إستراتيجيات رمضانية(19)

إستراتيجية التعامل مع القرآن

سالم بن سعيد البوسعيدي

كل سفينة تحتاج قبطانا ماهرا يقود دفتها وسفينة بحجم سفينة رمضان،وأهميتها، وعظمة وجهتها قبطانها القرآن، الذي قاد آلاف الرحلات الناجحة.. لكنه يحتاج إلى مسافرين يقدرونه ويحترمونه ويتواصلون معه، يطيعونه فيما يقول وينتهون عما ينهى عنه

وعلاقة القرآن مع رمضان بدأت منذ بدء نزول القرآن، ففي هذا الشهر العظيم كانت أعظم وأشرف وأجل ليلة ولحظة إنها لحظة الوحي الأولى حادثة الوحي الأولى التي تعد - بغير مبالغة - هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها مما تحمله من دلالات، وهكذا كانت أعظم مزية لهذا الشهر العظيم أنه شهر نزول القرآن الكريم. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

ولا عجب فالقرآن ليس كلاماً يقرأ فحسب، بل هو (بيّنات من الهدى والفرقان)، فالهدى كل الهدى فيه: الهدى في العقيدة والتصور و شؤون الفرد والمجتمع والدولة والعالم كله...

والفرقان بين الحق والباطل، بين النور والظلمات، بين الشرع والهوى. ولهذا يحق لرمضان أن يلبس تاج الشرف مفتخراً بما كرمه الله الكريم بنزول القرآن الكريم في ليلة من رمضان العظيم المبارك في ليلة الشرف والقدر والرفعة.

وقد كان جبريل ينزل على رسول الله كل رمضان فيدارسه القرآن (أي يسمعه منه كأنه يتثبّت من حفظه) وفي هذا إشارة قوية إلى أن رمضان موسم للإكثار من تلاوة القرآن الكريم.

لهذا يدخل رمضان فيتسابق الكثيرون إلى المساجد، ينكبون على المصاحف يتلونها، منهم من يختمه مرة، ومنهم من يختمه مرتين أو ثلاث أو أكثر. فرمضان شهر القرآن، والكل يريد أن يحصل على ثواب القراءة، وهذا أمر طيب. ولكن إذا سألت الواحد ممن ختم القرآن في رمضان كم آية توقفت معها؟

وكم آية عشت معها بقلبك وجوارحك؟

وكم آية حاولت تطبيقها؟

فسنجد شيئا يدعو للأسف؛ حيث نرى قلة قليلة ممن عاشوا مع القرآن، أما الكثير فقد كان همهم ختم المصحف أكثر من مرة؛ دون النظر إلى المعنى المقصود، ودون الوقوف مع آية واحدة.

وهذا لأننا لم نتعايش مع القرآن ونتدبره حق التدبر، ولم نحاول أن نفهم مقاصده ومراميه.

لا أعني بالتدبر والمعايشة للقرآن ألا نكثر من تلاوته طلبا لأجر التلاوة، فالإكثار من تلاوته مطلوب، وفهمه وتدبره مطلوب أيضا، فكلا الأمرين مهم.. ولكن أعني ألا نجعل القراءة هي الأساس دون تدبر وفهم.

قال عبد الله بن مسعود: "لا تهذُّوا بالقرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم من السورة آخرها"

إستراتيجية التعامل مع القرآن

المفاتيح المعينة لتدبر القرآن عشرة مفاتيح التي استفدناها من كتاب مفاتيح القرآن:

القلب: حب القرآن هو المفتاح الأول للتدبر، فالقلب هو آلة فهم القرآن، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء، والعبد مفتقر إلى ربه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزهخلاصته وفتح القلب للقرآن يكون بأمرين :

الأول : دوام التضرع إلى الله تعالى وسؤاله ذلك

والثاني : القراءة المكثفة عن عظمة القرآن ، وحال السلف معه.

أهداف: أي استحضار أهداف قراءة القرآن ؟

أي لماذا تقرأ القرآن ينبغي أن نعرف قيمة القرآن وعظمته، وأن نستحضر الأهداف والمقاصد التي من أجلها نقرؤه، فدائما اسأل نفسك: لماذا أريد قراءة القرآن ؟

ولتكن الإجابة واضحة مفصلة

وإن كانت مكتوبة فذاك أولى، والمقاصد الأساسية لقراءة القرآن خمسة: العلم، والعمل، والمناجاة، والثواب، والشفاء.

كيف نقرأ القرآن الكريم ؟

الأحوال والكيفيات التي تحقق أعلى قدر من التركيز والعمق في فهم القرآن الكريم، هي:

صلاة : أن تكون القراءة في صلاة.

ليل: أن تكون القراءة والصلاة في ليل، أي وقت الصفاء والتركيز.

أسبوع : أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع، حتى لو لجزء منه.

حفظا : أن تكون القراءة حفظا عن ظهر قلب بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة.

تكرار : تكرار الآيات وترديدها لتحقيق مزيد من التثبيت .

ربط : ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة.

ترتيل : الترتيل والترسل في القراءة، وعدم العجلة، إذ المقصود هوالفهم وليس الكم، وهذه مشكلة الكثيرين، وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيرا عظيما.

جهرا : الجهر بالقراءة ؛ ليقوى التركيز ويكون التوصيل بجهتين بدلا من واحدة ؛ أي الصورة والصوت.

فهذه وسائل وأدوات يكمل بعضها بعضا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن الكريم، والانتفاع والتأثر بها، هذه المفاتيح هي التي تفتح الطريق للقرآن ليصل إلى قلب الإنسان وروحه.

salem2226@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك