المكوِّنات والعناصر البارزة في قوَّة عُمان الناعمة


ناصر أبوعون

إذا كُنا في مُقاليْن سابقيْن انتهينا إلى أنَّ القوَّة الناعمة تعني أنْ تكون للدولة قوة روحية ومعنوية؛ من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم الذي تقدِّمه في مجالات حقوق الإنسان والثقافة والفن؛ مما يُؤدِّي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره.

وبمحاولة تقريب الصورة ومعايرة المفاهيم على موارد "القوة الناعمة"، يتضح أنَّ عمان تمتلك رصيدا كبيرا من عناصر هذه القوة المشحونة بـ"فكر، وحضارة، وطراز معيشة" يُمكن تصديره إلى شعوب العالم الأخرى؛ مما يقتضي أن تكون رسالتها في إطار "دعوة عالمية"، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن "قوة عمان الناعمة" تكمن إجمالا في "ثقافتها"؛ حيث تتمتع بقدر كافٍ من الجاذبية، والقيم السياسية يمكن للعابر لا المقيم فقط التقاط مفرداتها وعناصرها في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة العمانية، إضافة إلى تمتع السلطنة بسياسة خارجية مستقلة ومستقرة على ثوابت راسخة كجبال الحجر الشرقي. وإضافة إلى ما سبق، فإنَّ السلطنة -بوصفها دولة إسلامية حقيقية- سوف تكون وظيفتها الرئيسية حمل "الدعوة الإسلامية" إلى العالم، وإذا ما أضفنا "قوة المبدأ والحضارة الإسلامية" إلى "قوة السلطنة العسكرية"، و"سلطانها المادي"، حتى إنها تسعى إلى نشر مبادئ الحضارة الإسلامية كلما يمَّمت وجهها شطر المغرب أو المشرق، وتعمد إلى ترسيخ تجربتها الشورية وتطبيقاتها لمبادئ الإسلام الكبرى في "سياساتها الداخلية" و"سياستها الخارجية"، وتحاول جاهدةً الإبداع في إيجاد الأساليب التي تؤدي إلى جعل "القوة الناعمة" قوة جذب وإبهار حقيقية تُؤثر في البشرية جمعاء، ويمكننا هنا الإشارة إلى العناصر البارزة في خارطة "قوة عمان الناعمة"، ويتقدم هذه العناصر: السلطان قابوس بوصفه "رمزا عربيا وقائدا ملهما" سياسيا وعسكريا وثقافيا، بشهادة أشهر عشر جامعات أمريكية، وعدد كبير من مراكز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية المشهود لها على امتداد العالم، واعترافها بتقدير وتثمين سياسات السلطان قابوس المفدّى، والإشادة بدوره فيما يتَّصل بالعمل على تحقيق وصيانة السلام، وهو أمر بالغ الدلالة -سواءً في قوة ما استند إليه هذا الحشد الكبير من الجـامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات المشاركـة، أو فـي أهميـة ما يُمثله هذا الجمع العلمي والسيـاسـي البـارز والتقـائه على رأى وتقييم واحد جَسَّدَه ترشيح السلطان قابوس وبلا منافس كأول قائد يتم منحه جائزة السلام الدولية.

وإذا ما أردنا تطبيقا عمليًّا للمقولة الأزلية التي ترى أنَّ الفيلسوف أحق الناس بعرش الدولة هي مقولة -في سلطنة عمان- لم تنبع من فراغ، بل من واقع معاش؛ حيث نرى كيف اقتفى السلطان آثار الحكماء والفلاسفة الكبار في تاريخ البشرية لينقلها من تهويمات التنظير، والدرس إلى عالم الواقع خاصة هؤلاء الفلاسفة المنادين بتبني مفهوم "الكفاءة والخبرة والعلم" في إدارة الدولة؛ فقد أجمع معاصروه على إيلائه نظرة واحدة لجميع مواطنيه دون تمييز، بل إنَّ فضل شخص على آخر يكون من باب الاجتهاد أو الدرجة العلمية والخدمة التي يقدمها إلى مجتمعه، ويدعو إلى نبذ المحسوبية في الاختيار، بل يقدم الوظائف الإدارية أو المناصب القيادية إلى أصحاب الكفاءات المختلفة؛ فهو يرى -بل يؤمن- أنَّ بوابة التقدم واعتلاء منصة الحضارة هي في ترسيخ هذا المفهوم ونشره بين أفراد المجتمع كثقافة واجب الأخذ بها والعمل بمقتضاها. ويتجسَّد هذا المعنى السابق في خطابه عام 1978 بقوله: "كل الأفراد العمانيين هم أخوة وأبناء، ونحن لا نحب أن نسمع أن هناك توظيفا أو تقريبا أو تمييزا على أسس غير الكفاية واللياقة والإخلاص، وعليكم جميعا أن تجعلوا نصب أعينكم دوما مصلحة عمان وشعب عمان".

ثم تأتي جوائز السلطان قابوس العالمية والمحلية لتضيف عنصرًا قويًّا للقوى الناعمة؛ متمثلة بأهم جائزتين: الأولى في "حماية البيئة"، والثانية في "الثقافة والفنون والآداب"، إضافة إلى 23 كرسيا علميا تختص بالدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط والثقافة العربية والإسلامية في جامعات عديدة حول العالم مدعومة بموسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية.

ويُمثِّل التاريخ العماني -مع الموقع الجغرافي الإستراتيجي لسلطنة عمان- أحد الأركان الإستراتيجية للقوى الناعمة مدعومًا بفلسفة للحكم تتخذ من التسامح السياسي والديني السائدين في المجتمع العماني، والنهضة الحضارية للسلطنة محور انطلاق للعمل مع ارتكاز السياسة الخارجية للسلطنة على مبادئ أساسية عادلة في مقدمتها: "الحياد الإيجابي"، والإيمان بالخير والسلام، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة، وتوطيد التعاون مع الأشقاء والأصدقاء.

فضلا عن تمتُّع السلطنة بالاستقرار الأمني؛ حيث لم يعد الأمن مقتصرا على مظاهر الأمن التقليدية، وإنما امتدَّ ليشمل كامل المظاهر؛ ومنها: الأمن الاجتماعي الذي صار من أهم مسؤوليات السلطنة تجاه من تطأ قدمه أرضها أو يدخل مياهها أو يحلق في أجوائها، مع وضوح في السياسات الحكومية الداخلية وتأثيرها الإيجابي على معدل السلم والاستقرار واحترام حقوق الإنسان وانخفاض معدلات الجريمة والمشاركة في بعثات حفظ السلام الأممية.

وبجانب هذا وذاك، يتجسَّد النجاح الاقتصادي للسلطنة في توفير وإقامة ودعم قاعدة صناعية على أسس واقعية ومدروسة، والاعتماد في غالبيتها على المتاح من خامات محلية.. مستندًا إلى قوانين مرنة تنظم الاستثمار الأجنبي تتيح فرص للاستثمار بنسبة 100% للمشروعات الأساسية والإستراتيجية؛ حيث حصلتْ السلطنة على المستوى الأول عربيًّا في العام 2002 نتيجة قيامها بإصدار ميثاق شامل لتنظيم وإدارة شركات المساهمة العامة ليتماشى مع أفضل المعايير الدولية لحوكمة الشركات؛ مشفوعًا باستحداث تشريعات وقوانين ومراجعة سلة القوانين القديمة بما يتواءم مع توجهات النظام العالمي وتبسيط إجراءات الحصول على تراخيص الاستثمار، والتوجه لاعتماد نظام "المحطة الواحدة" في استصدار التراخيص؛ وصولا إلى مناخ معتدل من الحرية الاقتصادية والأمان المالي والمنافسة وتنوُّع قاعدة الاقتصاد الوطني، واقتصار دور الحكومة على توفير البنيات الأساسية وتهيئة المناخ الملائم للاستثمار، مع قيام السلطنة بإعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات لتتماشى مع متطلبات العولمة والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتُعتبر سلطنة عمان من أنحج الدول العربية في كشف الجرائم الاقتصادية حسب ما أشار إليه التقرير الدولي، مع وجود "خارطة تجارية" والتي توفِّر معلومات تجارية لنحو 72 قطاعا مختلفا، إضافة إلى "دليل أسرار التجارة"، والذي يُوفر معلومات حول خطوات التصدير والمعلومات للشركات الصغيرة والمتوسطة.

