حزمٌ .. وحزامٌ .. وخوذةُ أمان

هلال بن سالم الزيدي

الحياة مجموعة من السلوكيات مُتصلة مع بعضها البعض وتُشكّل الهيكل الإنساني المتأثر بالبيئة من حوله والمؤثر فيها، ومع تكرار السلوك في الحياة سيصبح عادة مهمة للشخصية الإنسانية، إذ إنّ ممارسة السلوك في قول أو فعل سيصبح من الأمور المهمة في الحياة، والشخصيات على اختلافها وتكوينها السيسولوجي تسير حسب ما تتبنى من أفكار ومعتقدات تجعلها في مسار صحيح واضح أو مسار متفاوت طالح، لذا نجد الكثيرين من أفراد المجتمع يمارسون حياتهم بحرص شديد حتى لا يقعوا في أخطاء بسيطة ستكلفهم الوقت والمال والجهد وكذلك مستقبلهم المهني أو الأسري أو الاجتماعي، فكثيراً ما نرى سلوكيات بسيطة أصبحت معتقدات يُحافظ عليها الفرد إلا أن تقويم تلك السلوكيات إن كانت تدور في حلقة الخطأ سهل جدًا لو ركزنا عليها وجعلناها في دائرة اهتمامنا، فلو جئنا في محيط الأسرة نجد السواد الأعظم منها تضع الخطط في رسم مستقبل أبنائها وتحرص أن يكونوا ذوي دراية وعلم بما يُحيط بهم وهذا ما نسميه بالتنشئة بمختلف مجالاتها، لكن مع هذا الحرص تطفو على السطح معتقدات وممارسات خطيرة وهي تلك المتعلقة بقواعد المرور والتي تُشكل الأسرة جزءاً منها.

فلذات الأكباد منذ ظهورهم على الحياة يتلقون الدلال والمحبة حتى يكونوا خير خلف لخير سلف، وبهم تدورالحياة في دورتها المنتظمة ليكونوا مساهمين في بناء الأوطان حسب المعرفة التي يكتسبونها من معتقدات آبائهم، وبالتالي يعمل الرجل والمرأة ليل نهار لتأمين الحياة الكريمة لأبنائهم، وتجدهم يتأثرون إذا أصابتهم شوكة أو لفحة حمى فهم جزء منهم، ومستقبلهم يجب أن يكون أفضل من آبائهم، ومع ذلك الحرص والاهتمام ينسون الأمور المهمة التي تغيب عن أذهانهم أو بالأحرى يغيبونها عنوة كونهم لا يؤمنون بها إلا من مبدأ الخوف من تطبيق القانون عليهم، فعندما تكون ثقافة السير في الطرقات مغيبة فحري أن تكون النتائج سلبية وستكلف الأسرة والمجتمع والدولة الكثير من الأموال، في المقابل لو التفتنا إلى بعض تلك السلوكيات لوجدناها بسيطة في شكلها لكنها عظيمة في مضمونها وخاصة المتعلقة بحزام الأمان ومقعد الأطفال الذي وضع بعد النتائج والحوادث التي غيبت طفولة بريئة وألقت بها في غياهب الإعاقة، وبالتالي أصبحت عالة على المجتمع بأسره.

تلك الكتلة الحديدية المتدحرجة على الأرض لا ندري كيف نُسيطر عليها في حالة ظهور شيء مفاجئ أمامها فتبقى التقديرات على الله العلي القدير، لكن هناك الكثير من اشتراطات السلامة وُضعت من قبل الجهات المختصة لزيادة ثقافة استخدام تلك الكتلة لتكون نعمة من نعم الله جلَّ وعلا، لكن هناك من يضرب بها عرض الحائط لمعتقد الأنا واللامبالاة، لتصبح نقمة ومجزرة نُدللها تارة ونُلقي عليها باللوم تارات كثيرة بسبب النفوس البشرية المحمّلة بعدم احترام الآخرين ووجودهم في المجتمع، فمن حق الطفل أن ينعم بحياة سليمة واضحة المعاني والأفعال، وهذا واجب على الأسرة الملتزمة بواجباتها تجاه هذه الحياة، لأنّ التناقض الذي شهدته الطرقات في استخدام المركبة جراء الحوادث يُنذر بكوارث تقع بسبب الإهمال، فكيف لأب يتسيد المقود متوشحًا بحزام الأمان خوفًا من مخالفة السير، ألا يكترثلتلك الأرواح التي تجلس بجانبه أو خلفه، فيعيث بالطريق بما أوتي من سلطان.. فهل حياته أغلى من أولئك الذين يكونون معه؟ طبعًا لا في الجانب النظري.. ولو سألته ما يمثله لك أولئك ( أبناؤك وزوجتك) سيقول بأبسط تعبير هم حياتي!! كيف هذا وأنت لا تُعيرهم الاهتمام في التقيد باشتراطات السلامة نهائياً.. حقاً إنّه التناقض الذي يولّد في نفوسنا البعد عن ممارسة القناعة لحفظ أرواح فلذات أكبادنا.

بحسب الإحصاءات فإنّ الإهمال في الالتزام بوضع حزام الأمان للسائق أو الراكبين الآخرين يعتبر العامل الرئيس لوقوع وفيات وإصابات حوادث المرور ففي الغالب يكون ضحايا الحواث والمصابين ممن لا يلتزمون بذلك، وهذا سببه السائق أو الأسرة التي لم تنشأ سلوكياتهم في اتجاهها الصحيح، فعلى الرغم من سهولة استخدام حزام الأمان نجد الكثيرين يتجاهلون ذلك المبدأ، وبالتالي تقع المعاناة الإنسانية وتتحمل موازنات الحكومة والمجتمعات المحلية أعباء كبيرة جراء ازدياد الوفيات والإصابات المترتبة على علاج ضحايا حوادث الطرق وعائلاتهم نتيجة الحادث.

