موسم "التبسيل".. تظاهرة اجتماعية وتراثية حافلة بالعادات والتقاليد العمانية الأصيلة

مسقط - العمانية

تشهد العديد من محافظات السلطنة موسم حصاد وتبسيل نخلة المبسلي وأصناف أخرى في تظاهرة اجتماعية واقتصادية حافلة بالعديد من العادات الأصيلة والتقاليد العريقة التي حافظ عليها العمانيون في إطار اهتمامهم بالنخلة ورعايتها وزيادة إنتاجها لكونها تمثل رمزا للعطاء والغذاء الدائم للأسرة العمانية. وتعود كلمة التبسيل إلى نوع من أصناف ثمار النخيل يسمى (المبسلي) يتم طبخها بعد اكتمال لونها الأصفر وتصبح (بسرة) وقبل أن تبدأ بالتحول إلى (رطب) وتتميز بكبر حجمها وتنتشر زراعتها في محافظة شمال الشرقية بشكل خاص وفي محافظتي جنوب الباطنة وجنوب الشرقية.

ويعد المبسلي الصنف الرئيسي لإنتاج البسور إلى جانب أصناف أخرى من ثمار النخيل مثل المدلوكي وابونارنجة أواخر شهر يونيو الماضي بعد نهاية جداد (حصاد) نخلة النغال وسط تفاعل أسري واسع حيث تتنوع الاستعدادات والمظاهر الاحتفالية في العديد من المحافظات ابتهاجا بهذه المناسبة السنوية التى يحرص عليها زراع نخلة المبسلي.

ويقول محمد بن بدر الحجري أحد منتجي البسور في ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية إنّ التبسيل قديمًا كان يقام كتظاهرة لا يقل الاحتفال بها عن الأعياد وما زالت العديد من الأسر محافظة عليها كجزء من إرث اجتماعي وتشكل عائداً اقتصادياً جيداً للأسرة.

وأوضح أنّ عملية التبسيل تبدأ بعد أن تصبح ثمار نخلة المبسلي مكتملة الإصفرار (بسر) حيث تتم عملية الجداد/ الحصاد/ ومن ثم فصل البسور من العذوق وتنقيتها جيداً من الشوائب وتحييد الثمار الناضجة أو التالفة ثم تنقل مباشرة لأماكن الطبخ التي تسمى (التركبة) وتوضع البسور في الماء في مراجل نحاسية كبيرة تشتعل تحتها النار ويتم طبخها وغليها جيداً لمدة تتراوح ما بين 15 إلى 20 دقيقة وهي المرحلة الأهم لضبط جودة المنتج حتى يصبح ذلك البسر في مرحلة من النضج ويسمى (الفاغور) بعدها يؤخذ إلى أماكن مفتوحة للتجفيف تسمى (المسطاح) ويترك معرضا لحرارة الشمس المباشرة ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام وعندما يصبح جافا تماماً تتم تعبئة المحصول ووضعه في أكياس ليتم بعد ذلك بيعها أو تصديرها.

وخلال عملية حصاد نخيل المبسلي والأصناف الأخرى في عملية تسمى (الجداد) تجتمع الأسرة صغارًا وكبارًا ويحرص الأبناء من الشباب والأطفال والنساء والرجال يشاركهم أقاربهم وجيرانهم على التواجد قبل طلوع الشمس في مزارع النخيل للتعاون والمساعدة في جني المحصول إذ يبدأ الرجال عملية الجداد بإنزال العذوق من أعلى النخيل فيما يقوم الأطفال والنساء بإجراء عمليات فصل الثمار عن العذوق وفصل الرطب عن البسر وتنقيتها من الشوائب. ويصاحب عملية الجداد عادات اجتماعية طيبة حافظ عليها العمانيون ويتمثل بعضها في التصدق بجزء من الثمار لصالح الفقراء وإعطاء كميات منها لمن قدموا يد المساعدة من الأقارب والجيران والأصدقاء إضافة إلى ترديد أناشيد تراثية جميلة خلال العمل تحث عليه وعلى التعاون وتمجد النخلة وتعبر عن البهجة والفرح .

وأشار محمد الحجري إلى أن المزارعين يبيعون محصولهم من البسور إلى الحكومة ممثلة بوزارة التجارة والصناعة التي تقدم دعمًا لمنتجي البسور إلا أنه منذ ثلاث سنوات بدأ المزارعون بالاتجاه نحو التصدير المباشر والبحث عن أسواق جديدة حيث إن السعر الذي حددته الحكومة للطن من البسور لم يتغير منذ سنوات طويلة رغم ارتفاع تكلفة الإنتاج.

وأشار الحجري إلى تشكيل لجنة تضم أعضاء من الحكومة ومن المنتجين سافرت إلى عدة دول من بينها الصين واندونيسيا للبحث عن أسواق جديدة يمكن تصدير البسور العمانية إليها ووجدت اللجنة أن الطلب على البسور في تلك الدول يأتي في شكل بودرة ليدخل في صناعات تحويلية أخرى أو كتمور مما حدا بالمنتجين إلى البحث عن مستوردين في جمهورية الهند حيث تمّ الحصول على أسعار أفضل.

وأوضح محمد بن بدر الحجري أن محصول المبسلي تراجع في السنوات الأخيرة سواء من حيث الاهتمام به أو من حيث تأثره بكثير من العوامل مشيرًا إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم وجود خيارات لدى المنتجين فيما يتعلق بالأسواق المستوردة وفقدان ثمار المبسلي حوالي 60 بالمائة من وزنها بعد عملية الطبخ وتدني أسعار البسور من أهم تلك المعوقات إضافة إلى تأثر نخيل المبسلي بالعوامل الجوية كارتفاع درجات الحرارة والأمراض النباتية كالمتق (دوباس النخيل).

وأكد على إصرار المزارعين للحفاظ على نخلة المبسلي وزيادة رقعتها الزراعية والبحث عن بدائل تعزز الفائدة الاقتصادية لهذه النخلة العريقة مشيرًا إلى أنّ أغسطس المقبل سيشهد تصدير كميات بسيطة الى إندونيسيا من المبسلي كتمر في أولى التجارب وإذا نجحت سنستمر ويمكن زيادة الفسائل كما نبحث في إمكانية الاستفادة من المبسلي كدبس في مرحلة مقبلة.

ومن جانب آخر، قال أحمد بن حمد الحارثي رئيس قسم البسور بدائرة الشؤون التجارية بالمديرية العامة للتجارة إن وزارة التجارة والصناعة تبذل جهودًا في مجال تشجيع المزارعين على التصدير المباشر من خلال تقديم الدعم والتسهيلات ويمكن للمزارعين الراغبين في التصدير المباشر الاستفادة من مبلغ الدعم الحكومي وقدره 62,500 ريال للطن وكذلك الإعفاء من رسوم التبخير للبسور المصدرة، كما تقوم الوزارة بجهود كبيرة من خلال لجنة تسويق منتج البسور التي شكلت بقرار من معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة والتي تضم في عضويتها ممثلين عن المزارعين والتي كان من أهم أهدافها دراسة الأسواق الخارجية والبحث عن أسواق ومنافذ جديدة لتسويق منتج البسور بالإضافة إلى الأسواق الحالية المتوفرة وإيجاد خط مباشر بين المزارعين والتجار في الخارج ومساندة المزارعين القائمين على التصدير المباشر من خلال الوقوف معهم وتقديم التسهيلات الممكنة بشأن مقترحهم بإقامة شركة مساهمة تضم كافة المزارعين منتجي البسور بما يوفر لهم عائداً مالياً أعلى وكذلك الاستفادة من جودة البسور العمانية في إمكانية إيجاد صناعات تحقق قيمة مضافة لمنتجهم.

واضاف الحارثي أنّ الوزارة دائمة التواصل مع المزارعين المنتجين للبسور للوقوف على ما يعترضهم من عقبات ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة كما أنّ التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى جار وكذلك مع جمعيات المزارعين لرفع مستوى الإنتاج والتركيز على جودة البسور وتشجيع المزارعين في الاستفادة من التقنيات الحديثة التي تساعد على رفع الإنتاج وتقليل التكاليف وحثهم للاتجاه الى صناعات تحويلية تقوم على هذا المنتج كما ان التنسيق جاري للقيام بدراسة بحثية تتعلق بتصنيف معايير الجودة وفق أطر علمية وإيجاد بدائل تصنيفية وتسويقية مع مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة والثروة السمكية وأيضا التنسيق مع الجهات القائمة على مشروع زراعة المليون نخلة.

وقال أحمد بن حمد الحارثي إنه يتم سنويا طرح مناقصة لأعمال المناولة وتجهيز البسور من خلال لجنة المناقصات الداخلية بالوزارة وفق كراسة الشروط المعدة والشركة التي ترسو عليها المناقصة ودورها يكون بتقييم البسور الموردة من المزارعين بصفة يومية لمخازن الوزارة بالوادي الكبير خلال الفترة المحددة لاستلام محصول البسور والتي قد تستغرق حوالي ثلاثة أشهر ويعتمد في تقييم منتج البسور على الصنف والجودة حيث يجري احتساب القيمة وفق جدول اسعار البسور المعتمد بالوزارة بما يشمل ذلك سعر الشراء والنقل والدعم الحكومي للطن الواحد ويتم التخزين في الأماكن المخصصة بمخازن البسور لكل صنف بعد أن يتم فرزها لتتم تعبئتها بعد ذلك في أكياس (جواني) بوزن صافي 75 كلجم وتكون بذلك قد انتهت مرحلة أعمال المناولة والتجهيز وتأتي بعدها مرحلة تصدير البسور .

وأشار الحارثي إلى أن معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة أصدر قرارا بتشكيل لجنة تسويق منتج البسور ودراسة الأسواق الخارجية وتضم في عضويتها عددا من ممثلي المزارعين في مناطق إنتاج البسور الرئيسية؛ وقد قامت اللجنة خلال العامين الماضيين بعمل زيارات لبعض الدول لترويج البسور فيها، وقد نتج عن تلك الزيارات تمكن المزارعين من التعاقد بشكل مباشر مع بعض التجار الهنود لتصدير كميات من البسور لهم عن طريق ممثلي المزارعين أعضاء اللجنة حيث كانت الكميات المصدرة بشكل مباشر من محصول عام 2013م تقدر بحوالي 308 أطنان فيما ارتفعت تلك الكميات لتصل إلى 820 طنا من محصول عام 2014م. وأوضح أنه تم خلال عام 2013 تصدير حوالي 4092 طنا من البسور إلى الهند عن طريق الشركة التي تعاقدت معها الوزارة فيما بلغت الصادرات خلال عام 2014 حوالي 1165 طنا وهناك كميات في مخازن الوزارة لم يتم تصديرها بعد وتقدر بنصف الكميّة المصدرة خلال عام 2014.

تعليق عبر الفيس بوك