المؤسسات وكيفية إعدادها؛ بحيث تتناسب مع المؤسسات في فترة التأسيس المبكر وفي فترة النمو، ومن ثم الخدمات التي تقدم للمؤسسات لضمان النضج والاستمرار، مع التركيز على أن توجيه الاهتمام الأكبر لخدمة المؤسسات ذات المحتوى التكنولوجي المتوسط؛ وذلك لضمان خلق أكبر عدد من فرص العمل المناسبة للشباب العماني؛ حيث تحقق المؤسسات التي تعتمد تقنيات عالية مساهمة أعلى في الناتج المحلي، لكنها لا توفر عددا كبيرا من الوظائف والعكس صحيح. وللنجاح في تنفيذ الإستراتيجية وضعت مسودة الإستراتيجية خارطة طريق أمام "ريادة"؛ أهمها: العمل على تأسيس شراكة قوية مع كل الأطراف والمؤسسات المعنية بالأمر سواء الحكومية أو الخاصة.

مسودة أوليَّة

ومن جهته، قال خليفة بن سعيد العبري الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" -في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"، عقب انتهاء المناقشات- إنَّ عرضَ المسودة الأولية للنقاش يستهدف الاستماع لآراء مختلف الشركاء.. موضحا أنَّ هناك جلسات مع عدد من الجهات تعرض عليهم الخطوط العريضة، ويجرى الاستماع لآرائهم ومقترحاتهم، ومن ثم تطوير الإستراتيجية وتحسينها. وأضاف بأنَّه خلال الجلسة تم الاستماع إلى آراء ومقترحات ممثلين من القطاع الخاص والحكومي ومن رواد الأعمال والمهتمين.. لافتا إلى أنَّ الهيئة تستمع إلى الآراء كافة، لتضمين ما يجري الاتفاق عليه في الإستراتيجية النهائية، على أن تخرج في شكلها النهائي واضعة في عين الاعتبار المقترحات المجدية.

وحول الدراسات التي استندت إليها الإستراتيجية، أوضح العبري أنَّ هناك العديد من الدراسات التي سبق إعدادها في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة، وكانت هناك دراسة متخصصة أعدها البنك الدولي في العام 2004. وخلال ندوة سيح الشامخات، كان هناك فريق علمي استعرض كافة الدراسات التي تم إجراؤها في السنوات السابقة، وجمع ملخصاتها في 4 تقارير كانت شاملة لكافة جوانب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أنه خلال الفترة الماضية كان هناك حوارات مستمرة ومستفضية فيما يخص القطاع، وكل هذه الدراسات والنقاشات كانت قاعدة معلوماتية استند إليها لاستشاري في إعداد مسودة الإستراتيجية التي جرى عرضها.

وعلى صعيد التفاعل بين "ريادة" وتوجهات الحكومة نحو التركيز على قطاعات اقتصادية خلال الفترة المقبلة، قال العبري إنَّ الهيئة باعتبارها جزءًا من الحكومة فإن لها دور في توعية وإرشاد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نحو القطاعات التي تهتم بها الحكومة التي تعتبر من القطاعات الإستراتيجية التي تعول عليها الحكومة في خططها متوسطة وطويلة المدى للتنويع الاقتصادي في السلطنة.

وبالحديث عن توقُّع ما يُمكن إنجازه خلال العام الجاري، قال إنَّ جزءًا من أعمال الهيئة هو متابعة تنفيذ قرارات ندوة سيح الشامخات.. مشيرا إلى أنَّ القرارات تضمَّنت مطالب بتسهيل الإجراءات، وجزء منها المحطة الواحدة التي تعمل وزارة التجارة والصناعة على تطويرها، وكذلك تتابع الهيئة تنفيذ القرارات المتعلقة بتخصيص 10% من المناقصات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتتابع الهيئة آليات تنفيذ هذه القرارات وسبل تيسير إجراءاتها.

أهداف واضحة

ومن جانبه، قال الأمين العام المساعد لتنمية الابتكار بمجلس البحث العلمي صاحب السمو السيد الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد -في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إنَّ وجود إستراتيجية واضحة أمر مهم جدًّا بطبيعة الحال؛ نظرا لأنَّ "ريادة" بعد تأسيسها لابد أن يكون لها سياسة ورؤية وأهداف وخطة عمل واضحة، كما أنَّ الإستراتيجية ضرورية لوضع الإطار العام لعمل المؤسسة نفسها، خاصة في ظل محدودية الموارد التي تعمل من خلالها "ريادة"؛ سواء كموارد مالية أو بشرية. وأضاف سموه بأنَّ وضع إستراتيجية تضمن التوظيف الأمثل للموارد بكل أشكالها أمر إيجابي، كما أن الإستراتيجية تبين ترتيب أولويات الأدوار التي يمكن أن تمارسها الهيئة، في ظل أدوار لجهات أخرى تعمل على تعزيز قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفي المقابل، فإنَّ عدم وجود إستراتيجية يعني غياب خطة عمل واضحة.. لافتا إلى أنَّ الإستراتيجية إنما توضع لتبنى عليها خارطة عمل وخطط التوظيف الأمثل للموارد المالية والبشرية.