لقد ركزت العديد من الجهات جهودها في توعية مستخدمي الطريق، لأنّ الندم لا ينفع بعد وقوع الخطر، ومن المعروف وحسب الدراسات التي تجرى وأجريت على المركبات والمتعلقة بلحظة التصادم أن الركاب الذين لا يضعون حزام الأمان يستمرون بالحركة بمقدار السرعة التي تسير عليها المركبة قبل التصادم ويشكّلون ما يشبه آلة المنجنيق التي تقذفهم نحو الأمام باتجاهعجلة القيادة بالنسبة للسائق على الأرجح أو نحو ظهر المقعد الأمامي بالنسبة لركاب المقعد الخلفي أو ربما يُقذفون إلى خارج المركبة كُلياً، وفي هذه الحالة تزداد بصورة حادة احتمالات التعرضللإصابات الشخصية البالغة الخطورة أو الموت، لذلك فمن الواجب أن يلتزم رب الأسرة أو من يكون خلف المقود باستخدام أحزمة الأمان ومقاعد حماية الأطفال كونها تُعد من أهم الإجراءات المستخدمة للحيلولةدون وقوع الإصابات في حوادث تصادم المركبات.

في مقابل ذلك وعندما يلتزم السائق أو الركاب بذلك الإجراء يكون الإنسان ثابتاً في مقعده، وتنخفض بالتالي سرعته بالتزامن مع معدل انخفاضسرعة السيارة، مما يؤدي إلى تخفيض كبير للطاقة الميكانيكية التي يتعرض لها الجسم، وبالتالي تنخفض مخاطر الارتطام بالأجزاء الداخلية للمركبة، لتقل خطورة الإصابة في حال حدوثها، واحتمالية انخفاض حدوث الوفاة في حال ارتداء حزام الأمان تكون ما بين 40 في المائة و 50 في المائة بالنسبة للسائق، وهي نسبة خطيرة إذا ما تمعنا فيها في حالة الالتزام بذلك، وتكون بنسبة 25 في المائة بالنسبة للركاب.ويقول الخبراء والمختصون في السلامة المرورية إن احتمالية الوفاة تزيد مرتين عند إهمال الحزام في حالة وقوع تصادم أياً كانت السرعة وهذا ينطبق على الرحلات القصيرة والقريبة من المنزل أو البعيدة، لذلك نرى الكثير من السائقين يهملون ارتداء الحزام عندما يكون مشوارهم قصيراً، وهذا بحد ذاته تصرف قاتل يشبه الحزام الناسف الذي يُهلك الحرث والنسل.

إنّ من الأهمية التنبيه وتغليظ العقوبة في تطبيق اشتراطات السلامة المرورية وخاصة المتعلقة بالركاب "الأطفال" كونهم محسوبين على السائق، لذلك وحفاظًا على الأجيال وجب على الجميع أن يكونوا واعين في استخدام الطريق من مبدأ المعتقدات، وليس خوفًا من وقوع المخالفة المرورية، لذلك يقاس هذا الأمر على تنشئة الأطفال على ارتداء الخوذات الواقية عند استخدامهم للدراجات الآلية أو الهوائية، وهذا ما نراه ينتشر وبقوة في فترة الإجازة الصيفية للطلبة، مما يؤدي إلى وقوع إصابات خطيرة، حيث تعمل الخوذات عبر تكويناتها على امتصاص الاصطدام وبالتالي فإن الرأس يتباطئ ويتوقف ببطء أكثر وهذا يعني أن الدماغ لا يرتطم بالجمجمة بالقوة الكبيرة التي يحدث فيها الحادث المروري، كما تنشر الخوذة قوى التصادم على مساحة أكبر بحيث لا تتركز على مناطق معينة من الجمجمة وهذا يعمل على تقليل أثر قوى الاصطدام بسبب الحادث، وكذلك تمنع الخوذة من الاتصال المباشر بين الجمجمة وموضع الارتطام من خلال العمل كحاجز بين الرأس والجسم الذي يرتطم به (كالأرض أو جسم السيارة).

من المؤكد عندما تجعل الأسرة عملية استخدام الحزام ومقاعد الأمان والخوذة في كل شاردة وواردة وكل ما يتعلق بحياة أبنائنا، فحري أننا نعطي أطفالنا ما يستحقون وما يجب علينا، لأن اهتمامنا بأبنائنا لا يتوقف في تأمين التعليم والصحة والمسكن لهم، وإنما يتعدى ذلك ليصل إلى حمايتهم من كل ما يمس طفولتهم بسوء.

همسة:

السلوك يحتاج إلى ثوابت ليتحول إلى معتقد وأساس مهم في الحياة، لذلك علينا أن نعتني بتعليم أجيالنا السلوك القويم.. لأن جهات الاختصاص تقوم بدور كبير والتكاتف معها واجب إنساني ووطني .. فكل التحية لشرطة عُمان السلطانية، وكل التحية للجمعية العمانية للسلامة على الطرق على الجهود المبذولة في تثقيف المجتمع باشتراطات السلامة.. فلا تكن عالة على المجتمع.. وإنما قدوة حسنة لمستقبل الوطن.

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك