رقائق(21)

عبدالله الحجي

قد يرحل المرء، وينعدم وجوده من الحياة، إلا أنه يبقى حيا خالدا بين الأنام بذكره الحسن، وبما تركه من آثار خيِّرة في هذه الدنيا، فربما لا يمر يوم من أيام الفانية بعده إلا ويذكر بكتاب تركه، أو خير فعله، أو صدقة جارية أجراها، أو بسنة حسنة سنها في دنياه عمل بها عقبه، ومن تلاه، ففي الحديث النبوي يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً"، فيا له من ذكر محمود، وحال مرغوب حينما يُذكر المرء بحسناته، وفضائله التي كان يحسن صنعها في حياته.

ولنا في السابقين الأولين الراحلين عبرة وعظة، فرغم تطاول السنوات، وتعاقب الليالي والأيام الكثيرات على رحيلهم من الدنيا، إلا أنهم باقون بجميل ذكرهم، مذكورون بطيب صنيعهم، ما أن يذكروا إلا وتلهج ألسنة الأنام بالتَّرحم والاستغفار، فكم لسان تمتم بالرحمة لهم في وضح النهار أو دياجير الأسحار، وكل ذلك جزاء معروفهم الذي خلَّفوه في هذه الدنيا، ورحلوا عنه إلى رب العُلى، الذي إليه المنتهى، حيث الجزاء الأوفى، والحياة الأبقى،(وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: ٦٤).

فمن أراد الذكر الحسن بعد موته فليبادر إلى فعل الحسنات، وغرس الغراس الصالحات، ومنفعة بني آدم في هذه الدنيا، "والذكر للإنسان عمر ثانٍ"، فما زال في فرصة سانحة طالما ينعم بروح تُحيي له لحمه وعظامه، قبل أن يدركه هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فإن كل ما هو آتٍ آتٍ.

كمْ ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهم *** وعاشَ قومٌ وهمْ في الناسِ أمواتُ

تعليق عبر الفيس بوك