وأوْضَح سموُّه أنَّ ما تمَّ عرضه خلال الجلسة يمثل الخطوط العريضة والخطوات الاولى للإستراتيجية.. لافتا إلى أنَّ هذه الخطوط الأولية لم تأت من فراغ؛ حيث سبقها كثير من اللقاءات مع الجهات المعنية سواء كانت أصحاب مؤسسات صغيرة ومتوسطة أو جهات رسمية أو غيرها، وهي متعددة في عمان.. مؤكدا أن ما جرى استعراضه يعتبر ملخصا عن الدراسة التي أجراها المكتب الاستشاري المكلف بإعداد الإستراتيجية؛ ولذلك فإنهم يستفيدون من كل الآراء التي يحصلون عليها مع مناقشة الخطوط العريضة للإستراتيجية، ولتفادي أية أخطاء أو نواقص.

وحول أهم النقاط البارزة في الملخص الذي تم عرضه، أكد سموه أن ذلك تمثَّل في الدور المهم الذي أعطته الإستراتيجية لدور "ريادة"، من حيث الوقت والموارد لتوجيهها إلى الجوانب الخاصة بالأنظمة واللوائح، وتغيير ثقافة المواطن إزاء ريادة الأعمال، وهذه نقاط بالغة الأهمية؛ نظرا لأن حقيقة الأمر أن رواد الاعمال بحاجة إلى تغيير في بعض القوانين واللوائح، وكذلك تقديم الخدمات والنصح، كما أن تغيير توجهات الأجيال الجديدة نحو أهمية العمل الحر ينشئ جيلا يسعى بنفسه للأعمال. وتابع بأنَّ هناك جهات أخرى يمكنها تقديم عمل في الجوانب الأخرى. ويرى سموه أنَّ أبرز ما قد يحتاج إعادة النظر في مسودة الإستراتيجية أنها أغفلت الأدوار الأخرى التي تقوم بها جهات متعددة في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ سواء التمويل أو التدريب أو التثقيف.. مشيرا إلى أن كون الإستراتيجية مازالت في مراحلها الأولى يتيح الفرصة للالتقاء بجميع الجهات والمناقشة معها؛ حتى لا يكون هناك ازدواج في الأدوار؛ وبالتالي يُصبح هناك هدر في الأموال والطاقات البشرية، ونعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد هذه اللقاءات والنقاشات.

مباركة سامية

وقال قيس بن محمد اليوسف عضو مجلس إدارة الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" -في تصريحات لـ"الرؤية"- إنه وبعد ندوة سيح الشامخات وبعد الندوة التي عقدت في رحاب جامعة السلطان قابوس، تبيَّن أنَّ هناك العديد من القرارات التي حظيت بمباركة سامية تستلزم وضع برامج لازمة لتنفيذها. وأضاف أنَّه من هذا المنطلق ارتأت "ريادة" أنه من الضروري الحصول على مساعدة المتخصصين في وضع هذه البرامج والأفكار والخطط والأعمال والأهداف؛ من خلال وضع إستراتيجية متكاملة؛ تقسم الأهداف والبرامج إلى خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد حسب الأولويات، وبحيث يمكن قياس نواتج الاعمال مع الاهداف الموضوعة.

وبيَّن أنَّ الشركة التي تقوم بوضع الإستراتيجية قامت أولا بمراجعة قدرات الهيئة من حيث الكوادر البشرية والميزانية السنوية والدور الذي يمكن أن تقوم به ريادة في منظومة العمل الخاص بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع الجهات الأخرى التي تعنى بمختلف الجوانب من التمويل والتشريع والتدريب...وغيرها. أما الجانب الثاني، فكان ترتيب أولويات ريادة، والثالث: التعرف على ما إذا كان هناك ضرورة لتطوير فرق العمل التي تقوم بتنفيذ البرامج التي تعدها ريادة.

وأكد أنَّه من غير الممكن أن تتولى ريادة وحدها كل ما يخص قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما أنه أيضا غير مطلوب فلكل دوره والمطلوب منه، لافتا إلى أنَّ من أبرز ما أعطته الخطوط العريضة للإستراتيجية كان استمرار الخدمات التي تقدمها ريادة مع تأكيد على غايات تسعى ريادة لتحقيقها وهي التركيز على أهمية السعي لتفعيل دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إيجاد فرص عمل جديدة، خاصة وأنَّ السلطنة ستكون بحاجة لتوفير نحو 30 ألف فرصة عمل إضافية كل عام، لمواجهة أعداد الباحثين عن عمل الذين يدخلون إلى سوق العمل سنويا.. مضيفا بأنَّ هناك غاية أخرى تتمثل في ألا يكون التركيز على العاصمة وحدها، أو على قطاعات عمل أو مجالات بعينها، بل يكون هناك تنويع جغرافي وتنويع في المجالات التي يتوسع فيها العمل الخاص الريادي.

وتوقع قيس اليوسف أن تحقق الإستراتيجية في صورتها النهائية نجاحا في المساهمة في تنويع الاقتصاد العماني على المدى المتوسط والطويل في ظل التعاون والتكامل الذي يربط جميع الجهات المعنية وبدور ريادة كرابط ومنسق بين جميع الأطراف، وكل هذا في ظل المباركة والاهتمام السامي بتفعيل دور هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك