حينما نحلم...

 


مدرين المكتومية

حين تحلم تنبت حدائق غناء من الأمل في قلبك، وتكسو عالمك مساحات من ربيع الحب والسعادة؛ فقط عليك أن تؤمن بأنّ هذا الحلم سيتحقق يومًا ما على أرض الواقع، وأنه لن يكون جزءا من أمل ذبل كوردة حمراء جميلة سحقها الجفاف.. ليس صعب أن نحلم فأقل ما يمكننا أن نقدمه لأنفسنا دون أن نجبر على تقديم الضرائب من أجله هو الحلم..

جميعنا خسر الكثير من الأشياء التي سنحت لنا الفرصة يوما ما لامتلاكها واقعًا ولكننا كسبنا أشياء كانت يومًا ما ضمن أحلامنا المستحيلة.. فهناك صندوق جميل وردي اللون أو سماوي في قلب كل رجل وامرأه أطلق عليه أنا "صندوق الأسرار" يضم بداخله قصاصات ورقية نجمعها منذ الطفولة فنكبر وتكبر معنا بالألوان المختلفة بعمق ما تحمله كل قصاصة.. منها أحلام عابرة.. وأخرى أمنيات عصيّة المنال.. وأكثرها ملطخ بدموع الترجّي ومطالب الرجاء، ويظل أجملها ما تحقق خلال مسيرتنا الحياتية.
من هنا كانت البداية.. حلم جميل مغلف بإيمان بالله وحسن الظن به عزّ وجل، والأمل بتحقيقه، وإصرار على تجاوز عقباته، وفعلا هأنذا استيقظ على واقع كان حلمًا جميلا يسكن أضابير الخاطرة منذ خمسة عشر عامًا؛ لأجد نفسي في الـ ٢ من أغسطس ٢٠١٥ واقفة أمام تمثال الحرية بالولايات المتحدة الأمريكية وأنا أحمل بيدي فنجان "الإسبريسو" الساخن.. منتصرة للحرية على وقع فلاشات آلة التصوير لأوثق للمكان والزمان ولنفسي أولا، وأنّ طائر حلمي يرفرف فوق غصن سماوي ويستعد للتحليق عاليًا دون أن تصده الرياح العاتية..

قد يستنكر البعض عليّ هذا الحلم تحت حجة أن هذا ليس حلما عصي المنال وأنّ من السهولة بمكان تحقيقه، فهم يعتقدون أنّ المال قادر على أن يحقق لنا كل أحلامنا مهما كان حجمها؛ فالمال لا يجد شيئا صعبا لاختراقه.. ولكنني أقول لهم كما قالت مستغانمي "المال لا يجلب السعادة لكنّه يجعلنا نعيش تعاستنا برفاهيّة" وهو أمر واقع فعلا؛ فالمال يلغي من عالمك الحلم لأنك تستطيع أن تمتلك كل شيء دون الحاجة للتفكير فيه أو إيجاد آليات لتحقيقه.. ومع ذلك فأنا فخورة بنفسي أن حلما من أحلامي قد تحقق، وليس أي حلم وإنما هو حلم يحلق بجناحي الحرية لبلد عظيمة متقدمة فكريا وحضاريا لأثبت لكل من حولي أنني إذا ما أردت شيئا فسيتحقق بأمر الله ومشيئته رغم أنف الجميع.. حلمي هذا كان حلم طفلة صغيرة ومراهقه شابة، ومن ثمّ طالبة بسيطة وموظفه شغوفة.. وهأنذي أحققه وأخوض تجربة السفر والتنقل برفقة زميلتي فايزة وبقيادة الدكتوة ماجدة والصغيرة عُلا ..
قد يعتقد البعض أن السفر أمر سهل وهو كذلك فعلا لكن إن كان السفر هذا هو حلم يراودنا منذ زمن بعيد حينها ندرك ما الذي يعنيه تحقيقنا لهذا الحلم.. فالأمر لم يكن سهلا بالنسبة لفتاة مثلي تنتمي لعائلة بسيطة وتعيش بمنطقة جبلية تكاد تكون نائية.. يغلب عليها طابع الهدوء وليس لفتياتها حظ كبير في الاختيار بقدر ما يفرض عليهن في كثير من الأحيان أن يعيشن حياة ليست فيها خيارات كثيرة والغالبية فيها تنتمي لفصيلة الامتثال للأوامر.. لذلك كان الأمر بالنسبة لي تحديا كبيرًا في أن أحقق مثل هذا الحلم الذي قد يجده غيري بكل بساطة أمرًا عاديا جدًا يستطيع الحصول عليه بإشارة أصبع أو على طبق من ذهب .
أرى الآن التقدم الحضاري الذي يعيشه هذا المجتمع وانسجامه واندماجه مع كل الأجناس وهم يمثلون حلم هذا البلد الحر الذي يعيش أوج تقدمه في هذه المرحلة من الزمن.. أتمنى ان نجتمع كدول عربية وننسجم معًا لنقدم للإنسانية جزءا من السلام وعلى الرغم من أنني لا أزال في بداية الرحلة إلا أنني على يقين تام أنّ القادم منها سيكون أجمل.

  • تقول مستغانمي في روايتها " فوضى الحواس":

"ستعلمين كيف تتخلين كل مرة عن شيء منك..
كيف تتركين كل مرة أحداً، أو مبدأ، أو حلما..
نحن نأتي الحياة كمن ينقل أثاثه وأشياءه؛ محملين بالمبادئ.. مثقلين بالأحلام ومحاطين بالأهل والأصدقاء؛ ثم كلما تقدم بنا السفر فقدنا شيئاً، وتركنا خلفنا أحدا ..
ليبقى لنا في النهاية ما نعتقده الأهم والذي أصبح كذلك؛ لأنه تسلق سلم الأهميّات بعدما فقدنا ما كان منه أهم"..

عليكم بالحلم والإصرار على تحقيقه مهما كان الثمن؛ فأبسط حقوقكم كبشر هو "الحلم" فلا تحرموا أنفسكم منه..

تعليق عبر الفيس بوك