التعمين.. لا ضرر ولا ضرار

حمود الطوقي

ما إن أعلنت الحكومة الرشيدة عن إجازة عيد الفطر المبارك حتى اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي تدلو بدلوها في هذه الإجازة فهناك من يرى أن الإجازات الطويلة لا تخدم القطاع الخاص، وتنعكس سلبا عليه، وهناك رأي آخر يدافع بقوة عن أهميّة الإجازة خاصة أننا في عمان نختلف في التعاطي مع العيد كون العيد في عمان ليس للنزهة والاستجمام بل للعمل الشاق تلبية للعادات والتقاليد، وهناك من يرى أنّ إجازة العيد يجب أن تكون متجانسة مع الطبيعة الجغرافية للبلاد كون أن السواد الأعظم من المواطنين مرتبطين ارتباطًا وثيقا بالبلد والعاصمة مسقط تعد محطة للعمل الإداري.

سوف أركز في مقالي هذا على هاجس التعمين والتجاذب في لغة الحوار الذي يناقش التعمين كقضية بين أطراف الإنتاج، وأرى أن هذا النقاش سيظل بابه مفتوحا ما لم يكن هناك قانون يخدم كافة الشرائح من مبدأ لا ضرر ولا ضرار.

هذا الهاجس يقلق وبشكل دائم الأطراف التي تضع نفسها مسؤولة عن تطبيق التعمين كواجب وطني؛ وعلى رأس الهرم لهذه الجهة وزارة القوى العاملة المعنيّة بتنظيم سوق العمل.

لقاءات وحوارات ونقاشات على أعلى المستويات تطرح بين الفينة والأخرى لمناقشة هذا الهاجس الوطني الذي أصبح يلوح في الأفق بين متقبل ورافض للسياسة التي تنتهجها وزارة القوى العاملة في تحديد نسب التعمين في بعض القطاعات الإنتاجية.

الوزارة ترى أنّ رؤيتها صائبة في تحقيق نسب التعمين ضمن جدول وزمن محدد، ويجب على القطاع الخاص أن يطبق تلك القرارات والتعليمات لأنها تصب في مصلحة البلد، وذلك نظرًا للارتفاع الكبير في نسب الوافدين الذين تجاوزوا نسبة الـ 44% وترى الوزارة أنّه ينبغي على قطاع الخاص الالتزام بهذا الواجب بل والعمل على ترجمته إلى واقع فعلي وملموس.

الطرف الآخر وهو القطاع الخاص يتذمّر من مثل هذه القرارات الإجبارية، ويراها أنّها ليست في صالحه، وتضر بعجلة النمو والارتقاء بمكانة الشركة والمطلوب منها أن تكون منتجة وتحقق القيمة المضافة للاقتصاد الوطني .

هذا التجاذب بين عناصر الإنتاج سيظل الهاجس الذي يبحث عن حل مرض يجعل التعمين بين "المطرقة والسندان" وكونه أي التعمين واجبا وطنيا فيتطلب أن يكون عاملا ذا مردود إيجابي وليس عائقا على عجلة التنمية.

نعم، نتفق جميعا أن نساهم في دفع العجلة بما يعود بالنفع وليس بالضرر على أطراف الإنتاج.

وأرى أن هناك مهنا يجب أن تبقى مفتوحة للعمالة الوافدة منها على سبيل المثل لا الحصر سائق الشاحنات وكذلك مهن تتعلق بالمناولة ولا يجب أن نفرض قيودا على الكوادر الوطنية أن تعمل في مهن قد لا تكون مناسبة لها.

سنختلف ونتفق بأنّ العماني لا يترفع عن العمل، وبدأت أرى أن هذه المقولة غير سليمة فلا يجب أن نُقحم شبابنا وهم في عنفوان الشباب في مهن لا تليق بهم بل تجعلهم متذمرين متبعين مقولة "مجبر أخاك لا بطل".

علينا أن نعود إلى المربع الأول عندما كانت تؤهل الحكومة الكوادر الوطنية من خلال معاهد التدريب المهني، فهذه المعاهد التي أغلقت ساهمت في إخراج جيل من الشباب يعمل الآن في مناصب قيادية في قطاعات النفط والغاز وقطاع الإنشاءات.

بالامس أرسل لي أحد الأصدقاء ولديه وكالة بحرية يتساءل حول الهدف من الحكومة في فرض نسب التعمين في قطاع الملاحة لتصل إلى 77%، وقطاع النقل البري 84% والخدمات البحرية بنسبة 95% وقطاع البيع والتجزئة 65%.

حقيقة هذه النسب جديرة بأن يثور أصحاب هذه القطاعات فكيف يطبقون نسب التعمين في ظل عدم وجود كوادر وطنية أصلا؛ فالوضع الحالي أصعب مما كان عليه قبل عام ٢٠١١، فمن كان يعمل في القطاع الخاص وجد ضالته في الحكومة والأجهزة العسكرية، وأصبح البحث عن مندوب عماني أو سائق يتطلب منك جهدًا كبيرًا؛ وإن توفقت فعمله فقط كجسر للعبور إلى وظيفة أفضل.

أتمنى أن تجري وزارة القوى العاملة دراسة ميدانية حقيقية عن أثر التعمين في دفع العجلة الاقتصادية. وأتمنى أيضا أن نرى التعمين يطرق باب الوظائف القيادية.. وحتى يتحقق هذا المطلب يجب أن نعيد ترتيب أولويّاتنا بحيث يكون التأهيل قبل التعمين.

تعليق عبر الفيس بوك