رقائق(25)

عبدالله الحجي

المرء قد تلاحقه ذنوبه حتى وهو بين أطباق الثرى، في ذلك المكان المهيب منظره، العظيم وحشته، حين يسنُّ سنة سيئة يعمل بها من جاء بعده، أو يكون مصدر إعانة عليها، فليحذرالعاقلالوَجِل، إن لم تكن لديه صدقة جاريه، أن لا يكون لديه ذنب جارٍ. فالفساد أمرة عظيم، وشؤمه أليم، وشأنه خطير في الدنيا والآخرة، فهو مذلة ومهانة لصاحبه في دنياه، وخسارة عظمى في عقباه، من تأمل آيات الكتاب العزيز، لوجدها طافحة بذم الفساد والمفسدين، وكيف أن الله مقتهم، ولا يحبهم، ولا يُصلح عملهم؛ لأن الفساد يناقض ما جاءت به شريعة الإسلام من الإصلاح، والعيش في ظل مبادئ الإسلام السمحة، وتعاليمه القيِّمة التي ما إن عمل بها الإنسان، إلا وعاش في رغد من عيشه، وبحبوحة من دنياه وأخراه.

ومن الحماقة الحمقاء، والجهالة الجهلاء بالمرء أن يكون مفسدا في دنياه، ساعيا لنشر الفساد فيها بشتى الوسائل والسُّبُل، يتفنن في مبارزة الله بالعصيان، ودعوة الآخرين بالتصريح أو التلميح أن هلموا إلى ما يغضب الجبار المنتقم، فيسعى لبذر الفساد، غير لاوي على شيء إلا ما يحقق نهمه، وجشعه من هذه الحياة الفانية، ولذلك قيل: حب الدنيا رأس كل خطيئة.

فلا يكتفي بحمل ذنوبة الثقال التي ينوء بحملها؛ بل يُثقل نفسهبِثقل ذنوب من أضلهم، ويسرَّ لهم ارتكاب الفساد، واجترام الذنب في دنياه، قال تعالى:(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)(النحل: ٢٥)، وقال خير ناصح للخير، وداع لكل صلاح - عليه الصلاة والسلام - :"...ومَنْ سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"، فكم سانٍ سنة سيئة يتمنى لو أن الأرض ابتعلته قبل سنها؛ لما رآه من صدق الحقيقة، ويقين الجزاء، (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا)(الجاثية: 33).

تعليق عبر الفيس بوك