ومن أجنحة القوى الناعمة العمانية: توافر قاعدة "تقنية للمعلومات والاتصالات" بإنشاء البنية الأساسية بتأسيس مجمع تقنية المعلومات "واحة المعرفة-مسقط"، وتطوير القدرات التقنية للشركات العمانية لمواكبة التطورات الاقتصادية على الصعيد العالمي ويحقق ميزة نسبية للسلطنة.

ونجاح ذلك بتركيز السلطنة على تطوير الموارد البشرية الوطنية -من خلال برامج التعليم والتدريب- حجر الزاوية في التنمية والتحديث والنهضة، وقد أكد السلطان قابوس في أكثر من مناسبة على أن "الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، كما أنه هو أداتها وصانعها، ونجاح أي مجتمع كان في إقامة الدولة العصرية يكون معتمدا على نجاحه في النهوض بموارده البشرية"، مع نمو مطرد في القطاع الزراعي، وتعد سلطنة عمان ثامن كبرى الدول المنتجة للتمور وزراعة النخيل، تستحوذ على نصف المساحة الزراعية بمعدل 8 ملايين نخلة، يسانده قطاع الثروة السمكية الذي يوفر عائدا اقتصاديا جيدا من خلال تصدير الأسماك العمانية إلى الأسواق العالمية؛ حيث يتم تصدير 50%من الإنتاج إلى تلك الأسواق، وبالإضافة إلى كونه غذاءً للسكان، فإنه مصدر لتوفير العملات الأجنبية للسلطنة.

ويُعد من عناصر القوى الناعمة العمانية الفاعلة محافظة السلطنة على التنوع البيئي والجيولوجي الذي تتميز به، وجاءت خطط التنمية والعمران متزامنة مع خطط المحافظة على البيئة وحماية الموارد الطبيعية، وإنشاء نظام متكامل للمحميات الطبيعية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، مع تطور في مستوى الخدمات الصحية والتجهيزات وزيادة في أعداد الكوادر العمانية المتخصصة؛ أطباء وهيئات تمريض وفنيي المختبرات وتحقيق مؤشرات صحية عالمية في المجالين العلاجي والوقائي أشادت بها الهيئات والمنظمات الدولية.

ويمثل حصول السلطنة على الكثير من الجوائز وشهادات التقدير من المنظمات الدولية المتخصصة إحدى ركائز القوى الناعمة التي يُمكن الانطلاق منها لبناء سمعة دولية وإستراتيجية نهضوية للخمسين سنة المقبلة.

1- بلورة إستراتيجية ‏وطنية لتطوير السياحة وإنشاء مشاريع سياحية فنادق عالمية واستراحات سياحية بجميع المحافظات وتأهيل المسارات الجبلية وإنشاء جميع طرق بمعايير عالمية...وغيرها من مشاريع البنية الأساسية، وتحوّل "مهرجاني مسقط وصلالة" ليكونا من أهم المهرجانات الإقليمية.

2- حضور المرأة العمانية في مسيرة المنجزات ومشاركاتها الإيجابية في شتى المجالات وأثبتت كفاءتها في تحمل كل المسؤوليات وفى جميع المواقع من منطلق شراكة.

Nasser_oon@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك