حكومة أوروبية لمنطقة اليورو

فهمي الكتوت

في إطار البحث عن مخرج للأزمة المتفاقمة في منطقة اليورو، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تشكيل حكومة لمنطقة اليورو، مناشدا المواطنين تجديد الثقة بمستقبل المشروع الأوربي. وتأتي دعوة الرئيس الفرنسي بعدما كشفت الأزمة اليونانية الأخيرة عن خلافات حادة ليس بين الحكومة اليونانية وترويكا الدائنين فحسب، بل بين أقطاب منطقة اليورو ذاتها حول كيفية مواجهة الأزمات، بعد ما استهدفت ألمانيا التنكيل بالديمقراطية اليونانية، تحت تهديد سيناريو الرعب الذي ينتظر اليونان إن لم ترضخ للشروط المذلة، التي تمس السيادة الوطنية. وتعريض الشعب اليوناني لمزيد من الفقر والآلام، بفرض حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية والتقشفية، دون اعتبار لآثارها.

وجاء الموقف الألماني الأكثر تشددا برفضه دعوة صندوق النقد الدولي بإعفاء اليونان جزءا من ديونه، وإعادة جدولته، لإفشال التجربة اليونانية. وسد الطريق أمام أحزاب اليسار في أوروبا من الميل نحو التمرد على شروط الإذعان التي تفرضه ترويكا الدائنين، ونوع من التحذير للشعب الإسباني الذي سيتجه نحو صناديق الاقتراع في نهاية العام الحالي، من اختيار حزب بوديميوس اليساري، ببرنامجه الاجتماعي الذي يتمحور حول إعفاء إسبانيا من جزء كبير من ديونها أو الخروج من العملة الموحدة اليورو. فالأزمة الأخيرة أثارت حساسية واسعة من الأسلوب الفظ والمتعالي الذي استخدمته ألمانيا، بفرض مزيد من التقشف أو المغادرة.

أما الدعوة الفرنسية فقد جاءت بعد التحذيرات الصادرة عن بعض الخبراء من اتساع الأزمة، التي قد تؤدي إلى تفكيك الوحدة النقدية الأوروبية وانهيار اليورو. لكن الحكومة المقترحة لا تشكل إجراءً حاسما في مواجهة الأزمات المتعددة التي تعيشها القارة الأوروبية، فالدول الأوروبية التسع عشرة التي ترتبط بعملة واحدة، تعاني من أزمات متعددة، وإن اختلفت مظاهرها من دولة الى أخرى، إلا أن جوهرها واحد، وتعود لسببين رئيسيين:

السبب الأول: أزمة بنيوية ناجمة عن أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وهي جزء من الأزمة التي تواجه البلدان الرأسمالية عامة. ويكفي الإشارة الى التقرير الصادر عن الجهاز المركزي الأوروبي للإحصاء "يوروستات" حول ارتفاع الدين العام في منطقة اليورو خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي 2015 بحوالي 134.6 مليار يورو، ليرتفع الى 9.43 تريليونات يورو، ويشكل حوالي 92.9% من إجمالي الناتج الاقتصادي لمجموعة اليورو، واكد التقرير أن ديون إيطاليا ما زالت تمثل قنبلة موقوتة تبعث على القلق الشديد في أوروبا بسبب استمرار الارتفاع الكبير في دينها العام، الذي زاد بواقع 49.6 مليار يورو في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري ليبلغ بذلك 2.18 تريليون يورو. ويمثل حجم ديون إيطاليا حوالي 135.1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الثانية في قائمة أسوأ الدول بمنطقة اليورو بعد اليونان من حيث ارتفاع حجم الديون مقارنة بناتجها المحلي. واحتلت البرتغال المرتبة الثالثة في حجم المديونية بنسبة 129.6% تليها بلجيكا 111% ثم قبرص 106.8%، وجاءت إسبانيا في المرتبة الخامسة بدين عام يعادل 100% من حجم اقتصادها.

السبب الثاني: فهو متصل بوجود وحدة نقدية بين مجموعة من الدول، لا تتمتع بوحدة سياسية واقتصادية ومالية. وهناك تساؤلات حول مستقبل العملة الأوروبية، وهل ما أعلن في اليوم الأول من عام 1999 عن ميلاد عملة جديدة كان قرارا خاطئا من حيث المبدأ؟ وهل من الناحية الموضوعية يمكن إقامة وحدة نقدية بين مجموعة من الدول لا ترتبط بوحدة اقتصادية، وتفتقر لسياسات مالية موحدة، اكتفت بتأسيس بنك مركزي أوروبي، للحد من تقلبات أسعار الصرف بين مختلف العملات الأوروبية. علما ان هناك ارتباطا مباشرا بين السياسات النقدية والمالية والاقتصادية، خاصة وان الدول المكونة لمجموعة اليورو متفاوتة اقتصاديا، بعضها يعتبر في مقدمة الدول الصناعية، والبعض الاخر يعرف بدول الجنوب في أوروبا، إضافة الى دول شرق أوروبا، والتي يمكن وصفها بالمجموعة المتقدمة اقتصاديا، والمجموعة الثانية المتوسطة الدخل، والأخيرة الأقل تطورا. وان وجود عملة موحدة للمجموعات الثلاث أضعف من قدرة البلدان التي تعاني من مشاكل متفاقمة من الخروج من ازماتها وفقا للقوانين الرأسمالية التي تسمح في بعض الإجراءات الجراحية لإطالة عمر المريض. كتخفيض عملتها لتحسين القدرة التنافسية لصادراتها، ودفع عجلة النمو.

لقد وصف المفكر الاقتصادي المصري الدكتور سمير أمين إنشاء العملة الموحدة في أوروبا: كوضع المحراث أمام الثيران! أو كما نقول نحن وضع العربة أمام الحصان، "لا توجد نقود بدون دولة، فالدولة والنقود معاً يكونان في إطار الرأسمالية، الأداة لتحقيق المصلحة العامة للرأسمالية التي تتجاوز مصالح قطاعات الرأسمالية المتنافسة". فإما الاندماج بوحدة سياسية واقتصادية ومالية بين المجموعة، وما يعنيه ذلك من معيقات وأثمان تدفعها بعض البلدان بسبب التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيما بينها، واما خطر التفكك. أما أنصاف الحلول المقترحة من الفرنسيين فلا تغير في جوهر الموضوع.

تعليق عبر الفيس بوك